رئيس التحرير: عادل صبري 11:21 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

مخطط تقسيم الدول العربية.. حدود يتلاعب الغرب برمالها

مخطط تقسيم الدول العربية.. حدود يتلاعب الغرب برمالها

العرب والعالم

حفتر والسراج

بعد خريطة أمريكية عن ليبيا..

مخطط تقسيم الدول العربية.. حدود يتلاعب الغرب برمالها

أحمد علاء 11 أبريل 2017 10:33
 
"أين ذهبت الأحلام الوردية؟ كيف تحولت لحظة الإفاقة المنتظرة إلى سيول دموعٍ ودماء؟".. قبل ست سنوات خرج عربٌ في بعض بلدانهم ثوارًا ضد حكامهم، واليوم يتصاعد الحديث أكثر عن خطر بقاء هذه البلدان.. الحديث عن تقسيم دول عربية إلى دويلات صغيرة.
 
"كيف يمكن أن تصبح خمس دول 14 دولة؟".. كان هذا عنوانًا قبل سنوات لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التي سبقتها خرائط مماثلة من مراكز أبحاث ومؤسسات سياسية غربية، اشتركت في نظرة استشراقية تقسِّم المجتمع على أساس الطائفة والعرق.
 
لم يكن وراء الخروج الكبير في 2011 صراعات فكر.. كان خروجًا مدفوعًا بالفقر والظلم والضيق، فحمل شعارًا لفَّ البلدان الثائرة "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكنَّ ما يسري في البلدان حاليًّا بلور في أذهان كثيرين أنَّ مخططًا جرى إعداده في مكاتب الغرب المغلقة، يعمدون من ورائه إلى دويلات عربية، يسعون من خلاله إضعاف من هم في وضع الضعف أصلًا، كما يرى محللون.
 
بعد مرور أكثر من 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو "1916" التي قادت في النهاية إلى التقسيم المعروف للمنطقة، لا تزال الخرائط الملونة ترسم من جديد، وكأن العرب - سكانًا ومدنًا ومؤسسات - خطَّت على رمل، أو أن مشكلاتهم تحتاج تغيير جوازات السفر، وحدودهم تحتاج أن تضيق.

 

التقسيم.. ليبيا نموذجًا

 
مدعى هذا الحديث خريطة أمريكية، أوردها تقريرٌ لصحفية "جارديان" البريطانية، أنَّ مسؤولًا أمريكيًّا عرض خريطة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول على أساس أقاليمها الثلاثة القديمة، طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب.
 
التقرير الذي اشترك فيه جوليان برجر من الولايات المتحدة وستيفاني كيرشغاسنر من إيطاليا - حسب "هافينجتون بوست" - كشف أنَّ مسؤولًا كبيرًا في البيت الأبيض "مكلف بالسياسة الخارجية" رسم أمام دبلوماسي أوروبي خريطةً لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول.
 
لم تكشف الصحيفة عن هوية المسؤول الأوروبي، ولكنها بينت أنَّ سيباستيان جوركا مساعد الرئيس دونالد ترامب، هو المسؤول الأمريكي الذي اقترح تقسيم ليبيا، قبل أسابيع من تنصيب ترامب رئيسًا في 20 يناير الماضي.
 
"جارديان" نقلت عن مصدر - لم تسمه، لكنَّها قالت إنَّه على علم بالموضوع - أنَّ الدبلوماسي الأوروبي رد على جوركا بأنَّ التقسيم هو أسوأ حل يمكن تصوره في ليبيا.
ليبيا - الدائر الحديث بشأنها - تعاني من انقسام سياسي وأمني منذ انطلاق عملية الكرامة بقيادة خليفة حفتر في 2014، حيث توجد ثلاث حكومات اثنتان في العاصمة طرابلس "الوفاق والإنقاذ"، وثالثة في مدينة البيضاء شرقي البلاد "المؤقتة"، وتسيطر قوات حفتر على معظم إقليم برقة بينما يسيطر تحالف لكتائب الغرب الليبي وعلى رأسها كتائب مصراتة على معظم أجزاء إقليمي طرابلس وفزان.
 

مخططات.. أمريكا ترعاها

 

الحديث عن تقسيم دول عربية إلى دويلات صغيرة ليس جديدًا، بل تعلَّق أكثر بمصطلح أمريكي "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تسوِّق له واشنطن منذ 2006، حيث أطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة جونداليزا رايس وهي في زيارةٍ إلى تل أبيب، وذلك تزامنًا مع الحصار الإسرائيلي للبنان.
 
محللون اعتبروا أنَّ هذا الإعلان كان بمثابة تأكيد لـ"خارطة الطريق العسكرية" في الشرق الأوسط بالاتفاق بين الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، وذلك بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى تمتد من لبنان وفلسطين وسوريا إلى العراق والخليج وإيران، وحتى أفغانستان.
 
في العام نفسه، عرض الخبير العسكري الأمريكي رالف بيترس، حدودًا للشرق الأوسط رأى أنَّها عادلة في مقالة بعنوان " الحدود الدموية.. كيف يمكن رؤية الشرق الأوسط بشكل أفضل"، نُشرت في العدد السادس من المجلة العسكرية الأمريكية، تضمَّنت خريطة جديدة للمنطقة مفصلة على أساس عرقي ومذهبي، موضحة التقسيم.
 
هذا المصطلح عكس جانبين، الأول أن الوقت حان لإجراء عملية تغيير شاملة لمنطقة الشرق الأوسط، والثاني أنَّ رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد سيكون مفتاحًا لتحقيق ما يعتقد أنَّه استقرار سياسي واجتماعي يضمن المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة وفي صدارتها النفط.
 
