رئيس التحرير: عادل صبري 12:50 مساءً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

«محمد وصدام».. مقاتلان يمنيان يلملمان شظايا الحوثي ونيران الإهمال

«محمد وصدام».. مقاتلان يمنيان يلملمان شظايا الحوثي ونيران الإهمال

العرب والعالم

جريحان يمنيان - أرشيفية

«محمد وصدام».. مقاتلان يمنيان يلملمان شظايا الحوثي ونيران الإهمال

أحمد علاء 30 يناير 2019 23:30
بضعة أمتار فصلت بين غرفتي "محمد" و"صدام" في أحد مستشفيات القاهرة، رقدا الاثنان يلملمان جراحًا يمنية عمقية نخرت في عظامهما، ويحوم حولهما سربٌ من الأسئلة.. لماذا التجاهل، لماذا الإهمال، هل هذا جزاء التضحية".
 
ينضم هذان الشابان إلى سلسلة طويلة من جرحى محافظة تعز اليمنية، ضحّوا بدمائهم من أجل تحرير البلد من الميليشيات الحوثية، قاتلوا ضمن المقاومة الشعبية والجيش الوطني لكنّهم سقطوا في براثن ما يقولون إنّه إهمال من قبل الحكومة الشرعية.
 
محمد ديوان، حاصل على ثانوية عامة، كان يقاتل في صفوف الجيش الوطني في المحافظة، أصيب بطلقة في الرقبة وأخرى اخترقت عموده الفقري وكسرت حوضه، وأجرى نحو أربع عمليات في مستشفى الروضة في تعز.
 
يقول "محمد" إنّه يقاتل في الجبهة الوطنية منذ انطلاق شرارتها الأولى، وأحدثت إصاباته الكثير من الأزمات الصحية التي لازمته، لكنّ في الوقت نفسه يشكو عدم وجود اهتمامٍ كافٍ من قِبل المسؤولين.
 
ويعطي مزيدًا من التفاصيل: "لم يشعر جرحى محافظة تعز اهتمامًا حكوميًّا.. والجرحى في الداخل هم حالة سيئة جدًا.. هذا لا يقتصر على المناطق المحاصرة بل أيضًا في المناطق المحررة".
 
يناشد "المقاتل الجريح" الحكومة بالاهتمام بجرحى تعز كونهم داعمين بشكل رئيسي للشرعية، مؤكدًا أنّهم يمرون بأزمات مالية كبيرة ويضطرون للسلف من آخرين، كما أنّ لجنة الصرف التابعة للجنة الجرحى في القاهرة لم تصرف لهم أموالهم.
 
ويشير "محمد" إلى أنّ مسؤولي الشرعية رفضوا بشكل قاطع اللقاء بجرحى محافظة تعز ويتعاملون مع الأمر باستهتار شديد، كاشفًا عن واقعة مأساوية لجريح فقد ذراعه وعينه، وعندما قابله مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق عبدالملك المخلافي سأله "ما الذي أتى بك من تعز؟".
 
وتحدّث عن أنّ كبار المسؤولين عيَّنوا أبناءهم في أعلى المناصب، في وقتٍ لم يجد فيه جرحى تعز حق شربة ماء، وفق تعبيره، متابعًا بمزيدٍ من الحسرة: "لم نخرج ضد فاسد ليأتي من هو أكثر فسادًا.. نحن خرجنا لنحصل على دولة من صلب المقاومة.. دولة تقوم على التضحيات".
 
واستطرد: "لن نسمح لمن يتسلق فوق جثث الشهداء لتحقيق مصالحه الضيقة.. ونحن جاهزون للتضحية حتى نحصل على ما نريد".
 
على بُعد أمتار قليلة، يجلس "صدام العديني" يحاصره الألم مرتين، واحدة على عظامه التي هشمّتها طلقة حوثية غادرة، وأخرى على مستنقع الإهمال الذي سقط فيه غارقًا.
 
"صدام" حاصل على دبلوم تسويق، أصيب بطلقة في الفخذ الأيسر أدّى إلى تهشُّم العظام، التحق في جبهة الأمن السياسي في الجيش الوطني والمقاومة منذ شرارة انطلاقتها.
 
أجرى "صدام" عدة عمليات في تعز، منها زراعتا عظام، لكنّ حالته ساءت فجاء إلى القاهرة لإجراء عمليتين، ويتبقى له العلاج الطبيعي.
 
يكرّر هذا المقاوم الجريح أنّه لا يوجد أي اهتمام من قِبل الحكومة الشرعية، ويقول: "مكثت في تعز نحو ثلاثة أعوام منذ إصابتي ولم أسافر.. وهناك حالات أكثر سوءًا من حالتي ولم يتم نقلهم لتلقي العلاج بالخارج، منهم من أصيب بشلل أو فقد عينيه أو ذراعيه".
 
