يبدو أن الحكومة الجزائرية وجدت ما يشغل الرأي العام أكثر من الانتخابات الرئاسية وترشح الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامس.. فالحكومة قررت السماح باستيراد لحوم الحمير!.
قرار الحكومة أثار جدلا واسعا لدى الجزائريين ، متسائلين عن جدوى استيراد مواد تتنافى مع عاداتهم وتقاليدهم الغذائية ، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بالتعليقات الناقدة والساخرة ، بعد أن أعلن القرار في الجريدة الرسمية في البلاد.
فبداية من شهر مارس 2019، ينتظر أن تدخل أطنان من لحوم الحمير، البغال والخيول، بعد رفع الحظر عن استيرادها من قبل الحكومة وفقاً لقوانين رسمية جديدة.
في الوقت الحالي، لا يوجد في الجزائر سوى محلات تعد على رؤوس الأصابع مخصصة لبيع لحوم الخيول لا غيرها.
حمير طازجة أم مجمدة!
ينتظر أن تدخل شحنات من لحم الحمير والبغال والخيول البلاد بداية من الشهر القادم، وستكون متوفرة وفقاً لكل الطلبات، أي طازجة، أو باردة أو مجمدة.
وحرصت القوانين المتعلقة بهذه اللحوم في الجريدة الرسمية، على إبراز شروط، وصيغ استيراد هذا النوع من اللحوم، مع تحديد قيم الاقتطاع من الرسوم وقيمة الضرائب الخاصة بكل مستورد.
ويأتي السماح باستيراد هذه اللحوم ضمن خطة لرفع حظر واسع النطاق عن أعداد كبيرة من الواردات والتي تجاوزت 851 سلعة، منها الهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية والمواد الخام وبعض السلع الغذائية ومنتجات أخرى ، من إفريقيا، وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ولم يذكر قانون رفع حظر الاستيراد الأخير في الجزائر، مصدر تلك المواد كانت قارة أو دولة، باستثناء غينيا.
المرسوم الصادر بالجريدة الرسمية الجزائرية الأخيرة لم ينص إن كانت اللحوم المسموح استيرادها هي في الأصل موجهة للاستهلاك، واكتفى بوصفها بالبضائع موضوع التقييد عند الاستيراد.
ولكن بعض الخبراء يرون بأن استيرادها لن يقتصر هدفه على الاستخدام الغذائي بل سيكون لأهداف أخرى أيضاً.
استيراد الحمير والانتخابات
الجزائريين، الذين لم يتعودوا على أكل مثل هذه اللحوم سواء لأسباب دينية أو لعدم تقبلها كسائر الشعوب العربية، تسائلوا عن أسباب رفع الحظر عن استيراد لحوم الحمير والبغال والخيول.
وتطرق البعض إلى إن بداية جمع التوقيعات للمرشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل 2019، واعلان ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة ربما يكون له دور في طرح مثل هذه المسائل المثيرة للجدل .
بدوره، ربط الناشط بن سديرة السعيد، قرار السماح بدخول شحنات من لحوم الحمير، بالواقع السياسي في البلاد.
وكتب في صفحته الرسمية على فيسبوك "في ظل الكرنفال القائم بخصوص الانتخابات الرئاسية واستعداداً لاستقبال أول شحنة من لحوم البغال والحمير وقبل أن نشبع من هذه اللحوم من حقنا طرح السؤال التالي: – متى يتم تعيين رئيس المجلس الدستوري الجديد الذي بدونه لا يمكن إجراء الانتخابات؟؟؟ ومن سيكون؟؟؟ – أين اختفى الفريق قايد صالح رئيس الأركان حامي مؤسسات الدولة وبالأخص دستورها وما هو موقفه من هذا الكرنفال؟؟؟".
الفتوى الدينية
ودخل رجال الدين أيضاً في الجدل القائم بشأن رفع الحظر عن استيراد لحوم الحمير والبغال في الجزائر.
و أفتت نقابة الزوايا الأشراف في الجزائر بجواز أكل لحم الحمير، في أعقاب سماح الحكومة باستيرادها من الخارج.
وقالت:"إن ذلك لا ضرر ولا ضرار فيه، وإنما هو مكروه فقط، في منكر في صوته. واستدلت بصحة كلامها بكتاب الشيخ الفارس «منافع ودوافع لما خلق الله»".
ولأن هذه الفتوى أثارت الكثير من الجدل، فقد نشرت بعدها نقابة زوايا الأشراف توضيحاً عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، تقول فيه "إن ما صدر منها سابقاً فهم بالخطأ ، وأنها ليست أهلاً للفتوى حتى تحلل أكل لحم الحمير".
ومن جانبه ، رد رئيس نقابة مشايخ الزوايا في الجزائر الشيخ «علي عية» على الفتوى المنسوبة للنقابة بالتأكيد على التحريم الكلي لأكل لحوم الحمير، وفقاً لنصوص من الكتاب والسنة، واعتبر أن لحوم الحمير التي أجيز أكلها هي الوحشية، وهي منقرضة تماماً.
"الحمير للأجانب"
ممثل وزارة التجارة، مفتاح سمير، قال في تصريح صحفي، الخميس، أن تغليطا ومغالطة كبيرين حدثا في هذا الموضوع الذي أخذ أبعادا أخرى لا مبرر لها.
وأضاف مفتاح أنّ "الجزائر من خلال وزارته تعد من أكثر الدول صرامة وتشديدا في مجال مراقبة مواد اللحوم والحليب وأحيانا هي أكثر صرامة من بعض الدول الأوروبية".
وتابع ممثل الوزارة: "إنه بموجب الاتفاقيات الدولية يجب أن تكون لنا تعريفات جمركية لكثير من المنتجات والمواد وهو ما أقدمت عليه بلادنا غير أنّ هذا لا يعني أبدا منح الموافقة بالاستيراد، كما أنّ الرخصة بإدخال أو جلب كميات محددة جدا تكاد تكون منعدمة وتخص حالات شاذة ونادرة، تقتصر على بعض المناسبات أو الوجهات" بحسب صحيفة "الشروق" الجزائرية.
ونفى المتحدث وجود أي مستورد في هذا المجال أو وجوده لاحقا حيث قال: "مستحيل.. فلم يسبق للجزائر أن منحت هذه الرخصة فهي مجرد بند لم يستعمل مثل العديد من البنود الأخرى الموجودة التي لا وجود لها إلا في القانون".
وبدوره، نفى مدير التبادلات التجارية بوزارة التجارة مسعود بقاح وجود توطين بنكي لاستيراد لحوم الحمير والبغال، واصفا الأخبار التي ترددت بشأن السماح لاستيراد بعض المنتجات على غرار لحوم الحمير والبغال، بـ"افتراءات غير مؤسسة".
إلا انه استدرك :"ما يجب أن يفهمه الجميع أن هناك عشرات الشركات الأجنبية التي تشغل آلافا من العمالة الأجنبية خصوصا الآسيوية منها في إطار إنجاز مشاريع استثمارية ببلدنا، وهم ليسوا مجبرين على استهلاك ما نستهلكه لذلك تلقينا أثناء عمليات الحظر عشرات الطلبات من الشركات الأجنبية للسماح لها باستيراد بعض المواد الخاصة بها والموجهة للاستهلاك المباشر لعمالها على مستوى قواعد الحياة، أما عدا ذلك فأؤكد رسميا أنه ليس هناك أي عملية توطين بنكي لاستيراد هذا النمط من اللحوم، وليس هناك أي متعامل اقتصادي وطني سجل في هذا النوع من الاستيراد".
وفي السياق، أوضح الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس أنه يتعين على الوزارة أيضا عدم مغالطة المواطنين فالنفي لا يكون بالكلام والتصريحات فقط وإنما يكون كتابيا عن طريق قائمة ممنوعات تحدد المواد التي لا تندرج في هذا الإطار لأن تحرير مجال الاستيراد وفرض الغرامات بهذا الشكل يعني أن المجال مفتوح بالكامل.
وبخصوص التعريفة الجمركية أوضح محدثنا أن تخصيص تعريفة جمركية لكل منتج لا يعني أبدا السماح باستيرادها كما أنه لم يحدث إلى الآن توطين رؤوس أموال من قبل البنوك لاستيراد هذا الصنف من اللحوم ولا يعتقد بوجوده لاحقا حتى مع الضريبة التي بلغت 70 بالمائة، وإن كان الانفتاح على السوق والتماشي مع الاتفاقيات الدولية يقتضي من الجزائر ذلك.
وأضاف لالماس أنه يتعين على وزارة التجارة تحديد الأصناف ضمن تعريفتها الجمركية بكل تدقيق سواء تعلق الأمر بلحوم الحمير والبغال أم الخنازير وحتى المشروبات الكحولية.
غضب شعبي
وتناول الجزائريون استيراد الحمير وعبروا عن رفضهم وسخريتهم من القرار على مواقع التواصل الاجتماعي .
فكتب الحسين فضيلي على موقع تويتر: "حكومة الجزائر تفكر في الأجانب المقيمين لذلك تجلب لهم لحوم الحمير والبغال".
وأضاف: "بالمقابل لم تحمل هـم الجزائريين لتجلب لهم لحم الحلال، متسائلاً: "هل هي حكومة للتمثيل الأجنبي أم مطلوب منها تحمي المستهلك الجزائري".
حكومة الجزائر تفكر في الأجانب المقيمين لذلكل تجلب لهم لحوم الحمير والبغال . وبالمقابل لم تحمل هــــــــــــم الجزائريين لتجلب لهم لحم الحلال .
— الحسين فضيلي (@elhossinfod) February 2, 2019
هل هي حكومة للتمثيل الأجنبي أم مطلوب منها تحمي المستهلك الجزائري .؟؟؟
وغرّد بن سالم بشير: "سماح الجزائر باستيراد لحوم البغال و الحمير يدمر الاقتصاد الوطني و يستنزف العملة الصعبة، لأنه عندنا حمير وبغولة بزاف.. ناكلوا حميرنا اولا ثم نجيبوا حمير بقية الاجناس".
سماح الجزائر باستيراد لحوم البغال و الحمير يدمر الاقتصاد الوطني و سيتنزف العملة الصعبة ..
— bensalem bachir (@BachirKhalas) January 29, 2019
لانه عندنا حمير وبغولة بزاف..
ناكلوا حميرنا اولا ثم نجيبوا حمير بقية الاجناس
وتساءل أحد النشطاء قائلا "هل الجزائريون يستهلكون هذه المواد الغذائية المثيرة للاشمئزاز والمحرمة دينيا وقانونيا، أم أنها كانت حاضرة على موائدهم دون أن يعلموا بذلك؟ لماذا لا يتم استيراد الأدوية المفقودة للمرضى وما ينفع المواطنين؟".
وجاءت تعليقاتهم الغاضبة مشوبة بقدر من السخرية؛ فكتب أحد المغردين عبر تويتر: "علاش نستوردو لحوم الحمير والبغال وحنا عدنا مسئولين ندبحووهم وخلاص" ، بينما اعتبر آخر ذلك شكلا من أشكال نهب الثروات.