"في الأعراف الموسيقية، يعرف النشاذ بأنّه خروج عن النص".. سياسيًّا وقع هذا الأمر قبل أيام، ففي اجتماع الوزراء العرب بالقاهرة الأسبوع الماضي، صدر قرار شبه بالإجماع على اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وذلك بعد إطلاق صاروخ على الرياض، قالت المملكة إنّ مصدره الميليشات الحوثية المدعومة من إيران وحزب الله.
الوزراء العرب استنكروا بناءً على طلبٍ سعودي عاجل، تأسيس جماعات إرهابية في البحرين ممولة ومدربة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني بحسبهم، محملين الحزب الأخير -الشريك في الحكومة اللبنانية- مسؤولية دعم الجماعات الإرهابية في الدول العربية بالأسلحة المتطورة والصواريخ البالستية، وطالبوا الحزب بالتوقف عن نشر التطرف والطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم تقديم أي دعم للإرهاب والإرهابيين في محيطه الإقليمي.
بهذا القرار، أنهت جامعة الدول العربية ما بدأه مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله تنظيمًا إرهابيًّا، مع رفض شديد من لبنان والعراق، وتحفظ من الجزائر، وهنا كان لافتًا البحث عن الأسباب التي جعلت ذلك البلد البعيد نسبيًّا - جغرافيًّا - عن بؤرة الخليج الملتهبة، كما يمثل خروجًا عن نشاذ المغرب العربي الذي أيّد القرار.
خلّف تصنيف الجامعة العربية حزب الله منظمة إرهابية انقسامًا حادًا بين دول المغرب العربي، ففي الوقت الذي تحفظت فيه الجزائر على قرار الجامعة، قّبل المغرب هذا التصنيف، وهو ما اعتبرته بعض صحف المعارضة المغربية رضوخًا للضغوط الخليجية، وذهب المغرب إلى أبعد من ذلك، عندما اعتقل رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، المقرب من حزب الله، والمتهم بتمويله، وسلمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
أمّا تونس فاتخذت موقف الوسط، فبعد موافقة وزير داخليتها العام الماضي، كما يقول ساسة بوست، على تصنيف الحزب منظمة إرهابية، تبرأ الرئيس الباجي قائد السبسي من قرار الجامعة، وأكد أنّ بلاده تتمتع بعلاقات طيبة مع لبنان، كما كانت تونس قد تحفظت على البيان الأخير للجامعة العربية الذي يصف الحزب بالإرهابي، والذي خلف غضبًا كبيرًا في الشارع التونسي.
الجزائر رفضت الدعوة السعودية عن طريق الجامعة العربية لاعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، وجاء هذا الرفض بتحفّظ على القرار الذي صدر العام الماضي باعتبار الحزب منظمة إرهابية، ودعت جامعة الدول العربية على لسان وزير خارجيتها عبد القادر مساهل إلى ضرورة الالتزام بقواعد الشرعية الدولية، مبرزًا أنّ اللوائح والقوائم الأممية في تصنيف الجماعات الإرهابية لا تشمل الأحزاب المعترف بها، والمساهمة في المشهد السياسي والاجتماعي الوطني، وشدّد على التزام الجميع، سواءً كانت حكومات أو أحزاب، بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول طبقًا لميثاق الأمم المتحدة، وميثاق الجامعة العربية.
وغداة ذلك، أعلنت الجزائر رفضها توصيف اجتماع وزراء الخارجية العرب لحزب الله بأنّه منظمة إرهابية، وكان وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة قد أكّد أنّ حزب الله هو حركة سياسية عسكرية تعتبر عنصرًا فاعلًا في الساحة السياسية الداخلية اللبنانية، وأوضح أنّ حزب الله حركة فاعلة في الداخل اللبناني، وهذا بفضل الترتيبات التي أسهم بها الفاعلون العرب في اتفاق الطائف.
وتحدثت تقارير صحفية عن أنّ موقف الجزائر من حزب الله خلّف غضبًا خليجيًّا وعربيًّا كبيرًا، فقد رأته بعض الدول العربية خروجًا عن الإجماع العربي، ومارست السعودية والإمارات ضغوطًا اقتصادية من خلال مبعوثين زاروا الجزائر ومارسوا ضغوطًا عليها عبر باب الاستثمارات وتمويل مشروعات جزائرية، ووصل حجم الغضب العربي من موقف الجزائر تجاه حزب الله إلى المطالبة بتجميد مقعدها في الجامعة العربية.
الناطق باسم وزارة الخارجية عبد العزيز بن علي الشريف قال إنّ بلاده ترفض التحدث باسم اللبنانيين وفي مكانهم، وأضاف أنّ كل قرار يخص هذه الحركة يجب أن يصدر عن اللبنانيين أنفسهم، مشيرًا إلى أنّ الجزائر التي تعد عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أحد أهم مبادئ سياستها الخارجية، ترفض التحدث باسم اللبنانيين وفي مكانهم في مسألة تخصهم حصرًا.
النأي بالنفس
وضع محللون العديد من الأسباب التي قادت الجزائر إلى هذا التوجه، من بينها مبدأ النأي بالنفس، وهو من بين أهم المبادئ التي بنيت عليها الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة مواقفها في القضايا الإقليمية والدولية. جاء هذا السبب على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية، الذي برّر موقف بلاده الرافض لوصف حزب الله بالإرهاب، بأنّها تنأى بنفسها عن التدخل في مشكلة داخلية في إشارة إلى اللبنانيين أنفسهم، موضحًا أنّ الجزائر ترفض التحدث باسم اللبنانيين أو التقرير في مسائل تخصهم وحدهم.
