رئيس التحرير: عادل صبري 11:26 مساءً | الخميس 18 أبريل 2024 م | 09 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الاضطراب السياسي يشتعل.. تونس على شفا جمرة

الاضطراب السياسي يشتعل.. تونس على شفا جمرة

أحمد علاء 05 فبراير 2019 19:53

عندّما أشعلت طائرة الربيع العربي وقودها في تونس قبل انطلاقها إلى دول مجاورة في 2011، كانت البلاد صوب تغيير سياسي جذري، أنعش الآمال نحو حقبة ديمقراطية، إلا أنه بعد ثماني سنوات باتت البلاد على شفا جمرة من لهيب الاضطراب السياسي.

 

منظمة الأزمات الدولية صنّفت تونس في قائمة المراقبة المبكرة للدول المعرضة لتنامي خطر العنف أو تصاعد الأزمات خلال عام 2019، وذلك إلى جانب بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى وإيران وميانمار وباكستان وجنوب السودان وأوكرانيا وفنزويلا واليمن.

 

عن الحالة التونسية، تقول المنظمة إنّ "الانتقال السياسي في تونس يمر بأزمة كبيرة، وبدأ الأمل يتلاشى في نجاح قيادة البلد بعد الانتفاضة في التصدي لعددٍ لا يحصى من التحديات السياسية والاجتماعية"، إضافةً إلى أنّ الاقتصاد في حالة ركود، موضحةً أنّ القيادة السياسية تنقسم بشكل متزايد بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، وكلاهما يتنافسان على السيطرة على موارد الدولة، وهو ما خلق أزمة ثقة عامة في النخبة السياسية.

 

وأضافت: "زادت التوترات قبل الانتخابات، وقد يؤدي العنف إلى تعطل العملية الانتخابية، وقد يدفع رئيس الجمهورية إلى إعلان حالة الطوارئ كما هو منصوص عليه في الدستور، لكن من دون إجراء فحوصات دستورية إضافية فإنّ ذلك قد يعيد تونس إلى مسار الحكم الاستبدادي، ولهذا السبب من الأساسي والمهم أن ينشئ البرلمان محكمة دستورية من شأنها أن تفصل فيما إذا كان يمكن تمديد حالة الطوارئ بعد 30 يومًا من نفاذها".

 

 

تعيش تونس غليانًا سياسيًا قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر الماضي، وهي الانتخابات الـ11 في تاريخ رئاسة البلاد، وستشرف عليها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وسيخوض غمار المنافسة فيها الرئيس الباجي قايد السبسي، كما ستجرى الانتخابات التشريعية في أكتوبر المقبل وهي الثالثة بعد ثورة 2011.

 

إجمالًا، بات الصراع بين الرئيس الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، أمرًا جليًّا ومفصليًّا في المشهد الراهن في البلاد، بعدما أصبح هذا الصراع مفتوحًا على جميع الاحتمالات وتستخدم فيه مختلف الوسائل، كما أنّ الإعلان أخيرًا عن تأسيس حزب "تحيا تونس"، التابع للشاهد، خطوة جديدة ونوعية في سياق الحسم بين الرجلين.

 

عشراتٌ من نواب البرلمان التونسي والوزراء كانوا قد أعلنوا تشكيل حزب جديد يحمل اسم "تحيا تونس" يتزعمه الشاهد، وتمّ الإعلان عن ذلك بحضور آلاف الأنصار في مدينة المنستير الساحلية، معقل الراحل الحبيب بورقيبة (أول رئيس تونسي).

 

وانضم إلى الحزب الجديد عشرات النواب المستقيلين من حزب "نداء تونس" والمستشارين في البلديات، متهمين حافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي الحالي بأنه يسعى لخدمة مشروعه الشخصي، وأفادت تقارير محلية بأنّ الحزب الجديد يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية العام الجاري.

 

إجرائيًّا، اختير المدير السابق لديوان الرئاسة سليم العزبي منسقًا عامًا لتنظيم المؤتمر التأسيسي للحركة، إلا أنه لم يحدَّد موعد لذلك بعد، وقال إنّ الحزب الجديد سيكون تقدميًّا وخصمًا لحزب النهضة الإسلامي.

 

وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية: "نحن لا نطلق حزبًا من لون واحد، بل حركة سياسية يمكنها جمع كل أطياف أسرتنا الديمقراطية، والأسابيع المقبلة تستشهد عقد مباحثات مع شخصيات مختلفة وتيارات سياسية لضمهم لصفوفه".

