يلقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم ، خطابه الثاني عن حالة الاتحاد يتحدث فيه عن أهمّ الملفات التي تشغل اهتمام وجهود إدارته على الصعيدين الداخلي والخارجي ويستعرض سياساته إزاء القضايا التي تثير اهتمام الرأي العام.. فما هي هذه القضايا .. وهل حقق ترامب وعود خطابه الأول أم تحولت إلى تصريحات جوفاء ؟.
ويعدّ خطاب حالة الاتحاد تقليداً سنوياً في الولايات المتحدة، حيث يستعرض الرئيس أمام مجلسي النواب والشيوخ حالة البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويقدم اقتراحاً لجدول أعمال تشريعي للسنة المقبلة
وتملي المادة الثانية من الدستور الأمريكي على الرئيس القيام بإطلاع الكونجرس بين الحين والآخر على آخر المستجدات التي تهم البلاد حيث يقوم رئيس مجلس النواب بتوجيه دعوة رسمية إلى الرئيس لإلقاء خطاب حالة الاتحاد قبل أسابيع من موعدها المقرر والذي عادة ما يكون في مساء يوم من أيام يناير أو فبراير.
و"خطاب الاتحاد" تقليد افتتحه الرئيس جورج واشنطن (أول رئيس للولايات المتحدة) في العام 1790 حين ألقى رسالته السنوية أمام الكونجرس في مدينة نيويورك التي كانت حينذاك عاصمة للبلاد.
تصريحات جوفاء
قارنت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بين تصريحات ترامب العام الماضي بشأن أهم القضايا الخارجية في علاقات واشنطن وبين ما حدث بالفعل، وجدت أن كلها كانت تصريحات جوفاء دون فعل حقيقي على الأرض.
وقالت الصحيفة الأمريكية، عندما أدلى الرئيس ترامب بأول خطاب لحالة الاتحاد، العام الماضي، لم يكن لديه الكثير ليقوله بشأن السياسة الخارجية. ، ومثله مثل الكثير من الرؤساء من قبله، فقد كرس معظم وقته لقائمة طويلة من القضايا المحلية.
لكنَّ ترامب أشار بالفعل إلى بعض القضايا الدولية المهمة خلال ذلك الخطاب ، فما الذي حدث فعلاً منذ ذلك الوقت، وما هو المتوقع أن يتناوله بشأن هذه القضايا في خطابه اليوم.
"في جميع أنحاء العالم، نواجه أنظمة مارقة، الجماعات الإرهابية ومنافسين مثل الصين وروسيا يتحدَّون مصالحنا، واقتصادنا وقيمنا".. بهذه العبارة العابرة أشار ترامب لأكبر مشكلتين من مشكلات السياسة الخارجية للولايات المتحدة -الصين وروسيا- في خطابه الذي أدلى به عام 2018.
ومع ذلك، فقد استمرت إدارته في اتباع سياسات طموحة، بل راديكالية، فيما يخص هذين البلدين. من ذلك مثلاً: الدخول في حرب تجارية ذات عناصر سياسية واضحة ضد الصين، والانسحاب من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، مع روسيا.
وينتظر أن يتحدث ترامب في خطابه اليوم عن موضوع تعليق الولايات المتحدة العمل بمعاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى التي أبرمت بين واشنطن وموسكو في فترة الحرب الباردة.
ومازال ترامب لا يرى في البلدين خطر على بلاده فالأسبوع الماضي ، وبخ رؤساء استخباراته علناً لتركيزهم أكثر من اللازم على الخطر الذي تشكله موسكو وبكين، وذلك خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ عن "التهديدات العالمية".
The Intelligence people seem to be extremely passive and naive when it comes to the dangers of Iran. They are wrong! When I became President Iran was making trouble all over the Middle East, and beyond. Since ending the terrible Iran Nuclear Deal, they are MUCH different, but....
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 30, 2019
واليوم يأتي خطاب الثاني مع بدء ترامب عامه الثالث في فترة ولايته الأولى التي تمتد أربع سنوات وهو يواجه تحديات كبرى مثل التحقيق في احتمال حدوث تواطؤ بين حملته الانتخابية الرئاسية في عام 2016 وروسيا، وكذلك تحقيقات يجريها الديمقراطيون في مجلس النواب بشأن رئاسته ومشاريع أعماله والمفاوضات التجارية الصعبة مع الصين إضافة إلى مشاكل أخرى.
العراق وسوريا
"العام الماضي، تعهدت أيضاً بأننا سوف نعمل مع حلفائنا لإزالة داعش من على وجه الأرض. بعد ذلك بعام، فإنني أبلغكم بفخر بأنَّ تحالف هزيمة داعش قد حرر 100٪ تقريباً من الأراضي التي كانت في السابق بحوزة أولئك القتلة في العراق وسوريا. لكن ثمة المزيد من العمل الكثير الذي يتعين القيام به. وسوف نستمر في قتالنا حتى هزيمة داعش".