كما أكّدت "الخارجية" الرفض بشدة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة، وأنّ حزب الله جزء لا يتجزأ من المكون الداخلي للبنان، وأنه جزء أيضًا من الترتيبات التي تضمنها اتفاق الطائف سنة 1989، وأن الفصل في مثل هذا الموضوع يعود إلى اللبنانيين أنفسهم، ولا يمكن البت فيه إلا في إطار سيادة لبنان.
وفي هذا الصدد، قال الدبلوماسي ووزير الاتصال السابق عبدالعزيز رحابي إنّ الجزائر تملك كل الأسباب من أجل النأي بنفسها عن وصف حزب الله اللبناني بالمنظمة الإرهابية.
وتحدث لموقع "كل شيء عن الجزائر" أنّ بلاده لها الحق في التبرؤ من هذه المبادرة السعودية، وأنّه من خلال الممارسات الدولية في هذا المجال فلا يحق للجزائر التدخل إلا بطلب من لبنان، وهذا ما لم يكن في هذه القضية.
محور المقاومة
سببٌ آخرٌ يسوق الجزائر لما اتخذت من قرار، وهو علاقاتها بما تعرف هناك بـ"محور المقاومة"، وبالتالي لا يمكنها كسر أحد أضلعها، وهنا الحديث عن علاقات تُوصف بـ"الطيبة" تجمع الجزائر بكل من إيران وسوريا وحزب الله، ما جعلها هدفًا لاتهامات السعودية بتبني سياسات إيران تجاه القضايا الإقليمية والعربية، وذلك في محاولة لثنيها عن مواقفها تجاه حزب الله وسوريا واليمن.
الجزائر كانت قد تحفظت على عدة قرارات عربية موجهة ضد محور المقاومة، كان أبرزها رفضها الانخراط في التحالف الإسلامي والعربي ضد الحوثيين في اليمن.
وفي حوارٍ مع وكالة الأنباء الإيرانية، قال الباحث والصحفي الجزائري عدة فلاحي إنّ الجزائر لم تنسق وراء الطرح الذي يعتبر حزب الله منظمة إرهابية، متهمًا بعض وسائل الإعلام بمحاولة ترويج العكس للإساءة إلى الجزائر، وضرب محور الصداقة بينها وبين محور إيران.
واستدل عدة فلاحي على ذلك بقوله: "التقاليد السياسية للجزائر تنص دائمًا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي موقفها من حزب الله لم يتغير"، في إشارة إلى موقف الجزائر الرافض لاعتبار الجامعة العربية حزب الله منظمة إرهابية.
وأشار فلاحي إلى الدورة الطارئة الأخيرة للجامعة العربية، والتي غاب عنها العديد من وزراء الخارجية العرب، بمن فيهم الجزائر، وأنّها حولت الجامعة العربية إلى بديل عن مجلس التعاون الخليجي.
قاعدة شعبية
أيضًا، يمتلك حزب الله قاعدة شعبية كبيرة في الجزائر؛ نظرًا للدور المقاوم الذي بذله في حربه الأخيرة عام 2006 ضد إسرائيل، إذ تعاطف معه غالبية الشعب الجزائري، وكانت أخبار انتصاراته موضع حديث الرأي العام في ذلك الوقت.
تقول الإعلامية الجزائرية حدة حزام: "زرت جنوب لبنان منذ سنوات، وتحدثت إلى لبنانيين مسيحيين وسنة وشيعة عن رأيهم في حزب الله، فكانت إجاباتهم واحدة، نحن مع نصر الله لأنه الوحيد الذي رفع رؤوسنا، ووحده الذي حرر أرضنا وأعاد لنا كرامتنا".
موقف الجزائر الرسمي والشعبي تجاه حرب يوليو 2006 كان مساندًا لحزب الله؛ إذ صرّح يومها الراحل عبدالحميد مهري الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير -الحزب الحاكم في الجزائر- بأنّ موقف بلاده من العدوان الإسرائيلي على لبنان أفضل من مواقف بعض الأنظمة العربية، لكنّه لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب، لأنّ النظام العربي الرسمي مقيد والجزائر تصطدم بهذه القيود.
بينما اتخذت جمعية العلماء المسلمين الجزائرية موقفًا بارزًا حينها، إذ طالبت الجزائريين بوجوب مقاطعة الشركات والبضائع الأمريكية والدول الداعمة لإسرائيل.
موسى تواتي رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية اعتبر أنّ الموقف الجزائري الرافض لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية كان يجب أن يكون أقوى بالانسحاب من هذه الجامعة التي أضحت "عبرية" حسب وصفه، معتبرًا أن استهداف حزب الله مرده مواقفه المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
تنسيق استخباراتي
يُضاف لما سبق، التنسيق الاستخباراتي بين الجزائر وحزب الله من أهم الأسباب التي جعلت الجزائر تتخذ موقفًا مناهضًا لوصف حزب الله بالإرهاب، إذ نتج من هذا التنسيق تسليم حزب الله مطلع سنة 2011 جزائريين متورطين في تنفيذ أعمال إرهابية بالشرق الأوسط، واتضح للمخابرات الجزائرية تورطهما في إنشاء شبكة علاقات مع تنظيم القاعدة لشنّ هجمات على الجزائر.