 

وفي البرلمان، انضمّ 44 نائبًا من أصل 217 إلى التكتّل الذي يقوده الشاهد، ليصبح تكتله ثاني أكبر تكتل في البرلمان بعد النهضة وقبل نداء تونس.

 

 

وبحسب تقارير إعلامية، فإنّ تأسيس السبسي حزب "نداء تونس" ساهم في تحقيق التوازن بعد الثورة مع حركة "النهضة"، لإدارة المرحلة الانتقالية، لكن بعد أربع سنوات من ذلك، يشعر السبسي بقلق نتيجة انهيار هذا الصرح الحزبي بنسق متسارع على أيدي اثنين من أبنائه، الأول ابنه البيولوجي حافظ قائد السبسي الذي أخفق في المحافظة على وحدة الحزب وقوته، والثاني هو يوسف الشاهد، ابنه الروحي الذي اصطفاه سابقًا ورشّحه إلى منصب رئاسة الحكومة، قبل أن ينقلب عليه، ويتحوّل إلى منافس عنيد وصعب رغم أنه لم ينتخب من قبل الشعب.

 

وتشير توقعات إلى أنّ الشاهد ربما لن يتوقف عند ذلك الحد، وقد يقرر المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليكون أحد منافسيه الأقوياء، في حال السبسي قرر تجديد العهدة الرئاسية. وبذلك، يُقدم الشاهد على الخطوة الأخيرة من خطته التي تتمثّل في الإقدام على الإجهاز على الأب بثقة وعن سابق إصرار وترصّد.

 

ويرى محللون أنّ الرئيس السبسي يحاول توظيف ورقة "النهضة" من أجل إرباك خصومه، فقد أكّد في حوار صحفي أجراه مع صحيفة "العرب" اللندنية، أنّ "الهيمنة حاليًا للنهضة التي تسير في الحكومة، وبدونها لا وجود لهذه الحكومة"، في إشارة إلى خلافه مع رئيس الحركة راشد الغنوشي، الذي فضّل، حسب اعتقاده، دعم الشاهد على حساب التحالف الذي تعاقد عليه مع السبسي، وعلى هذا الأساس، يرى الرئيس التونسي أنه كلّما أكد على أن الشاهد ورقة بيد "النهضة" تتحكّم فيه مقابل ضمان بقائه، سيساعد ذلك على إضعافه داخليًّا وخارجيًّا.

 

وتتألف الحكومة في تونس من ائتلاف من العلمانيين وحركة النهضة الإسلامية المعتدلة، لكنّ الائتلاف أصبح هشًا ويواجه العديد من الصعوبات في تمرير إصلاحات يطالب بها المقرضون الدوليون.

 

 

خطوة الشاهد (بتشكيل حزب سياسي) ربما كانت متوقعةً بشكل كبير ونالت ردود أفعال متباينة، ففي شهر ديسمبر الماضي قالت صحيفة "تيناس" المحلية إنّ جلسةً ترأسها عبد الرحيم الزواري بأحد النزل في سوسة تمّ فيها الاتفاق على تأسيس حزب سياسي جديد يترأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، على غرار تأسيس حزب نداء تونس الذي اعتمد على شخصية الباجي قائد السبسي، وأضافت أنّ "اجتماعًا آخر نظّمته نفس المجموعة بحضور عدد من الوزراء عرف فشلًا نتيجة الحضور الهزيل رغم الدفع الذي قدمه الوزراء الحاضرين".

 

قبل ذلك، وتحديدًا في نهاية سبتمبر الماضي، كشفت تسريبات عن وجود تململ داخل مجموعة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ولديه هو شخصيًّا بخصوص تأسيس حزب جديد.

 

وبحسب تسريبات نُشرت آنذاك، بدا أنّ هذا التوجُّه يجد دعمًا وبخاصةً من نواب كتلة الائتلاف الوطني التي تضم 43 نائبًا، وأنّ طرح جزء من الكتلة تحويلها إلى حزب يحمل نفس الاسم، فإنّ منشقين عن نداء تونس ومقربين من الشاهد طرحوا تأسيس حزب جديد بتوقعات طموحة تشير إلى فوز كاسح في الانتخابات التشريعية إن بقي حافظ قائد السبسي زعيمًا للنداء.

 

ونقل مقربون عن رئيس الحكومة - وفق ما سُرّب - أنّ الشاهد يؤكد في اجتماعاته الضيقة أن حافظ لن يغادر نداء تونس تحت أي ضغط كان، وأن رئيس الجمهورية سيواصل دعم نجله وأنّه لن يطرح خروجه من الحزب كحل من الحلول لإصلاح الحزب.

