رغم إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اعتبار الأسبوع الجاري "أسبوع الحسم"، فيما يتعلق بمسألة تشكيل الحكومة الجديدة، استبعد الكثير من المراقبين الأمر.
ولا يتفاءل اللبنانيون بالأحاديث الرسمية التي توعد بحكومة قريبة، خصوصًا وأن الكثير من الوعود لم تتحقق خلال الفترة الماضية.
وفي تطلع جديد، قال الحريري، إن الأسبوع الحالي سيكون حاسمًا في جهود تشكيل حكومة جديدة، مضيفاً أنه "متفائل بحذر".
أسبوع الحسم
وتتفاوض الأطراف المتناحرة على تشكيل حكومة منذ الانتخابات التي جرت في مايو مما أثار مخاوف من قرب حدوث أزمة في لبنان المثقل بالديون والذي يعاني اقتصاده من الركود.
وقال مكتب الحريري في بيان "الأمور إيجابية إن شاء الله، وستتضح خلال يومين... هذا الأسبوع هو أسبوع الحسم، سلبًا أو إيجابًا".
وتعرضت سندات لبنان السيادية المقومة بالدولار لضغوط في الأسابيع الماضية، كما خفضت مؤسسة موديز التصنيف الائتماني للبنان فيما أرجعته إلى عدم اليقين بشأن تشكيل الحكومة.
ولبنان من بين الدول الأعلى مديونية في العالم، وقال وزير المالية إن البلاد تواجه بالفعل أزمة اقتصادية بدأت تتحول إلى أزمة مالية وإنه يأمل ألا تتحول إلى أزمة نقدية.
لقاءات مكثفة
وشهد لبنان خلال الأيام القليلة السابقة، حركة سياسية نشطة تمثلت بلقاءات واتصالات بين مختلف الأطراف اللبنانية في إطار تأليف الحكومة اللبنانية، حيث استطاعت القوى حسم بعض العقد العالقة وتوزيع الحقائب الوزارية بشكل يرضي جميع الأفرقاء.
وكشفت مصادر خاصة لصحيفة "الحياة" أن لقاءً جرى بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" ووزير الخارجية جبران باسيل وكانت نتائجه جيدة وإيجابية، مرجحا أن الحكومة اللبنانية قد تبصر النور خلال اليومين المقبلين بعد الحسم الكلي للأمور.
ووفقا للمصدر، فإن هناك تأكيدات بأن كل الأمور ذاهبة بالاتجاه الصحيح ونهايتها ستكون بتأليف الحكومة قبل نهاية الأسبوع حكما، معتبرا أن الحذر واجب في اللحظات الأخيرة نظرا للمحاولات السابقة التي أفشلت التوافق وبالتالي تشكيل الحكومة في لبنان.
حل العقد
أما عن أبرز العقد فتم الاتفاق على توزير شخصية تكون خارج "كتلة التشاوري" لكنها مقربة من رئيس الجمهورية لكن ليست ضمن كتلة وتيار الرئيس.
وفي سياق متصل، قالت مصادر لقناة "الجديد" اللبنانية أن "التيار الوطني الحر" التابع لرئيس الجمهورية و"حزب الله" اللبناني توقعا بأن يتم الإعلان عن حكومة الوحدة الوطنية خلال اليومين المقبلين. وقال المصدر: "لقد اقتربنا من الحسم الإيجابي".
بدوره نشر وزير الإعلام اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، ملحم رياشي، تغريدة على حسابه في "تويتر"، وقال خلالها: "وأخيرا خلصت الجمعة 1 شباط 2019".
صعوبة التشكيل
واستبعد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط أن يشكل رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري الحكومة في الأيام المقبلة رغم إعلانه الأسبوع الحالي، "أسبوع حسم لتشكيل الحكومة".
وقال جنبلاط في حديث لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية: "فرصة تشكيل الحريري للحكومة قريبا، ضئيلة، ما لم يسحب أرنبا من قبعته".
وتابع: "طلب مني مؤخرا تقديم تنازلات ورفضت ذلك بلطف".
ولفت جنبلاط إلى أنه لن يتنازل عن وزارتي الصناعة والتربية الموعود بهما حزبه.
وأضاف: "على المستوى الشخصي، ليس لدي أي مشكلة مع الحريري، أما على المستوى السياسي، فهناك اختلافات جوهرية بيننا، لاسيما في ما يتعلق بموضوع الخصخصة".
وتابع: "الحكومة تدفع ثمنا باهظا لشركات خاصة لكي تعمل في مصفاة طرابلس ومحطة كهرباء دير العمار".
تعقيدات عميقة
وفي وقت سابق قال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إن "هناك أحزابًا في البلاد لا تريد تشكيل حكومة جديدة في إشارة إلى عمق التعقيدات التي تعرقل إنجاز الخطوة".
وأكثر من مرة بدت إمكانية التوصل لاتفاق على حكومة وحدة وطنية جديدة، بقيادة رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري.
وقال بري: "ما يحصل يؤكد وجود أطراف لا تريد للحكومة أن تولد بالمطلق".
معركة سياسية
بدوره، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، إن "عملية تشكيل الحكومة تواجه معركة سياسية تحول دون التأليف"، بعد تعثر المبادرة الأخيرة لتذليل ما باتت تعرف بالعقدة السنية لتمثيل "سنة 8 آذار" في الحكومة.
وأكد أن "ثمة من يسعى إلى إحداث تغيير في الأعراف والتقاليد في لبنان"، داعيا إلى الصلاة من أجل أن تحل صعوبات تشكيل الحكومة التي يبدو أنها بحاجة إلى بعض الوقت.
