منذ اعلان توليها منصب وزارة الداخلية في لبنان ، وتشغل ريا الحسن اهتمام الرأي العام العربي لكونها أول سيدة تتولى حقيبة الداخلية، واليوم تصدرت الوزيرة، اهتمام الشارع اللبناني وأشعلت فيه الجدل بتصريحاتها حول الزواج المدني .
وفتحت الحسن بابًا من الجدل وأثارت حملة من ردود فعل واسعة في لبنان، مع اعلان نيتها فتح باب حوار جدي في ملف الزواج المدني مع كل المرجعيات، حتى يتم الاعتراف بهذا الزواج.. فكيف ردت دار الفتوى على ريا؟ وما هي حظوظها في تمرير القانون؟
انقسم اللبنانيون حول هذا الملف، بين من يعتبره حقا وأساسا لبناء الدولة العلمانية، وبين من يعتبره محرما وفق الديانات السماوية.
وكانت الحسن قد قالت في حوار مع "يورو نيوز " أنها "تحبّذ، شخصياً، أن يكون هناك إطار للزواج المدني" مضيفة "هذا الأمر سأتحدث فيه وسأسعى لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري حتى يصبح هناك اعتراف بالزواج المدني".
عقب ذلك تصدرت ريا اهتمام الصحف اللبنانية، فكتبت صيحفة النهار في مقال لها الاثنين : "الزواج المدني... ريا الحسن"الجريئة " لكِ تحية ودعوة إلى الإنجاز".
ومع انتشار هاشتاغ #الزواج_المدني على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا البعض إلى "زواج مدني إجباري" و"زواج ديني اختياري".
مفارقة المنع والقبول
ويتميز لبنان بلد 18 طائفة بعدم وجود قانون موحد للأحوال الشخصية، كل طائفة لها قوانينها ومحاكمها الخاصة، في ظل الرفض القاطع لمشروع الزواج المدني الإختياري من قبل رجال الدين.
والمفارقة هي أنّ أيّ زواج مدني يُتمّم خارج الأراضي اللبنانية يُسجّل لاحقاً في دوائر الدولة، على أن تكون لذلك الزواج تبعات "صعبة" من حيث تسجيل الولادات في لبنان.
حيث يلجأ اللبنانيين الراغبين بعقد القران وفق الزواج المدني إلى قبرص أو اليونان نظرا لأن القانون اللبناني لا يجيز عقد القران على الأراضي اللبنانية إلا أنه يعترف بالزواج المدني المبرم خارج الأراضي اللبنانية وفق المادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر.
الرفض المطلق
وجاء الرد على تصريح ريا الحسن ، وأصدر المكتب الإعلامي في دار الفتوى، الإثنين، بيان أعلن فيه "موقف مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من موضوع الزواج المدني في لبنان وهو الرفض المطلق لهذا المشروع في لبنان، لأنه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية جملةً وتفصيلاً".
"ويخالف أيضا أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه، وبالتالي لا يمكن إقراره في المجلس النيابي من دون اخذ رأي وموقف دار الفتوى، وسائر المرجعيات الدينية في لبنان".
ودعا المكتب الإعلامي الى عدم الخوض والقيل والقال في موضوع الزواج المدني الذي هو من اختصاص دار الفتوى في الجمهورية.
ولم يختلف فحوى البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي التابع لدار الفتوى اللبنانية، في جوهره، عن تصريح قديم قام به مفتي الجمهورية السابق، محمد رشيد قباني.
وربما تكون النبرة في تصريح قبّاني هي التي دفعت برواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى إعادة نشره.
وكان قباني قال في العام 2013 "إن كل مسئول يواكب تشريع الزواج المدني هو خارج عن الإسلام، لا يدفن ولا يغسل ولا يكفّن ولا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين".
غير أن قباني أكد مجدداً، يوم الأحد، 17 فبراير، "أن تشريع الزواج المدني يشكل خطراً على أخلاق وتربية الأسرة المسلمة وأجيالها، لأن أحكامه مستوردة من الغرب العلماني المناهض للإسلام وشريعته"، بحسب ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام.
ورأى مفتي طرابلس، مالك الشعار، أن ريا الحسن، ابنة طرابلس، ووزيرة الداخلية "لم تستوعب معنى الزواج المدني في بعده الإسلامي والديني"، مضيفاً أن هذه الخطوة، لو تمّ إقرارها، "ستؤدي إلى تغيير الأحكام الشرعية التي جاء بها القرآن الكريم ويلتزم بها المسلمون".
بدوره، قال مدير "المركز الكاثوليكي للإعلام"، الأب عبدو أبو كسم: إن "الكنيسة لا تدعم الزواج المدني بالمطلق، لِكَوْنه يناقض مفهوم سرّ الزواج كنسيًا ولاهوتيًا، الذي هو سرّ اتّحاد في ما بين زوجَيْن وعهد يبقى بينهما إلى أن يفرّقهما الموت، وهذا هو السبب الذي يمنع التقاء الكنيسة بالزواج المدني".
جنبلاط وإليسا على الخط
ومن جانبه ، قال وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقديمي الاشتراكي في لبنان إنه يؤيّد قانون الزواج المدني.
وعبّر جنبلاط عن ذلك عبر تغريدة نشرها على صفحته الشخصية على تويتر.
وكتب جنبلاط متسائلاً "هل بالامكان ان ندلي برأينا دون التعرض للتكفير حول الزواج المدني .نعم إنني من المناصرين للزواج المدني الاختياري ولقانون أحوال شخصي مدني وكفى استخدام الدين لتفرقة المواطنين".
هل بالامكان ان ندلي برأينا دون التعرض للتكفير حول الزواج المدني .نعم انني من المناصرين للزواج المدني الاختياري ولقانون احوال شخصي مدني وكفى استخدام الدين لتفرقة المواطنين . pic.twitter.com/V0BOno3kkw
— Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) February 18, 2019
دورها وجهت الفنانة إليسا رسالة داعمة إلى وزيرة الداخلية ريا الحسن معبّرة عن تأييدها لمبادرتها إلى إعادة فتح النقاش حول الزواج المدني الاختياري.
وقالت إليسا ما معناه أن تجار الدين لا يزالون يكفّرون كل من يتكلم عن الزواج المدني في 2019، ولكنهم يقبلون به عندما يتم خارج لبنان، مضيفة أن "الدولة المدنية لا يجب أن تستأذن أحد" ، بحسب "يورو نيوز".
وتوجّهت إليسا بالقول للحسن "الله يقويكي".
صرنا بسنة ٢٠١٩ وبعدن بعض تجار الدين بيكفّرو كل حدا بيحكي عن الزواج المدني، بس بيقبلوه لما يكون برات لبنان. الدولة المدنية ما بدا ناخد إذن من حدا والله يقويكي@rayaelhassan
— Elissa (@elissakh) February 18, 2019
أما زينب عواضة، الصحافية والإعلامية اللبنانية، فتساءلت كيف سيؤثر إقرار الزواج المدني على الزواج الديني؟ مضيفة أن الأول ليس مرتبطاً بالثاني.
وأشارت عواضة إلى أن كل تلك الأمور "خيارات شخصية لن تؤثر على المجتمعات المدنية التي من المفترض أن تتحلى بالمناعة المطلوبة".
مين قال إنو إقرار #الزواج_المدني سيؤثر عالزواج الديني؟! شو خصن ببعض! اللي بدو زواج ديني راح يتزوج ولو في مكة واللي بدو زواج مدني حيتزوج بقبرص الفرق انو بيصير يتزوج بلبنان وبيوفر مصرياتو..
— زينب عواضة (@awadazeinab1) February 17, 2019
هيدي خيارات شخصية لن تؤثر على المجتمعات المتدينة اللي من المفترض أن تتحلى بالمناعة المطلوبة!
العقود المرفوضة
كذلك توجّهت مجموعة من المواطنين بكتاب مفتوح إلى الوزيرة ريا الحسن، مذكراً إياها بعقود زواج رفض وزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، تسجيلها وبلغ عددها 52 عقداً، واصفاً ذلك بـ "الممارسة الجائرة"، ومطالباً بتصحيحها.
وذكّر نص البيان برأي الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل الصادر في العام 2013 وفيه النقاط التالية:
- من حق اللبناني الذي لا ينتمي إلى طائفة ما أن يعقد زواجه مدنياً في لبنان.
- الكاتب العدل هو المرجع المختص لعقد الزواج المدني والتصديق عليه.
- الزوجان يمتلكان حرية تعيين القانون المدني الذي يتم اختياره من قبلهما ليرعى عقد زواجهما بالنسبة لآثار الزواج كافة.
بناء على مبادرة الوزيرة الحسن بشأن معالجة ملف الزواج المدني، وعلى أمل اتخاذ خطوات جدية وفعلية بهذا الشأن، وانطلاقاً من أحقية هذا المطلب ومشروعيته، يُرجي توقيع نص العريضة على الرابط أدناه ومشاركته بكثافة #زواج_مدني @BeirutMadinati @NidalD https://t.co/HWqwImVp5e
— NaylaGeagea (@NaylaGeagea) February 18, 2019
"مشروع لن يبصر النور"
يرى عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب غازي العريضي أن مشروع الزواج المدني في لبنان لن يبصر النور في الظروف الحالية.
وقال العريضي ل"سبوتنيك":"أهنئ الوزيرة ريا الحسن على موقفها الشجاع والمنطقي والعقلاني، وردات الفعل طبيعية جداً، لم يتغير شيء، المواقع الدينية في البلد التي نحترم ونقدر لها وجهة نظر في الموضوع، و رأيي أنا دون دخول في النقاش الديني ومن الناحية العملية والمبدأية يعلم المعنيون من رجال الدين والمعنيون من الرجال الذين يتعاطون السياسة أن الزواج المدني يتم بقوة في الخارج ويسجل في لبنان، ومنذ أن طرح هذا الأمر في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي والرئيس الشهيد رفيق الحريري، وحتى الآن الأرقام خيالية لناحية زيادة عدد المتزوجين مدنيا".
وأضاف:"بالتالي نحن كمن يهرب من الحقيقة، اللبنانيون يذهبون إلى قبرص للزواج مدنيا ويعودون ويسجل الزواج في الدوائر الرسمية اللبنانية، هذا على مستوى الإختلاط بين الطوائف، وثمة من داخل الطائفة نفسها من يختار الزواج المدني ولا يذهب إلى الزواج على قاعدة الأحوال الشخصية التي تخص المذهب المعني، لذلك العملية إختيارية ليست مفروضة على أحد، ويترك الحرية للناس لمن يختار هذا الخيار، بإمكانه أن يقوم به ومن لا يريده لأي سبب من الأسباب ليس ثمة أحد يلزمه به".
ولفت العريضي إلى أن "هذا المشروع لن يبصر النور في الظروف الحالية، ثمة مصالح مالية ومواقف إن صح التعبير دينية، وبين هذين الأمرين ندخل في حالة من المزايدات والشعبوية ".
"خط أحمر"
بالمقابل يرفض النائب عدنان طرابلسي الزواج المدني، وقال "سبق أن طرح في ما مضى ما يسمى بالزواج المدني، وقد تم رفضه من قبلنا ومن دار الفتوى ورؤساء حكومات والشخصيات والجمعيات والهيئات الإسلامية وعموم المسلمين".
وثيقة #الزواج_المدني الاول بتاريخ الجمهورية اللبنانية وكل ما على وزارة الداخلية فعله هو نقل الملفات القابعة لديها من ملف الوارد الى ملف التنفيذ الزواج المدني لا يحتاج الى اي نقاش @RimaTarabay @PaulaYacoubian @rayaelhassan @kholoud_G pic.twitter.com/4knaV56Ixp
— Nidal Darwishe (@NidalD) February 17, 2019
واعتبر أنه" خط أحمر ولن نسمح بتجاوزه ولا بالتلاعب بتنظيم الأحوال الشخصية عند المسلمين"، بحسب "سبوتنيك":
أول زواج مدني في لبنان
ويعود طرح الزواج المدني لأول مرة عام 1951 في مجلس النواب، حيث تم رفضه، وفي العام 1999 ناقش مجلس الوزراء مشروع قانون الزواج المدني و تمت الموافقة عليه بالأغلبية، إلا ان الملف لم يقدم إلى البرلمان للتصديق عليه.
وعلى الرغم من توقيع وزير الداخلية والبلديات مروان شربل عام 2013 على تسجيل أول عقد زواج مدني لنضال درويش وخلود سكرية، إلا أن عقد زواجهما لا زال عالقا في دوائر الأحوال الشخصية، وذلك بسبب غياب أي نص قانوني مدني نافذ يرعى أحكام هذا الزواج، ويحدد الإجراءات والآليات والمستندات المطلوبة لعقده وبته.
واشترط الوزير شربل آنذاك عدم تغيير طائفة درويش وسكرية وأكد على التزامهما إتباع قانون الاحوال الشخصية المعمول به في لبنان وذلك لضمان حقوقهم، الى حين صدور قانون ينظم الزواج المدني.
اشعر بالافتخار كمواطنة لبنانية بوزيرة الداخلية ريا الحسن، ليس فقط لنزاهتها واجتهادها بل لجرأتها على قول الحق مهما كانت كلفته
— بولا يعقوبيان (@PaulaYacoubian) February 17, 2019
الأبواق التي تنال منها هي مجرد أصوات تخاف على مكتسبات مادية وليست تنتصر لدين!
انتم تكذبون وريا صادقة، انتم تعترفون بالزواج المدني وبكل مفاعيله#بكفي pic.twitter.com/j7VpHb5hSO
القوانين الدينية التي تفرض بالقوة على الناس لا تفرق بشيء عن تطرّف داعش وغيرها.
— Talal Zeidan (@Talal_zeidan) February 17, 2019
الزواج المدني لا يلغي حريّة الفرد بالزواج الديني، فرض الزواج الديني كخيار وحيد أمام المواطنين هو إكراه وكفر بالدين نفسه
تحيّة ل #ريّا_الحسن على موقفك من #الزواج_المدني على أمل أنّ تستمر في هذا الموقف pic.twitter.com/lPtLC3LpG1
#الزواج_المدني طالما هو اختياري لماذا نعارضه...نحن في بلد الحريات ...فلكلّ رأيه وحريته إمّا يتزوج دينيا ً أم مدنياً.
— Yazbek Wehbe (@YazbekWehbe) February 17, 2019