شهدت دولة الكويت انعقاد القمة العربية الأفريقية الثالثة، خلال يومي 16 و20 نوفمبر الجاري، بحضور نحو 60 دولة عربية وأفريقية، إلا أن بيانها الختامي، لم يرصد جديدًا على الصعيد الاقتصادي؛ بل إن الأوضاع السياسية في عدد من بلدان الربيع العربي كانت حاضرة وبق
فكل التوصيات (من قبيل العمل على تنشيط..، والسعي لتقوية..) جاءت وسط غياب لبرامج محددة من حيث الناحية الزمنية أو الالتزام المالي، أو الدخول في خطوات عملية من شأنها زيادة التبادل التجاري، ومن ثم التكامل الاقتصادي العربي الأفريقي.
وحتى ما أعلنه أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر، بتوجيهه لصندوق الكويت للتنمية الاقتصادية بتخصيص مبلغ ملياري دولار كقروض ميسرة لأفريقيا، يأتي كتوجه قُطري، لا يعكس صورة التعاون بين كيانين إقليميين، وهو ملمح جدير بالملاحظة، إذا كنا نتحدث عن علاقة تترجمها قمة مضى على تأسيسها نحو 36 عامًا، حيث عقدت القمة الأولى بالقاهرة في مارس 1977، ثم القمة الثانية في مدينة سرت بليبيا في عام 2010.
عقدت قمة الكويت تحت عنوان "نحو استراتيجية عربية أفريقية"، وإذا كنا نتحدث عن وجود كيانين يمثلان الجانبين، من خلال جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، فإننا لا نجد أثرًا ملموسًا لتفعيل هذه الكيانات المؤسسية؛ لتنفيذ مقتضيات تحقيق علاقة استراتيجية، فما يُعلن عنه من وجود شركات أو مشروعات لبعض دول الخليج في أفريقية، فهي توجهات قطرية، لا ترتبط بالتوجه الإقليمي من قريب أو بعيد.
وبما أن القمة العربية الأفريقية الثالثة لا تأتي من فراغ، ولكنها تكريس لعلاقة لها من البعد الزمني ما يكفي، فحري بنا أن نشير إلى بعض مؤشرات العلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية.
على الرغم من إشارة المجتمعين بالقمة العربية الأفريقية بضرورة الخروج من علاقة المنح والقروض إلى فضاء الاستثمارات والتبادل التجاري، إلا أن الواقع يعكس حجمًا ضئيلاً للتبادل التجاري، فحسب تصريح أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، فإن "الإحصاءات المتاحة تشير إلى أن حجم التبادل التجاري العربي الأفريقي وصل إلى 25 مليار دولار في عام 2010".
وفي إطار الحديث عن الإحصاءات المتاحة، فإن إحصاءات عام 2008، تبين أن حجم التبادل التجاري كان بحدود 21 مليار دولار، وأن الصادرات العربية الأفريقية بلغت 12.3 مليار دولار، بينما الواردات العربية من أفريقيا كانت بحدود 8.7 مليار دولار، وهنا نحن نتحدث عن علاقات بينية لنحو 80 دولة عربية وأفريقية.
ليس ذلك بغريب في إطار أن طبيعة الاقتصاديات العربية الأفريقية هي طبيعة تنافسية، فكلا الاقتصادين العربي والأفريقي، يصدران المواد الأولية، ويعتمدان بشكل رئيسي على العلاقات الخارجية باتجاه كل من الغرب وأمريكا، ومؤخرًا مع الصين.
وإذا كانت الأرقام تعكس وجود فائض في العلاقة التجارية لصالح الدول العربية، فهو يرجع لطبيعة الصادرات النفطية، ولو تم احتساب العلاقة من غير الصادرات النفطية العربية لأفريقية لأصبحنا أمام واقع جديد، يظهر مدى ضعف العلاقات التجارية.
وفي الوقت الذي يتراوح فيه حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وأفريقيا ما بين 21 مليار دولار و25 مليار دولار، نجد أن العلاقات التجارية العربية مع الصين بلغت 116.8 مليار دولار، ومع اليابان 119.7 مليار دولار، ومع الاتحاد الأوروبي 289.2 مليار دولار.
ويظهر التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2012، أن أفريقيا ليست على خريطة الشركاء الرئيسيين للدول العربية، فعلى صعيد الصادرات العربية تستحوذ دول آسيا (بدون الصين واليابان) على نسبة 21.2 % من الصادرات العربية، ثم الاتحاد الأوروبي 12.7 %، ثم اليابان 9.4%، والصين 8.3 %، وأمريكا 7.7%.
إذا كان الماضي والحاضر للعلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية لا يعكس طموح الجانبين، والعلاقات التاريخية بينهما، إلا أن المستقبل بلا شك سيكون مختلفًا، في ظل عدة مؤشرات، الأول أن أفريقيا أصبحت محط أنظار واهتمام القوى الكبرى منذ سنوات، فهناك القمة الأفريقية الأمريكية، والقمة الأفريقية الصينية، والقمة الأفريقية الأوروبية، وجميع هذه الكيانات تمتلك علاقات اقتصادية قوية مع أفريقيا، تشهد تناميًا ملحوظًا على مدار السنوات الماضية.
إن الدول الأفريقية نفسها حريصة على تغير مكانتها الاقتصادية، وهو ما نلاحظه من خلال بعض المؤشرات الخاصة بمعدلات النمو، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى تحقيق الدول الأفريقية جنوب الصحراء لمعدلات نمو بلغت 4.9 %، ويتوقع أن تصل لمعدل 6 % في عام 2014.
وكذلك فإن نصيب الدول الأفريقية من الاستثمارات الأجنبية العالمية بلغت في عام 2012 نحو 50 مليار دولار، مقارنة بنحو 47.1 مليار دولار للدول العربية، إلا أن مؤشر الجاذبية للاستثمار في أفريقيا أعلى منه في الدول العربية، فقد بلغ في أفريقيا 57.2 %، بينما في الدول العربية كان بحدود 43 %.
وكذلك مساهمة أفريقيا في حركة التجارة التي يتوقع لها أن تصل مع نهاية هذا العقد إلى نسبة 30 % من حجم التجارة العالمية، مقارنة بـ 12 % حاليًا، وبالتالي فإن العلاقات العربية مع أفريقيا تحتاج نظرة جديدة تخرجها من العموميات والقمم الإعلامية، إلى لغة المصالح المتبادلة.
وفي الوقت الذي تمر فيه الدول العربية بحالة كبيرة من عدم الاستقرار السياسي، ووجود هش لكيانها الإقليمي المتمثل في جامعة الدول العربية، نجد أفريقيا على العكس تتجه إلى استقرار سياسي، ومحاولة إرساء نُظم ديمقراطية، ومحاولتها لإيحاء دور حقيقي للاتحاد الأفريقي، ووجود التزام بقراراته الدولية والإقليمية. وهو ما يتوجب معه أن يعيد العرب النظر في الدور الإقليمي التنفيذي لجامعة الدول العربية.