حزب الله
ومؤخرا اتهم رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري "حزب الله" بتعطيل تشكيل الحكومة، مشددا على عدم القبول بتخريب اتفاق الطائف والتعدي على صلاحيات كل من رئيسي الدولة والحكومة في لبنان.
وقال الحريري خلال مؤتمر صحفي: "لا يمكن القبول بطغيان أي فئة على السنة في لبنان"، مضيفا: "ليس صحيحا أنني أريد احتكار التمثيل السني، هناك سني يسميه رئيس الجمهورية، وآخر اتفقت معه مع الرئيس ميقاتي، وأعلم أن هناك تمثيلا خارج تيار المستقبل، وفي الانتخابات السابقة كان لدى المستقبل كل النواب السنة وأعطينا رئيس الجمهورية وزيرا سنيا".
وأكد أن "(حزب الله) هو من تكلم عن فتنة سنية شيعية، وأنا لا أشكك بنية (حزب الله)، ولكن مشكلة سنة 8 آذار مفتعلة، كنت واضحا بموقفي منذ البداية، وليس (حزب الله) من يقرر من أمثل في الحكومة".
وقال إنه "لا يحق لأحد يحتكر طائفة أن يتهم الآخرين باحتكار طائفة ما"، مؤكدا أنه من يريد "العمل لمصلحة الوطن يجب أن ينفتح على الجميع".
أزمات متجددة
السياسي اللبناني رياض عيسى قال إن بعد حل عقدة حزب القوات برزت على الواجهة عقد تمثيل النواب السنة المعارضين لرئيس الحكومة المكلف والمحسوبين بالسياسة على فريق حزب الله و٨ آذار.
وأضاف لـ "مصر العربية": "سبق للرئيس الحريري أن رفض تمثيلهم كونهم لا يمثلون حزب سياسي إنما تلاقي مصالح، وأكد على رفضه الخوض في هذا النقاش لعدم إمكانية التخلي عن مقعد سني بعد أن تمت الموافقة على تسمية أحد الوزراء السنة من حصة رئيس الجمهورية.
ومن جانبه قال طارق سكرية، عميد ركن متقاعد بالجيش اللبناني، إن الرئيس ميشال عون السبب الرئيسي بجانب حزب الله في تأخر تشكيل الحكومة.
وأكد في تصريحات سابقة لـ "مصر العربية" أن "منذ تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة، فإن القرار بتشكيلها يخضع لتدخلات دول خارجية، وعلى رأسها إيران والسعودية، إيران بتأثيرها الكامل على الشيعة، وخاصة حزب الله، والسعودية بتأثيرها الكبير على قرار الرئيس الحريري".
العسكري اللبناني أكد أن محاولة رئيس الجمهورية الماروني العماد عون استرجاع صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني في تشكيل الحكومة شكل أزمة جديدة، فبعد أن كان رئيس الجمهورية الماروني هو الحاكم المطلق للبنان قبل اتفاق الطائف، يعين الوزراء، ويختار منهم رئيسًا، ويقيل الوزراء والوزارة، أصبح الدور الأول في تشكيل الحكومة بعد اتفاق الطائف لرئيس الوزراء وبالتشاور مع رئيس الجمهورية.
وعن السبب في طلب الرئيس اللبناني، قال: "العماد عون وقف ضد اتفاق الطائف الذي أصبح دستورًا للبنان، فإنه بذل ويبذل قصارى جهده لاستعادة دور الموارنة ودوره القديم، من خلال ممارسات جديدة يحاول الموارنة عامة تحويلها إلى أعراف، كأن يطالب بعدد من الوزراء له بصفته رئيسًا للجمهورية، وهذا مخالف للدستور اللبنان".
وتابع: "وصلنا إلى هذه المرحلة، بعد مخاض طويل تجاوز الخمسة أشهر نام اللبنانيون على خبر اتفاق الجميع على توزيع الحصص والمغانم بين المذاهب، بعد تحجيم حصة سمير جعجع إلى الحد الأدنى، وقبول جعجع ذلك على مضض بضغط سعودي عليه".
حكومة منتظرة
حكومة الحريري المُنتظرة ستكون الحكومة اللبنانية الخامسة والسبعين بعد الاستقلال والثانية في عهد الرئيس ميشال عون، وهي الحكومة الثالثة التي سيرأسها سعد الدين الحريري، وستضمّ 30 وزيراً بينهم امرأة واحدة على الأقل.
وتتوزّع المقاعد الـ 30 مناصفة بين المسيحيين والمسلمين عملاً بالدستور اللبناني ووفق قاعدة المثالثة ضمن المناصفة والتي تقضي بمنح الطوائف الثلاث الأساسية أيّ الموارنة والشيعة والسنّة نفس عدد الوزراء (6 وزراء لكل طائفة)، وتتمثل سائر الطوائف وفق قواعد حسابية تبعاً لحجم الحكومة. أمّا التوزيع السياسي للوزراء فسيكون على الشكل الآتي:
10 وزراء للتيار الوطني الحر ولرئيس الجمهورية.
6 وزراء لتيار المستقبل.
6 وزراء مناصفة لحركة أمل وحزب الله.
4 وزراء للقوات اللبنانية.
وزيران للحزب التقدمي الاشتراكي.
وزير لتيار المردة.
وزير للقاء التشاوري.
وسيغيب عن هذه الحكومة وللمرة الأولى منذ توقيع اتفاق الطائف وإقراره عام 1990، الحزب السوري القومي الاجتماعي (3 نواب في البرلمان)، وكذلك سيغيب حزب الكتائب (3 نواب في البرلمان)، وذلك عملاً بالقاعدة التي تمّ اعتمادها لتأليف الحكومة وتقضي بمنح مقعد وزاري واحد لكل كتلة مؤلّفة من 4 نواب.