يبدو أن المشهد السياسي في موريتانيا لن يعرف الهدوء، وذلك بعد أيام قليلة من تأكيد رئيس البلاد عدم إجراء أية تعديلات دستورية فيما يتعلق بالمدد الرئاسية، لكن ما حدث بعد ذلك أثار جدلًا وسط المعارضة هناك .
وأكد الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية ورئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم سيدي محمد ولد محم، أمس الثلاثاء، أن النظام اختار وزير الدفاع الفريق السابق محمد ولد الغزواني مرشحاً للانتخابات الرئاسية التي ستشهدها موريتانيا منتصف العام الجاري.
تصريحات ولد محم جاءت في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وتأتي بعد سلسلة لقاءات أجراها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مع شخصيات سياسية وازنة حدثهم فيها عن دعمه لترشح ولد الغزواني.
وقال ولد محم في تغريدته إن اختيار ولد الغزواني "ليكون مرشحنا كنظام" في الانتخابات المقبلة "يشكل أفضل خيار لاستمرارية هذا المشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية أسسه وقاده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز”.
يأتي القرار عقب سحب الرئيس الموريتاني البساط من تحت مجموعة من البرلمانيين، في منتصف يناير حين طالب بوقف حملة تدعو إلى تعديل الدستور بشكل يسمح له بالترشح لولاية ثالثة.
وتقاعد ولد الغزواني من الجيش نهاية العام الماضي ليتم تعيينه وزيراً للدفاع في أول حكومة بعد الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية التي شهدتها موريتانيا سبتمبر الماضي.
فيما أشارت تقارير صحفية أنه لم يكن مفاجئا إعلان ترشيح وزير الدفاع الموريتاني، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، لخوض انتخابات الرئاسة، المقرر إجراؤها في شهر يونيو المقبل.
فمنذ تعيين ولد الغزواني على رأس الوزارة، في أكتوبر الماضي، ثارت توقعات وسط الموريتانيين بأنّه سيخلف على الأرجح صديقه، الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
غضب المعارضة
أثار الإعلان بترشيح وزير الدفاع محمد ولد الغزواني للانتخابات الرئاسية المقررة الصيف المقبل الكثير من الجدل.
المعارضة الموريتانية اعتبرت الخطوة "التفافا على الدستور وتخطيطا من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لولاية ثالثة، بعد أن يحكم محمد ولد الغزواني ولاية واحدة تم يسلمه الكرسي الرئاسي"، فيما اعتبرت الأغلبية أن الترشيح هو من أجل استمرار "المشروع الوطني الرائد" الذي بدأته حكومة ولد عبد العزيز.
رئيس حزب العهد الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، يحي ولد الوقف، اعتبر أن الترشيح كان متوقعا، باعتبار أن الأغلبية كلها كانت تتحدث عن ولد الغزواني وكانت "تؤمن بأنه هو المخول الوحيد الذي بإمكانه أن يحل محل عبد العزيز ويرأس الدولة الموريتانية".
ويرى يحي ولد الوقف أن الأغلبية "تثق في العسكر كثيرا لتسيير أمور البلاد عكس المدنيين"، مؤكدا أن هذا الترشيح "ستكون خلفه مخططات سياسية تخدم مصلحة ولد عبد العزيز بالأساس".
من جتنبه اعتبر رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني المعارض صالح ولد حننا، أن دعم الرئيس للغزواني للترشيح لرئاسيات 2019، يعتبر "التفافا على العهدة الثالثة ويؤشر على الرغبة في استمرار العسكر في التحكم في المشهد السياسي"، بحسب "أصوات مغاربية".
من هو غزواني
ولد محم وصف ترشيح «غزواني للانتخابات الرئاسية بأنه الخيار الأفضل ، ولكن من هو محمد ولد الغزواني » الرجل الذي تشير المعطيات إلى أنه سيحكم البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو الذي كان شريكاً في الحكم منذ عام 2005.
اسمه الكامل محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني ، ولكن الموريتانيين يسمونه اختصاراً غزواني، وهو ينحدر من أسرة علمية وصوفية معروفة في موريتانيا، وينحدر من مقاطعة « بومديد » شرقي البلاد.
«غزواني البالغ من العمر 63 عاماً، متزوج وأب لخمسة أبناء، ويصفه المقربون منه بأنه « هادئ وكتوم »، عسكري محترف ومثقف، يحظى بثقة واحترام أغلب أفراد المؤسسة العسكرية.
انخرط «غزواني في صفوف الجيش الموريتاني متطوعا يوم 15/10/1978، وتابع تكوين كطالب ضابط في المغرب، وهو حاصل على شهادة الباكلوريا وشهادة جامعية في الدراسات القانونية، وماجستير في العلوم الإدارية والعسكرية، وعدة شهادات عسكرية ودورات تدريبية في مجال الحروب.
في عام 1987 كان مرافقاً عسكرياً للرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، قبل أن يعود ليطيح به في انقلاب عسكري عام 2005، لعب فيه دوراً محورياً ولكنه بقي في الظل أمام بروز اسم صديقه « محمد ولد عبد العزيز ».
بعد انقلاب 2005 تولى « غزواني » إدارة الأمن الوطني، وكان عضواً في « المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية » الذي أدار البلاد، وقاد فترة انتقالية أسفرت عن انتخاب أول رئيس مدني في تاريخ البلاد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
كافأ « ولد الشيخ عبد الله » الرجل بأن عينه قائدا للأركان الوطنية عام 2008، ولكن سرعان ما ساءت العلاقة بين ولد الشيخ عبد الله وأصدقائه العسكريين وفي مقدمتهم «عزيز و ولد الغزواني لتنتهي الأمور بانقلاب عسكري قاده الرجلان عام 2008.
منذ 2008 والرجلان يحكمان البلد بقبضة قوية، تولى ولد الغزواني رئاسة المجلس الأعلى للدفاع عام 2009، وتولى بعد ذلك قيادة الأركان العامة للجيوش 2013، بينما نزع « عزيز » البزة العسكرية وارتدى ربطة العنق ليدير البلاد من القصر الرئاسي.
في نهاية عام 2012 أصيب «عزيز" بطلق ناري في حادثة اشتهرت لدى الموريتانيين باسم "حادثة الطويلة »، وتلقى فترة علاج في فرنسا استمرت 45 يوماً، كان خلالها غزواني هو الرئيس الفعلي للبلاد ممسكاً بكافة الملفات ويدير المرحلة الحرجة بهدوء حتى عاد صديقه.
ومع نهاية الولاية الرئاسية الثانية والأخيرة لـ "عزيز"، كان « غزواني » قد نال حقه في التقاعد، فتم تعيينه شهر أكتوبر الماضي وزيراً للدفاع ليظهر في ربطة عنق أنيقة معلنة نهاية الخدمة العسكرية وبداية مرحلة جديدة.