 

في خضم هذه التوترات العاصفة، أطلقت شخصيات سياسية مبادرة جديدة تحت اسم "الالتقاء الوطني للإنقاذ"، وتهدف وفق الميثاق التأسيسي إلى "الالتقاء حول مشروع وطني تغلب عليه المصلحة الجماعية".

 

وصرح الوزير السابق مبروك كورشيد لوكالة الأنباء الرسمية بأنّ "مجموعة من الأشخاص الذين عملوا في الدولة وسياسيين يؤمنون باستقلالية القرار السيادي لتونس، قرروا إطلاق هذه المبادرة السياسية"، مؤكدًا أنّه "لا يقود هذه المبادرة وإنما هو مشارك فيها كغيره من الشخصيات".

 

 

وأشار إلى أنّ "المشروع السياسي الجديد يرمي إلى إنقاذ تونس من المسار الذي سلكته منذ ثورة يناير 2011 وثبت عجزه على أرض الواقع وتفاقمت نتائجه الكارثية على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه المبادرة مفتوحة لكل "الأشخاص الوطنيين الذين يؤمنون بفكرة إنقاذ تونس".

 

وتحاول هذه الشخصيات - وفق مراقبين - الاستفادة من أجواء التوتر السائدة بين الأحزاب الحاكمة في البلاد مع بروز الحزب السياسي لرئيس الحكومة، ومحاولات وزراء ومسؤولين في حكومات ما بعد الثورة العودة إلى الواجهة من بوابة تشكيلات جديدة تتبرأ فيها من تجاربها السابقة وتعيد التموقع بحثا عن قاعدة انتخابية، بينما يقول آخرون إنّ هذه الشخصيات تحاول الظهور بأثواب جديدة تنسي الجمهور صورتها القديمة مع اقتراب الانتخابات.

 

يحلّل المحلل الدكتور منذر ثابت أستاذ العلوم السياسية هذا التعقيد بالقول: "نحن أمام سياق سياسي جديد عنوانه انطلاق الحملات الانتخابية المقررة في نهاية العام.. نحن أمام إعادة رسم للحياة السياسية في اتجاه بناء تكتل اجتماعي ديمقراطي".

 

ويضيف في تصريحات تلفزيونية: "القطب الأول لهذا البناء يتمثل في الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتزم إجراء إضراب في القطاع العام الحكومية في 20 و21 فبراير، إضافةً إلى الائتلاف الحاكم الذي يتشكّل أولًا من حركة النهضة إضافة إلى حزب رئيس الحكومة (تحيا تونس)، إضافةً إلى مشروع تونس الذي يتزعمه محسن مروزق".

 

ويتابع: "هكذا نعود إلى وضع التقاطب الثنائي، إضافةً إلى أنّ حزب نداء تونس والرئيس الباجي قائد السبسي في نفس الاتجاه، أمّا اللجنة المركزية فهي في خندق الحراك الاجتماعي في اتجاه الحركة الاجتماعية التي أصبحت تتصاعد يومًا بعد يوم في شكل منظم، لكن تحت غطاء الاتحاد العام للشغل بعد أزمة التعليم الثانوي".

 

هذه الأجواء المحتقنة - يرى ثابت - ستؤثر على الانتخابات، وهي في ارتفاع يومًا بعد يوم، وبخاصةً أنّ هناك اتهامات موجهة لحكومة يوسف الشاهد بكونها توفّر الغطاء السياسي لحركة النهضة في علاقة بملف التنظيم السري وقضية شبكات التسفير، فيما ترد حركة النهضة على هذه الاتهامات وتقول إنّ هذا التشويش من أطراف سياسية عاجزة عن كسب الرهان في علاقة بالاستحقاق الانتخابي.

 

ويوضح المحلل: "ما هو مقلق بالفعل هو انهيار الوضع الاجتماعي وتراجع كبير في الاقتصاد، حيث أعلن البنك الدولي أنّ المقدرة الشرائية في تونس منذ عام 2010 إلى 2018 تراجعت بمستوى 88%، وهذا أمر هام جدًا، وكذلك اتسعت رقعة الفقر بنسبة 19%".

 

هذه المؤشرات - بحسب "ثابت" - تؤكد أنّ المعارضة في إمكانها سحب مساحات كبرى على حساب حركة النهضة لكن هذا يحتاج كذلك إلى وضوح الرؤية من قٍبل الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تعهّد بأن يكون طرفًا مباشرًا في الانتخابات المقبلة، وهو معطى هام قد يغير ميزان القوى ضد حركة النهضة والائتلاف الحاكم.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان