رئيس التحرير: عادل صبري 05:59 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

 «الغراب الأسود» يكشف خطة الإمارات للتجسس على المعارضين والحكام العرب

بمساعدة الاستخبارات الأمريكية..

 «الغراب الأسود» يكشف خطة الإمارات للتجسس على المعارضين والحكام العرب

إنجي الخولي 31 يناير 2019 02:42

تتوالي التقارير الغربية في الكشف عن تفاصيل تورط الإمارات في تشييد إمبراطورية استخباراتية ، لا يقتصر نشاطها فقط على منطقة الخليج ، فتمتد إلى قرصنة هواتف وحواسب العديد من الأهداف حول العالم، من بينهم زعماء عرب.... فمن هم المستهدفين من هذا التجسس؟ وكيف كشف الإعلام الغربي تفاصيله؟ .

 

تحت عنوان "المرتزقة الأمريكان داخل فريق الإمارات السري للاختراق"، نشرت وكالة "رويترز" تقريرا مطولا، عن تجنيد الإمارات عملاء سابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الأمريكية؛ لتنفيذ أغراض تجسسية.

 

وتقول وكالة "رويترز" إنها أجرت مقابلات مع 9 من عملاء فريق التجسس الإماراتي كما اطّلعت على الآلاف من الصفحات والوثائق ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمشروع.

 

وبحسب التقرير، أطلقت الإمارات مشروعا سريا اسمه "رافين"، أو "الغراب الأسود"، وهو عبارة عن فريق سري يضم أكثر من 12 عميلا من المخابرات الأمريكية من أجل العمل على مراقبة الحكومات الأخرى، والمسلّحين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون النظام.
 

 

الغراب الأسود

 

بعد مرور أسبوعين على ترك لوري ستراود عملها كمحللة استخبارات بوكالة الأمن الوطني الأمريكية في 2014 سافرت إلى الشرق الأوسط للعمل كخبيرة تسلل إلكتروني في الشرق الأوسط لحساب إحدى دول الخليج العربية.

 

والتحقت بمشروع سري يضم أكثر من 12 فردا من العاملين السابقين في الاستخبارات الأمريكية وذلك لمساعدة الإمارات العربية المتحدة في عمليات مراقبة لحكومات أخرى ولمتشددين وناشطين في مجال حقوق الإنسان ممن ينتقدونها.

 

لوري سترود، عملت ضمن فريق "الغراب الأسود" من داخل أحد القصور في أبوظبي، لتضع خبرة نحو عشر سنوات في أروقة المخابرات الأمريكية، بين يدي الإماراتيين.

 

 استمر المشروع حتى 2106، وعلى مدار ثلاث سنوات كانت سترود تعمل من قبل أحد متعهّدي الأمن السيبراني في ولاية ماريلاند، ثم نقلت الإمارت مشروع "رافين" لشركة أمن إلكتروني في أبو ظبي تُدعى "دراك ماتر"، لكن شيئا ما جعل سترود، ومعها عدد من الأمريكيين، ينهون مهمتهم.

قالت سترود إن الذي دفعها وزملاءها لإنهاء عملها، هو أن الإمارات طلبت منهم طلبا يتعدى الخط الأحمر، وهو مراقبة مواطنين أمريكيين.

 

 وأضافت: "أعمل لوكالة استخبارات أجنبية تستهدف أشخاصاً أمريكيين. لقد شعرت لحظتها أني سأكون جاسوسة من النوع السيئ".
 

وقالت سترود: "بداية كنت أعتقد أن العمل يأتي في إطار جهود مكافحة الإرهاب والتعاون مع الإمارات التي هي حليف وثيق للولايات المتحدة في الحرب على داعش، خاصة أن المشروع أكّد موافقة جهاز الأمن القومي، كان ذلك مقعناً بالنسبة إلينا".


ويقول عملاء سابقون في المشروع إن "الغراب الأسود" ساعد نيسبا في تفكيك خلية لتنظيم "داعش" داخل الإمارات.

عندما قام أحد أفراد "داعش" بطعن أحد المعلمين في أبو ظبي في عام 2014 ، يقول العاملون إن المشروع قاد جهود الإمارات لتقييم ما إذا كانت هجمات أخرى وشيكة.

 

وتقول سترود عندما شعرت أن هناك محاولة للتجسس على حسابات أمريكيين بدأت بإثارة الأسئلة، ليتم منحها إجازة من العمل وسحب جواز سفرها، قبل أن يسمحوا لها بالمغادرة بعد شهرين من ذلك.

 

وأشارت الوكالة إلى أنه تم الطلب من موظفي المشروع أن يقولوا إنهم يعملون لدى شركة مقاولات في أبوظبي؛ إذا ما سألهم أحد عن طبيعة عملهم.


العاملون الأمريكيون في المشروع التجسّسي الإماراتي كانوا يتقاضون رواتب تبدأ من 200 ألف دولار سنويا وحتى 400 ألف دولار، وفقا لـ"رويترز".

 

أهداف "الغراب"

 

قائمة أهداف مشروع "الغراب" الإماراتي، بحسب سترود، بدأت بالنشطاء، ثم تطوّرت لتشمل الجماعات المسلّحة في اليمن، وأعداء أجانب مثل إيران وقطر وتركيا، وأفراداً ينتقدون أبوظبي، وخاصة أولئك الذين وجّهوا إهانات للحكومة.

 

وأضافت سترود: "كان من الصعب في بعض الأيام أن تفهم لماذا يتم استهداف طفل يبلغ 16 عاماً من العمر ومراقبة حسابه على تويتر، لكنها كانت مهمة استخباريّة".

 

واكتشفت سترود أن البرنامج التجسسي لم يكن يشمل "إرهابيين" ووكالات حكومية أجنبية فقط، وإنما أيضا منشقين ونشطاء حقوق إنسان، صنّفتهم الإمارات على أنهم أهداف أمنية محلية.

 

وأوضحت الوكالة أن الناشط الإماراتي أحمد منصور كان أحد أهداف مشروع الغراب، وكان يطلق عليه داخل المشروع اسم "إيغريت"، حيث سبق أن انتقد منصور علانيةً حرب اليمن التي تخوضها بلاده مع السعودية، كما انتقد معاملة العمال المهاجرين، واحتجاز المعارضين السياسيين.

تم اعتقال أحمد منصور ومحاكمته محاكمة سرية، عام 2017، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات، وهو محتجز في سجن انفرادي، وصحته تتدهور، في حين تعيش زوجته نادية بأبوظبي عزلة اجتماعية؛ حيث يتجنّبها الجيران.

 

وقالت الوكالة إنه ما بين عامي 2016- 2017، تم العمل على استهداف مئات الأهداف في أوروبا والشرق الأوسط، ومن ضمن ذلك قطر وإيران واليمن وتركيا.

 

وكانت هناك محاولة لاستهداف جهاز "آي فون" لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأيضاً هواتف أشخاص مقرّبين منه، وشقيقه.

 

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قد كشفت أن الإمارات حاولت التجسس على هاتف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير سعودي، والعديد من المعارضين في دول مجاورة.

 

وقالت الصحيفة في تقريرها إن مسئولين في الإمارات طلبوا تسجيل مكالمات أمير قطر الهاتفية، بالإضافة إلى تسجيل مكالمات الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني السعودي السابق، بحسب رسائل بريد إلكترونية مسربة قدمت في قضيتين ضد "إن إس أو" (NSO) الشركة المصنعة لبرامج المراقبة التي استعانت بها أبوظبي، وتتخذ من "إسرائيل" مقرا لها.

 

وذكرت الصحيفة أن قادة الإمارات يستخدمون برامج التجسس الإسرائيلية منذ أكثر من عام، حيث حولوا الهواتف الذكية للمعارضين في الداخل أو المنافسين بالخارج إلى أجهزة مراقبة.