رسم الخرائط الجديدة للشرق الأوسط بدأ في بداية الثمانينات مع مشروع إسرائيل الكبرى للمنظر الإسرائيلي أودد ينون، وكان الهدف خلق بلدان طوائف صغيرة، تدين بالولاء لإسرائيل.
 
 
10 سنوات بعد ذلك حتى ظهرت خرائط الشرق الأوسط التي رسمها المستشرق الأمريكي برنارد لويس، الذي طالب بتغيير شكل المنطقة لأن العرب لم يعدوا أمة مترابطةً، حسبما رأى.
 
 
مخطَّط التقسيم أصبح بروزًا في 2006، مع خريطة "حدود الدم"، لليميني المتطرف رالف بيترز، وخريطة جيفري جولدبيرج التي  نشرتها مجلة "ذا أتلانتك" في العام 2007.
 

 

 

وقائع تبرهن على نوايا

 
الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة الدراسات بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال لـ"مصر العربية" إنَّ هذه الفكرة ليست جديدة، لافتًا إلى أنَّ الوقائع الجارية حاليًّا في منطقة الشرق الأوسط تؤكِّد وجود مخطط للتقسيم.
 
وأضاف: "هناك أوضاع معقدة في الشرق الأوسط والدلائل تشير إلى عدم التوصُّل إلى تسوية سياسية في كل دولة وتوافق وطني ينهي الصراعات لكن كل ذلك ليس بسبب الأوضاع الداخلية ولكن بتدخلات خارجية".
 
رسلان أشار إلى أنَّ مثل هذه الأوضاع تؤدي إلى تغذية الحروب والصراعات، ما يفرض حالةً من الإرهاق الشامل في هذه الدول، وهو ما يستتبعه رغبة في التقسيم.
 
الخريطة الأمريكية عن تقسيم ليبيا التي نشرتها الصحيفة رأى رسلان أنَّها واقعية إلى حد بعيد في ظل الأزمة الليبية الحادة هناك، بل تحدَّث أيضًا عن قرب سوريا من التقسيم هي الأخرى إلى تقسيم قائم على ما أسماها "الفيدرالية الفضفاضة"، تحكم كل منطقة فيها نفسها ذاتيًّا.
 
علاقة الربيع العربي بهذه المخططات يقول رسلان إنَّها قائمة، فأوضح أن جزءًا من اندلاع الثورات كان يتجسَّد في الأوضاع الداخلية للبلدان، غير أنَّ ما وصفه بـ"التآمر الغربي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا كان له النصيب الأكبر من أسباب اندلاع الثورات.

 

التقسيم.. خطر أم ليس معيارًا؟

 
الإعلامية اللبنانية فاطمة التريكي قلَّلت من أهمية التقسيم في حد ذاته على وضع الدول، وقالت لـ"مصر العربية": "أنا لست من المهووسين بفكرة البلاد الكبيرة بمعنى رفض أشكال الحكم الفيدرالي واعتبار ذلك بالضرورة سيئًا".
 
وأضافت: "هناك بلدان كثيرة فيها اتحادات فيدرالية وناجحة جدًا إداريًّا وتنمويًّا، وأيضًا توجد  بلدان عربية شاسعة وفاشلة ومتمسكين بالوحدة المركزية كأنها شيء مقدس".
 
الخطر تراه التريكي يكمن في شكل النظام أو التقسيم، فأكَّدت أنَّه إذا كان التقسيم قائمًا على أساس طائفي أو عرقي يكون أمرًا سيئًا ويؤسس لحروب لا تنتهي.
 
ما يراه البعض بأنَّ الربيع العربي اندلع بتآمر غربي ضمن مخطط التقسيم علَّقت عليه التريكي بالقول: "هذا كلام فارغ.. أسطوانات القومية الممجوجة.. ماذا فعلت الأنظمة الأنظمة العربية في هذه البلدان الشاسعة؟.. دول فاشلة بل أشباه دول.. لا سياسة ولا اقتصاد ولا تنمية".

 

فرِّق تسد

 
خبير العلاقات الدولية الدكتور سعيد اللاوندي قال إنَّ التقارير عن مخطط أمريكي لتقسيم الدول العربي ليس جديدًا، لافتًا إلى أنَّ واشنطن لا تسعى فقط إلى تقسيم ليبيا لكنها تسعى إلى فعل ذلك مع أغلب الدول العربية ومن بينها مصر والسعودية.
 
وأضاف لـ"مصر العربية": "الغرب يضع خطةً لتقسيم الدول العربية من منطلق فرِّق تسد، وهذا يذكرنا باتفاقية سايكس بيكو التي قسَّمت دول المنطقة".
 
ربط اللاوندي بين مخطط التقسيم والضربة الأمريكية في سوريا، فقال: "ترامب بدأ سريعًا في التعامل مع المنطقة بتهور، والضربة العسكرية ضد مواقع النظام السوري ليست إلا بدايةً لضربات أخرى وتدخلات أقوى في دول المنطقة، والدور على السعودية".
 
الربيع العربي يرى اللاوندي أنَّ الغرب استخدمه فرصةً للمضي قدمًا في تنفيذ مخططه، مشيرًا - في الوقت نفسه - إلى أنَّ الولايات المتحدة نالت دعمًا من قادة ومسؤولين عرب من أجل هذا المخطط بعد اندلاع الثورات.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان