وسط حصار وتأهب من قبل رأس النظام السوري وروسيا لمدينة إدلب، تسعى تركيا لتجنيب "عاصمة المهجرين" ويلات الحرب والتي أودت بحياة نحو 700 ألف شخص منذ اندلاع الثورة السورية قبل 8 سنوات.
فالحرب التي تطارد آخر معاقل المعارضة السورية شمالي سوريا، باتت وشيكة، بعدما تعالت تهديدات الروس عن قرب عملية عسكرية في تلك المنطقة، تزامن معه قصف مستمر لبشار الأسد.
ما يحدث في عاصمة المهجرين وضع الأتراك أمام علامات استفهام كثيرة، لعل أهمها: هل تنجح أنقرة في إنقاذ المعارضة؟ وما مصير الجماعات المتشددة الغير تابعة لتركيا حال بدء العملية العسكرية؟ وماذا لو انهارات اتفاقيات سوتشي والتي أبرمت قبل أشهر بين تركيا وإيران وروسيا.
ورغم كل تلك الجهود التركية لوقف الحرب في تلك المنطقة، فإن وزارة الخارجية الروسية عادت للحديث قبل ساعات عن أن موسكو لن تسمح بوجود "محميات للإرهاب" في سوريا، معلنة أن "العملية العسكرية المحتملة في إدلب ستكون منظّمة بشكل فعال إذا تمت".
وأعلنت تركيا على لسان سيدات أونال نائب وزير الخارجية التركية "أن تواجد المتطرفين في منطقة خفض التصعيد في إدلب لا يعد سببًا كافيًا لإجراء عملية عسكرية واسعة النطاق، ستسفر عن تدفق اللاجئين ومقتل آلاف المدنيين، وتخريب البنية التحتية المدنية".
كما أعلنت رفضها شنّ روسيا حملة عسكرية واسعة على إدلب، مشددة على أن اتفاق "سوتشي" مع روسيا لحماية المدنيين في المنطقة.
من جانبه، صرح سيرجي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي بأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، والوضع في إدلب؛ من أهم المواضيع التي ستكون على طاولة المباحثات خلال لقاء زعماء روسيا وتركيا وإيران في 15 فبراير الجاري، في سوتشي.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في مركز سيتا للدراسات جان أجون إن أنقرة لديها موقف صارم نحو منع قوات النظام السوري من مهاجمة منطقة تضم نحو أربعة ملايين مدني، ما سيتسبّب في خلق أزمات كبرى لهم، كما أن تجنيب المنطقة أي حرب مهم جداً لتقديم الحل الإنساني والسياسي.
وأشار أجون في تصريحات صحفية إلى امتعاض بعض مؤسسات الدولة التركية من تصرفات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، التي تضر السياسة الخارجية التي تتبعها تركيا لحماية إدلب من تبعات انتشار "الهيئة"، وإعطاء ذريعة لخصوم أنقرة.
وأضاف الباحث التركي أنه حتى اللحظة لم يتم القضاء على "البنى الإرهابية والمتطرفة في الشمال الغربي السوري كما أريد لها"، لكن تركيا تسعى لترتيب أوراق المنطقة، عبر حلول سياسية كخيار أول يجنّب المنطقة العمل العسكري الذي دخل الروس طرفاً في التلويح به.
وإذا لم ينجح الخيار الأول، فالخيار البديل يضيف أجون-هو إنشاء فيلق عسكري ملحق بإدارة إدلب، وأن تحل هيئة تحرير الشام نفسها، وتستبعد قياداتها، وتتجه نحو الاعتدال، وتشارك في إزالة أسباب تصنيفها إرهابية، لافتا إلى أنه في حال أصرّ النظام السوري على شن هجوم على إدلب، فالفيلق العسكري المدعوم من الجيش التركي سيتصدى له، وسيمنع وقوعها تحت سيطرته.
واستبعد الباحث أجون سماح روسيا للنظام السوري بتنفيذ عملية عسكرية شاملة في إدلب، حيث إنها تعد آخر معاقل المعارضة المسلحة التي تضم نحو مئة ألف من المعارضين المسلحين المدربين في المنطقة، وبالتالي سيؤدي هذا إلى حرب شرسة ومرهقة، ستحدث بسببها أزمة إنسانية تؤثر سلبا على روسيا في الساحة الدولية.
وذكر أن اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو هذا الشهر، ربما يوضح شكل الصفقة التركية الروسية حول إدلب.
وفي الأيام الأخيرة، عادت منطقة إدلب السورية محط أنظار الجميع، على خلفية أحداث وضعت المدينة التي تسيطر عليها المعارضة السورية أمام مفترق طرق، بسبب استمرار الأسد قصف المدنيين، آخرها قبل يومين حين قتل 5 مدنيين بينهم طفلان، وأصيب 3 آخرون، في قصف مدفعي شنه الأسد ومليشيات تابعة لإيران، على منطقة "خفض التصعيد"، شمال غربي البلاد، في انتهاك متجدد لاتفاق "سوتشي".
ومنذ بداية العام الجاري، تزايدت هجمات قوات نظام بشار الأسد والمليشيات الموالية لإيران على المدينة التي تحتضن بداخلها الآلاف من السوريين المهجرين.
وتسيطر فصائل المعارضة المسلحة على إدلب منذ عام 2015 ويقطن فيها نحو 3 ملايين شخص، ونصفهم نازحون من مناطق اقتتال أخرى، حسب أرقام الأمم المتحدة.
وتقع إدلب ضمن مناطق "خفض التوتر"، في إطار اتفاق تم التوصل إليه العام الماضي خلال مباحثات أستانة، بضمانة من روسيا وإيران وتركيا.
وتعد إدلب (شمال) من أوائل المحافظات السورية التي انتفضت ضد نظام بشار الأسد عام 2011، وقد خضعت لسيطرة المعارضة منذ عام 2015، وتلقب بالمدينة الخضراء، وعرفت التهجير والنزوح والقصف، ووضعت ضمن المنطقة الرابعة من خفض التصعيد بحسب اتفاق أستانا6.