 

وتابعت: "عندما عرض على كبار المسئولين الإماراتيين تحديث باهظ لتكنولوجيا التجسس، أرادوا التأكد من أنها تعمل. وسأل الإماراتيون، وفق الرسائل المسربة: هل يمكن للشركة تسجيل هواتف أمير قطر، ماذا عن هاتف الأمير السعودي القوي الذي أخرج الحرس الوطني للمملكة؟ أو ماذا عن تسجيل هاتف رئيس تحرير صحيفة عربية في لندن؟".

 

وبحسب "نيويورك تايمز" فقد سلمت الشركة تسجيلات لرئيس التحرير عبد العزيز الخميس (رئيس تحرير جريدة العرب اللندنية سابقا، وهو صحفي سعودي)، الذي أكد هذا الأسبوع أنه أجرى المكالمات وقال إنه لا يعرف أنه كان تحت المراقبة.

 

وبحسب الصحيفة، رفعت دعاوى في "إسرائيل" وقبرص من قبل مواطن قطري وصحفيين ونشطاء مكسيكيين استهدفهم كلهم برنامج التجسس التابع للشركة.

 

إحدى هذه الدعاوى رفعها الإعلامي القطري عبد الله بن حمد العذبة، رئيس تحرير صحيفة "العرب" القطرية، ومدير المركز القطري للصحافة، في قبرص فقط، ورفع الصحفيون المكسيكيون قضية أخرى في إسرائيل وقبرص.

 

كيف تتجسس؟
 

وتشرح "رويترز" تفاصيل أوسع عن العمل داخل الفيلا التي كانت تتم فيها إدارة المشروع، حيث تشير إلى أن هناك عشرات الموظفين الإماراتيين الذين كانوا يعملون إلى جانب الأمريكيين في المشروع، حيث تشرح الوكالة الخطوات التي يعمل على ضوئها فريق التجسّس المتخصص.
 

وأضافت أنه بعد الوصول إلى حسابات الجهات والأشخاص المستهدفين فإنه تتم مراقبتهم وتفريغ محتوى رسائلهم الإلكترونية والصور ومراقبة الموقع الشخصي لأطول فترة ممكنة.
 

وأشارت الوكالة إلى أن تقنيات المراقبة التي تستعملها وكالة الأمن القومي الأمريكي كانت أساسية في رصد تحرّكات المعارضين، حيث أكّد العملاء الأمريكيون أنهم لم يستهدفوا مواطنين إماراتيين.

 

وأضاف التحقيق أنه تم استخدام مجموعة من الأدوات السيبرانية، ومن ضمن ذلك منصة تجسس متطوّرة تُعرف باسم "كارما"، حيث يقول عملاء "الغراب الأسود" إنهم استهدفوا أجهزة هواتف ذكية من طراز "آيفون" لمئات من النشطاء والزعماء السياسيين والإرهابيين المشتبه بهم.


بحسب العاملين في المشروع، فإن برنامج "كرما" يتيح إمكانية الوصول إلى هواتف "آيفون" ببساطة، وذلك من خلال تحميل أرقام الهواتف أو حسابات البريد الإلكتروني في نظام الاستهداف الآلي.

 

ويشير التحقيق إلى أن "البرنامج قوي وفاعل؛ لأنه -على عكس العديد من البرامج- لا يحتاج إلى أن يقوم المستهدَف بالنقر على رابط يتم إرساله عبر آيفون".

 

وليس من الواضح إلى الآن ما إذا كان البرنامج ما زال يُستخدم، حيث يؤكّد العاملون في المشروع أن التحديثات التي قامت بها آبل، خلال 2017، جعلت منه أقل تأثيراً.

 

وبحسب "رويترز"، فإن "كارما" يمكنه العمل على استغلال مئات من هواتف "آيفون" في وقت واحد، حيث يقوم بالتقاط البيانات والصور والرسائل.

 

وتنقل الوكالة عن مايكل دانبيل، وهو رجل عمل سابقاً في إدارة الأمن السيبراني بالبيت الأبيض في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، قوله: "إن 10 دول فقط، من بينها أمريكا وروسيا والصين، قادرة على تطوير مثل هذا النوع من البرامج".