وفي شهر ديسمبر أعلن ترامب أنه سوف يسحب القوات الأمريكية من سوريا، وهي خطوة يبدو أنها قد فاجأت الكثيرين في إدارته وأدت إلى استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس. ويقول بعض الخبراء إنَّ داعش لا يزال مستعداً لإعادة تنظيم صفوفه، كما لا يزال الجدول الزمني لإزالة القوات الأمريكية البالغ عددها ألفي جندي أمراً يكتنفه الغموض.
أفغانستان وطالبان
"إنَّ مقاتلينا في أفغانستان أيضاً لديهم قواعد اشتباك جديدة. فإلى جانب شركائهم الأفغان البطوليين، لم يعد جيشنا مقوضاً بفعل الجداول الزمنية المصطنعة، ولم نعد نخبر أعداءنا بخططنا" .. بهذه الكلمات تنازل ترامب في خطابه الأول قضية أفغانستان .
ونفذت إدارة ترامب بالفعل قواعد اشتباك جديدة لأفغانستان أواخر عام 2017، أدت إلى زيادة كبيرة في الضربات الجوية، ومع ذلك، فقد بدأت الولايات المتحدة لاحقاً سحب القوات من البلاد.
وتواصل واشنطن محادثات السلام مع طالبان، وهي محادثات من شأنها أن تؤدي إلى اتفاقية لإزالة جميع القوات الأمريكية من أفغانستان مقابل ضمانات أمنية. وحتى الآن، فإنَّ طالبان ترفض التفاوض مع الحكومة الأفغانية المنتخبة ديمقراطياً.
ومن المتوقع أن يتطرق في خطابه اليوم إلى محادثات السلام بين الحكومة في أفغانستان ومقاتلي حركة طالبان والتقدم الحاصل بهذا الشأن.
"الشهر الماضي، اتخذت أيضاً إجراءً، ووافق عليه بالإجماع مجلس الشيوخ قبل بضعة أشهر: اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل".. قال ترامب، في خطاب عام 2018، إنَّ الدول التي عارضت قراره نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس قد تواجه خطر فقدان أموال المساعدات الخارجية الأمريكية.
وثبت أن تنفيذ هذه السياسة أمر صعب من الناحية اللوجستية، جزئياً بسبب مقاومة مسئولي البنتاجون الذين كانوا يخشون من أنَّ الولايات المتحدة سوف تكون بهذا الفعل متنازلة عن نفوذها لصالح الصين ، إلا أن الرئيس الأمريكي تمكن بالفعل من تجفيف مصادر المساعدات للفلسطينيين.
ولم يتحدث ترامب عن اتفاقية سلام محتملة بين إسرائيل والفلسطينيين، ولم يعلن حتى الأن عن تفاصيل "صفقة القرن" التي تروجلها إدارته وتخرج الشائعات عن تفاصيلها يومًا بعد يوم، فيما يرفض الفلسطينيون لقاء المفاوضين الأمريكيين منذ أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
إيران والنووي
"عندما نهض شعب إيران ضد جرائم دكتاتوريتهم الفاسدة، لم أبق صامتاً. إنَّ أمريكا تقف مع شعب إيران في نضاله الشجاع من أجل الحرية.. إنني أطلب من الكونغرس معالجة العيوب الأساسية في الصفقة النووية البشعة مع إيران".. وبالفعل سحب ترامب الولايات المتحدة من الصفقة النووية مع إيران في 8 مايو عام 2018.
وبعد ذلك بشهور قليلة، أعادت الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على إيران، وهي خطوة سببت خلافاً بين واشنطن والدول الأوروبية التي لا تزال ملتزمة بالاتفاقية.
وزادت خطوات ترامب الأخرى في الشرق الأوسط من تعقيد المحاولات الرامية للضغط على طهران. ففي يوم الإثنين، أشار الرئيس العراقي إلى أنَّ رغبة ترامب في "مراقبة" إيران من القواعد الأمريكية في العراق لن تتحقق في ظل الاتفاقية الحالية بين واشنطن وبغداد.
فنزويلا وكوبا
"فرضت حكومتي أيضاً عقوبات شديدة على الدكتاتوريتين الشيوعية والاشتراكية في كوبا وفنزويلا".. هذه كلمات الرئيس الأمريكي في خطابه الأول ، ولليوم تستمر إدارته في ممارسة ضغوط اقتصادية على كلا البلدين، لا سيما فنزويلا، حيث اعترفت الولايات المتحدة بزعيم المعارضة بوصفه رئيساً للبلاد وتحركت لمنع الوصول إلى أصول الدولة الفنزويلية داخل الولايات المتحدة.
ويتوقع أن يتطرق في خطابه اليوم إلى آخر التطورات في الأزمة الفنزويليه ويؤكد دعمه لزعيم المعارضة.