ويضيف: "الجرحى في بعض المحافظات يوجد لهم لجنة واهتمام لكن الوضع في تعز مختلفًا تمامًا.. الجانب الحكومي لا يقدم لنا أي تقديرًا أو اهتمامًا.. نحن شباب المقاومة خرجنا للجهاد في سبيل الله وضحينا بأنفسنا وبأموالنا، لكن نقول للشرعية اتقوا الله في تعز وجرحى تعز".
 
ويكشف "صدام": "جرحى تعز يوجدون في الداخل والخارج، يعني مثلًا في مصر وتركيا والأردن والسودان والهند.. ورغم اعتماد مبلغ مليوني دولار لعلاج الجرحى لكن للأسف لم يتم ذلك في كل الدول، وحتى من صرفت لهم متأخرًا لم يحصلوا على العمليات التي أجروها في السابق".
 
"لجنة جرحى تعز" ارتبط اسمها بالكثير من الانتقادات والشبهات على مدار الأشهر الماضية، فارضةً كثيرًا من التساؤلات حول العمل الذي من المفترض أن تقوم به هذه اللجان لصالح الجرحى.
 
قبل شهرٍ من الآن، وجّهت رابطة جرحى تعز في مصر إلى رسالةً إلى المحافظ أيمن محمود، قالت فيها إنّ عددهم يزيد عن 50 جريحًا، يعانون من إهمال وأوجاع وحرمان للحقوق.
 
وأضافت الرسالة التي اطلع عليها "مصر العربية": "استبشرنا كثيرًا بوصولك إلى قاهرة المعز وتأملنا أن تكون زيارة جرحى الشرعية والجيش الوطني على رأس أولوياتك في القاهرة، لكن دون جدوى، وتيقنا بعد صعوبة التواصل معك وإغلاق كل الأبواب في وجه الجرحى.. أن تأملنا كان كالمستجير من الإهمال بالتجاهل والساعي وراء المرض فوق الجرح".
 
وأضافت: "انتظرنا مقابلة المحافظ منذ وصوله ، ولم نجد غير تجاهل متعمد وحقد دفين على الجرحى لا نعلم جذوره ودوافعه، وصل إلى حد تجاهل زيارة أحد الجرحى على الرغم من وجوده في نفس المستشفى الذي تتواجد فيها الطفلة الجريحة فاطمة".
 
وتساءلت الرابطة: "لماذا المسؤول الحكومي الأول بمحافظة تعز حدّد موقفًا من جرحى الشرعية والجيش الوطني بالمحافظة ويتنكر لجراحهم وتضحياتهم بكل استهتار ولا مبالاة".
 
وتابعت: "نحن لا نستجدي المحافظ ولا أي مسؤول زيارتنا والاطمئنان على صحتنا أو الرد على دعواتنا لزيارة شقة الجرحى، بالنتيجة من يحمل الحقد على الجرحى لا يمكن له أن يكون بلسما للجراح".
 
قبل ذلك بثلاثة أشهر، كشفت رابطة جرحى تعز، عن جزء من نتائج التحقيق بشأن تهم الفساد والتجاوزات التي تورطت فيها اللجنة الطبية السابقة برئاسة الدكتورة إيلان عبدالحق وكيل المحافظة للشئون الصحية.
 
الرابطة قالت - في بيان - إنّ "التقرير النهائي لفحص أعمال اللجنة الطبية السابقة كشف عن ممارسات فساد صادمة، وعبث مالي وإداري متعمد لا يمكن السكوت عنه، فضلًا عن العديد من التجاوزات والمخالفات القانونية".
 
ومن هذا التجاوزات - وفقًا للرابطة - قيام رئيسة اللجنة الطبية السابقة بإيداع مليون دولار في حسابها الشخصي بمصرف الجزيرة بالريال السعودي بتاريخ 7 فبراير 2018، وفي نفس التاريخ تمّ تحويله للريال اليمني ثم للدولار الأمريكي، وعقب ذلك قامت شركة الجزيرة بعكس قيد التحويل السابقة وإجرائها من جديد، لتعود شركة الجزيرة وتلغي قيود التحويل الأخيرة، وتجري قيد تحويل للمبلغ من الريال السعودي إلى الدولار الأمريكي.
 
وأضافت الرابطة أنّ "جميع عمليات الصرف من هذا الحساب لم تتم عبر اللجنة المالية الخاصة باللجنة الطبية، ولم تتم بواسطة استمارات اعتماد الصرف، وقد شهد الحساب عملية سحب وإلغاء للعملية (قيد عكسي) بمبلغ 252 ألفًا و927 دولارًا، مشيرةً إلى أنّ المبالغ التي صرفت من هذا الحساب كانت تتم عن طريق سحبها نقدًا من طرف "إيلان عبدالحق"، حسب البيان.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان