"الحق في الحياة والصحة والتعليم واللعب والحماية من العنف".. هذه هي حقوق الطفل في الاتفاقية الموقعة عام 1989.. إلا إن أطفال فلسطين لا ينجون من نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي ولا من عنف المستوطنين في الخليل ، وفي المقابل يسعى شباب فلسطين المحتلة لحماية أقرانهم .. فمن هم "شبان ضد الاستيطان"؟
يناير الماضي أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في ، أن دولة الاحتلال أنهت مهمة بعثة المراقبين الدولية التي تتخذ من مدينة الخليل مقراً، متهماً البعثة "بالعمل ضد إسرائيل". وغادر المراقبون الخليل في 31 يناير الماضي.
وحذر المسئولون الفلسطينيون من إن سحب المراقبين الدوليين قد يزيد انتهاكات المستوطنين في المدينة.
وقال رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنانة إن الإسرائيليين لا يريدون شهودا على جرائمهم بحق الفلسطينيين في أي مكان، لا سيما في الخليل.
وحذّر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، من أن إسرائيل تسابق الزمن لضم الضفة الغربية، وترسيخ مشروعها الاستعماري التوسعي "إسرائيل الكبرى".
ودعا عريقات الأمم المتحدة إلى تنفيذ آليات دولية فورية لحماية الشعب الفلسطيني، وتنفيذ قرارها في هذا الشأن.
والأحد رافق شبان فلسطينيون ، أطفالاً متوجهين للمدارس في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، مشيرين إلى أن حماية الصغار من المستوطنين الإسرائيليين باتت ضرورية بعد مغادرة المراقبين الدوليين.
ارتدى شبان فلسطينيون من مجموعة تطلق على نفسها "شبان ضد الاستيطان" قمصاناً زرقاء كتب عليها بالعربية، والعبرية، والإنجليزية "مراقب حقوق إنسان".
وقال المسئول في المجموعة عيسى عمرو: "بدأنا اليوم حملة محلية لتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال المتوجهون للمدارس في هذه المنطقة التي دائماً ما يكون فيها مستوطنون وجيش الاحتلال".
وأضاف "لن نحل محل المراقبين الدوليين، لكننا نحاول قدر استطاعتنا تأمين ذهاب الأطفال إلى المدارس" ، بحسب "فرانس برس".
ووقعت مناوشات بين مستوطنين وفلسطينيين وجنود إسرائيليين، أثناء مرافقة الشبان للأطفال.
وكانت مهمة المراقبين الدوليين تقضي برصد تجاوزات المستوطنين أو الفلسطينيين، دون التدخل مباشرة لدى وقوع حوادث.
وتقع 4 مدارس فلسطينية في هذه المنطقة من مدينة الخليل التي تشهد صدامات يومية بين المستوطنين وسكان المدينة الفلسطينيين.
ويُعتبر الحرم الإبراهيمي في الخليل مكاناً مقدساً للمسلمين واليهود، على السواء.
"الخليل" المدينة العصيّةً
الخليل هي أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة ويعيش فيها نحو 600 مستوطن يحميهم آلاف الجنود الإسرائيليين، وسط نحو 200 ألف فلسطيني.
وتقع المدينة الخليل المرتفعات الجنوبية للقدس، وتبعد عنها 44 كلم، وهي ترتفع عن سطح البحر 927 م.
ويوجد في الخليل أكثر من عشرين مستعمرة مقامة على أراضيها التي صادرتها سلطات الاحتلال العنصرية لهذا الغرض.
وتعَدّ مركزاً لبعض المتطرفين من المستوطنين اليهود؛ نظراً لأهميتها الدينية.
وإن جاز القول، فالخليل ثاني مدينة مقدَّسة في أرض فلسطين الحبيبة بعد القدس الشريف. وهي من ضمن المدن الواقعة تحت نير الاحتلال الصّهيوني بعد نكسة يونيو 1967، والخليل ذات كثافة سكانية عالية، وكل أهلها مسلمون، فعمدت السلطات الإسرائيلية على وضع المستوطنات ومنها مستوطنة «كريات أربع»؛ لتكون ذريعة للتدخل الإسرائيلي، ويقدر عدد سكانها بأربعمائة يهودي، أغلبهم متدينون شديدو البغض والكره للمسلمين بصورة تفوق نظراءهم اليهود العاديين.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) يوم الجمعة 7 يوليو2017 إدراج المدينة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، رغم الاعتراض على القرار من قبل السلطات في إسرائيل.
مذبحة "الحرم الإبراهيمي"
ويعود تاريخ إنشاء البعثة إلى فجر يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان، حين نفذ الإرهابي الإسرائيلي باروخ غولدشتاين، بمشاركة قوات الاحتلال الإسرائيلي وجموع مستوطني "كريات أربع"، المجزرة البشعة التي تنم عن حقدٍ دفين بحق الفلسطينيين.
وعند تنفيذ المذبحة قام جنود الاحتلال المتواجدون في الحرم بإغلاق أبواب المسجد؛ لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم للوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.
وفي وقتٍ لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد، وأثناء تشييع جنازات الشهداء، ما رفع مجموعهم إلى حوالى 50 شهيداً، 29 منهم استشهدوا داخل المسجد.
وفي اليوم نفسه تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية، وقد بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال 60 شهيداً.
وأغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكّلت ومن طرف واحد لجنة العار «شمغار»؛ للتحقيق في المجزرة وأسبابها، وخرجت اللجنة في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، وفرضت واقعاً احتلالياً صعباً على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه، حوالي 60% بهدف تهويده والاستيلاء عليه.
وتكرر منع الاحتلال رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة ، ويضم القسم المغتصب من الحرم: مقامات وقبور أنبياء، منها قبر سيدنا يعقوب وزوجته، وقبر سيدنا إبراهيم وزوجته سارة، وقبر سيدنا يوسف، إضافة إلى صحن الحرم، وهي المنطقة المكشوفة فيه.
كما وضعت سلطات الاحتلال بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلقت معظم الطّرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخان الخليل، وشاهين، وشارعي الشهداء والسّهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
وعزز جنود الاحتلال الإجراءات الأمنية على مدخل الحرم؛ حيث توجد بوابة إلكترونية، وما يسمى ببوابة القفص، ونقاط المراقبة على باب الأشراف، كل هذا في مساحة لا تزيد عن 200 متر مربع، إضافة إلى وضع 26 كاميرا داخل الحرم، وإضاءات كاشفة ومجسّات صوت وصورة، وإغلاق جميع الطّرق، باستثناء طريق واحدة تحت السّيطرة الإسرائيلية.
وأوصت لجنة «شمغار» الإسرائيلية بفتح الحرم كاملاً (10 أيام) للمسلمين في السنة فقط، وكذلك فتحه كاملاً أمام اليهود (10 أيام).
ولاقت مذبحة الحرم الإبراهيمي تأييداً من الغالبية العظمى في دولة الاحتلال، وعندما سئل الحاخام اليهودي موشي ليفنغر عما إذا كان يشعر بالأسف على مَن قتلهم غولدشتاين، ردَّ قائلاً: "إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة" (ذكر ذلك الكاتب اليهودي يسرائيل شاحاك في كتابه الشريعة اليهودية).
ويعتبر اليهود غولدشتاين بمثابة قديس، كما جعلوا من قبره مزاراً، وقد خصص الاحتلال الإسرائيلي عدداً من جنود حرس الشرف الذين يؤدون له التحية العسكرية كل صباح إلى يومنا هذا.
وتشكلت مجموعة تسمى رسميا "بعثة الوجود الدولي المؤقت في الخليل" وبدأت عملها على الأرض في 1997.
بعثة المراقبين الدوليين
وتأسست بعثة المراقبين الدوليين في فبراير1994، بموجب اتفاق فلسطيني إسرائيلي، بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي.
وكانت البعثة التي تقودها النرويج تضم 64 مراقباً من جنسيات نروجية، وسويدية، وإيطالية، وسويسرية، وتركية، وكانت ترسل تقاريرها للدول الأعضاء فيها إضافة للسلطات الإسرائيلية والفلسطينية وتجدد مهمتها كل 6 أشهر.
وتعتبر الأمم المتحدة أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "غير قانونية"، بينما تتسمك إسرائيل بالاستيطان، وهو أحد أسباب تجميد مفاوضات السلام، منذ أبريل 2014.
وحسب الاتفاقية، تم تقسيم المدينة إلى قسمين: منطقة H1، وهي خاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية، ومنطقة H2، وظلت تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي تضم أيضًا البلدة القديمة.
وطلب "البروتوكول" من النرويج وإيطاليا والسويد وسويسرا وتركيا توفير مراقبين للبعثة في الخليل، وأن تكون النرويج منسقة أعمال البعثة.
ومنذ انسحاب إسرائيل جزئيًّا من الخليل عام 1997 بموجب اتفاقيات السلام، تقوم البعثة بـكتابة التقارير حول الخروقات لاتفاقية الخليل الموقعة بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، والخروقات للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان”، بحسب الموقع الإلكتروني للبعثة.
وتقول البعثة إنها تهدف إلى تزويد الفلسطينيين بالشعور بالأمان في المدينة، والمساعدة في تحقيق الاستقرار.
ولا يحق لأعضاء البعثة الدولية التدخل في الحوادث أو النزاعات، بينما تزايدت خلال السنوات الأخيرة عمليات قتل فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في البلدة القديمة، بزعم أن الضحايا طعنوا أو حاولوا طعن إسرائيليين.
وتمنع إسرائيل السكان الفلسطينيين من دخول البلدة القديمة بسياراتهم، بينما تسمح للمستوطنين بذلك، ما يضطر السكان إلى السير على الأقدام.
كما يحتاج الفلسطينيون إلى تنسيق مع السلطات الإسرائيلية، عبر السلطة الفلسطينية، في حال اضطروا إلى نقل مريض بسيارة إسعاف فلسطينية.
والأربعاء 6 فبراير2019، منعت الولايات المتحدة الأمريكة صدور مشروع بيان لمجلس الأمن الدولي كان سيعبر عن الأسف لقرار إسرائيل طرد قوة مراقبة أجنبية من مدينة الخليل الفلسطينية.
وقالت النرويج، التي رأست بعثة المراقبة المتعددة الجنسيات على مدى 22 عاماً: "القرار الإسرائيلي أحادي الجانب يمكن أن يعني توقف تنفيذ جزء مهم من اتفاقات أوسلو".
كان مشروع القرار الذي اطلعت عليه رويترز سيقر بأهمية البعثة المؤقتة "وجهودها الرامية إلى تعزيز الهدوء في منطقة شديدة الحساسية والوضع الهش على الأرض، الذي يخاطر بمزيد من التدهور".
ولطالما اتُّهمت الولايات المتحدة الأمم المتحدة بالتحيز ضد إسرائيل، وتحمي حليفتها من إجراءات مجلس الأمن.