"لم يقمع أي نظام مواطنيه بشكل أكثر شمولية أو وحشية من هذه الدكتاتورية القاسية في كوريا الشمالية".. هذا وصفه لنظام كوريا الشمالية في خطابه الأول واختتم ترامب خطابه عام 2018 بمقطع ختامي طويل عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها كيم جونغ أون في كوريا الشمالية.
حتى أن أحد ضيوف ترامب في الخطاب كان جي سيونغ-هو، وهو منشق كوري شمالي بترت قدمه.
وأشار ترامب أيضاً عدة مرات إلى أوتو وارمبير، وهو طالب جامعي أمريكي توفي بعد أيام فحسب من إطلاق سراحه بعد 17 شهراً في الأسر في كوريا الشمالية. وفي الـ12 من شهر يونيو، التقى ترامب بكيم في سنغافورة لإجراء محادثات حول نزع السلاح النووي.
ومنذ ذلك الحين تجنبت الإدارة مناقشة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية خوفاً من إحباط التقدم الذي تم في هذه المفاوضات. ومن المقرر مبدئياً عقد قمة ثانية مع كيم في وقت لاحق من هذا الشهر . وينتظر أن يعلن ترامب خلال خطابه اليوم عن مكان استضافة قمته بنهاية فبراير مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، وهانوي هي أبرز مدينة مرشحة.
الإغلاق الحكومة والجدار الحدودي
وكان ترامب أوضح الجمعة الماضي أن قضية الجدار مع المكسيك ستتصدر القضايا في خطابه السنوي، وهو قضية كانت أثارت الكثير من المشاحنات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ما أدى عن إغلاق جزئي للحكومة دام لـ35 يوماً، هذا الإغلاق الذي لم يليّن موقف الديمقراطية نانسي بيلوسي، التي فازت بمنصب رئيسة مجلس النواب والتي تعهدت بعدم دعم تمويل بناء الجدار.
ومن بين الملفات التي سيتطرق إليها ترامب في خطابه، وفق مسئول في الأبيض الأبيض، هي: "خطة لتمويل تطوير البنية التحتية، وخفض تكلفة العقاقير، والعمل على حل الخلافات المستمرة منذ فترة طويلة بشأن برنامج الرعاية الصحية"، بحسب "رويترز".
وأوضحت مقتطفات من الخطاب نشرها البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي أنه سيتحدث بنبرة توافقية على الأقل في جزء من خطابه، وسيقول "معا يمكننا كسر عقود من الجمود السياسي، يمكننا تجاوز الانقسامات وعلاج الجروح القديمة وبناء تحالفات جديدة والتوصل إلى حلول جديدة ... القرار يرجع إلينا".
ولم يتضح ما إذا كان الجانبان (الجمهوريون والديمقراطيون) مستعدين للعمل معا بأي طريقة إذ أن التوترات ما زالت قائمة بشأن معركة إغلاق الإدارات ومع اقتراب مهلة أخرى في 15 فبراير الجاري.
وقال المسئول في البيت الأبيض لرويترز طالباً عدم نشر اسمه "سيعرض (ترامب) خيارا.. إما العمل معا وتنفيذ أمور رائعة أو التشاحن وعدم القيام بأي شيء".
ولا يعتقد ترامب ومستشاروه أن المعركة بشأن الإغلاق الحكومي ستترك أثراً عميقاً، هذا فيما يحثه كثير من الجمهوريين على التركيز في خطابه على الاقتصاد الذي يثير اهتمام جميع طبقات وفئات المجتمع الأمريكي،
من هم الضيوف؟
خلال الخطاب سيكون مسموح لأعضاء الكونجرس إحضار مجموعة من الضيوف معهم للاستماع إلى خطاب الرئيس، وكذلك البيت الأبيض يدعوا مجموعة من الضيوف هو الآخر لمشاهدة الخطاب إلى جوار سيدة أمريكا الأولى ميلانيا ترامب، وفي الغالب يكون الحضور ذوي دلالة رمزية على سياسات ترامب نفسه.
وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن رئيسة مجلس النواب نانسي بيولسي دعت مجموعة من جنود الجيش المتحولين جنسيا لحضور الخطاب، في إشارة إلى الاعتراض على قرار ترامب بمنعهم من الالتحاق بالجيش.
وأعلن الديمقراطيون بالفعل على عدد من ضيوفهم وهم أحد الطلاب الذين نجوا من إطلاق النار في مقاطعة باركلاند، وإحدى المهاجرات التي تم فصلها عن أولادها على الحدود بسبب القوانين التي أقرها ترامب، بالإضافة إلى إحدى السيدات التي تتهم قاضي المحكمة العليا المُعين حديثًا بريت كافانو بالتحرش الجنسي.
والجدير بالذكر أن الخطاب الذي تكون مدته حوالي الساعة، يبثُّ على عدة قنوات إذاعية وتلفزيونية أمريكية، وعادة ما يتابع الخطاب عشرات الملايين من الأمريكيين، إضافة إلى المتابعين والمهتمين في باقي أرجاء العالم.