 

من جهته يرى باتريك واردل، الباحث السابق في وكالة الأمن القومي والخبير بشركة "آبل" في مجال الأمن، إن "كارما" وما يشبهه يجعل من الأجهزة الشخصية مثل "آيفون" أكثر عُرضة لعصابات القرصنة.

 

وبحسب العملاء الأمريكيين الذين عملوا في البرنامج التجسّسي للإمارات، فإن "كارما" سمح بجمع الأدلة من عشرات الأهداف؛ من بينهم ناشطون مُنتقدون للحكومة، ومنافسون إقليميون في قطر، والمعارضة الإماراتية، وحركة "الإخوان المسلمين".

 

واشترت الإمارات هذا البرنامج من أحد البائعين خارج البلاد، دون أن تتمكّن "رويترز" من تحديد منشأ هذا البرنامج.

 ووفق 3 من العملاء السابقين، فإن "كارما" يعتمد على خلل في نظام التراسل في شركة "آبل"، وقالوا إن هذا العيب يسمح بزرع برامج ضارّة من خلال تطبيق الرسائل، حتى لو لم يكن مالك الهاتف يستخدم التطبيق.

 

 وحاولت "رويترز" الحصول على تعليق من المتحدث باسم وكالة الأمن القومي الأمريكية، وشركة "أبل"، ومتحدثة باسم وزارة الخارجية الإماراتية، وسفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن والمتحدث باسم المجلس الوطني للإعلام، لكنهم رفضوا التعليق.

 

وبحسب التحقيق فإن عمليات اختراق الأمريكيين كانت واحداً من أسرار شبكة "الغراب"، حيث عمدت إدارة المشروع إلى قيام إماراتيين بعمليات التجسّس على أمريكيين دون معرفة العملاء العاملين داخل المشروع من الأمريكيين.
 

ويتحرّى مكتب التحقيقات الفيدرالي فيما إذا كان الموظفون الأمريكيون في مشروع "الغراب" قد سرّبوا تقنيات مراقبة أمريكية سرّية، وفيما إذا استهدفوا شبكات الكمبيوتر الأمريكية بشكل غير قانوني، بحسب وكالة "رويترز".
 

 

دور واشنطن  

وأشارت "رويترز" إلى أن السؤال الأهم الآن هو عن دور واشنطن في مثل هذا المشروع التجسسي؟؟.. الإمارات قالت إنها تواجه تهديداً حقيقياً من الجماعات المتطرفة العنيفة، وإنها تتعاون مع الولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب.

 

وتوفر قصة "الغراب"  نظرة جديدة إلى الدور الذي تؤديه الدوائر الأمريكية السابقة في عمليات القرصنة الأجنبية. داخل مجتمع الاستخبارات الأمريكية، يرى البعض أن العمل ببلد آخر يعد خيانة للاستخبارات الأمريكية.

يقول بوب أندرسون، الذي عمل كمدير تنفيذي لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى عام 2015: "هناك التزام أخلاقي، فإذا كنت ضابطا استخباراتيا سابقا لا ينبغي أن تصبح مرتزقا فعليا لحكومة أجنبية".

 

وبينما يثير هذا النشاط معضلات أخلاقية، يقول محامو الأمن القومي الأمريكي إن القوانين التي توجه ما يمكن أن يفعله مقاولو الاستخبارات الأمريكية في الخارج غامضة. على الرغم من أنه من غير القانوني مشاركة المعلومات المصنفة، لا يوجد قانون محدد يمنع المتعاقدين من مشاركة معلومات أكثر عمومية عن الطوافة، مثل كيفية استهداف هدف من خلال بريد إلكتروني محمّل بالفيروس.

 

ومع ذلك، فإن القواعد واضحة بشأن اختراق الشبكات الأمريكية أو سرقة اتصالات الأمريكيين.
 

وقال ريا سيرز، نائب مدير مساعد لشئون السياسة في وكالة الأمن القومي: "سيكون الأمر غير قانوني للغاية".

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان