لم يعد مبلغ 1700 شيكل (480 دولار)، الذي كان ينفقه الموظف خليل حسونة من مدينة الخليل الفلسطينية، على عائلته، لشراء السلع الأساسية لمنزله قبل 10 أعوام، كافياً اليوم لشراء نفس السلع في تلك الفترة، لأن قيمتها الشرائية ارتفعت اليوم إلى نحو 2400 شيكل (680 دولار).
ويمثل الموظف حسونة، نموذجًا لمئات الآلاف من الموظفين والعاملين في الأراضي الفلسطينية، الذين أصابتهم حمى مؤشرات غلاء المعيشة، ممثلة بارتفاع أسعار السلع الأساسية، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، خلال الفترة بين 2004 وحتى نهاية أكتوبر الماضي.
ووفقاً لأرقام صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني اليوم فقد ارتفعت مؤشرات التضخم في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، بنسبة وصلت إلى 41٪، أي أن ما يشتريه المواطن من سلع قبل 10 أعوام بقيمة 100 دولار، فإنه اليوم بحاجة إلى 141 دولار لشرائها.
ويجد أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، نافذ أبو بكر، أن الأرقام الحقيقية أعلى من تلك المدرجة في تقرير الإحصاء الفلسطيني، "لأنهم يأخذون أسعار بعض السلع الكمالية والتي تشهد تراجعًا مستمًرا في أسعارها كالأجهزة الكهربائية والخليوية".
وأضاف، أن غلاء الأسعار في سلة السلع الأساسية، أعلى من 41٪، خاصة تلك التي تمثل سلة الأغذية، والتي تكلف المواطنين 40٪ من مصروفاتهم الشهرية.
وبالانتقال إلى نسبة مؤشرات غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، فقد بلغت في القطاع خلال السنوات العشر الماضية، نحو 33.2٪، بينما بلغت في الضفة قرابة 45.1٪، وفي القدس نحو 44.7٪.
وعلى الرغم من رفض أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح، تقسيم الضفة والقطاع من حيث ربط المبالغ بغلاء المعيشة، إلا أن تفاوتاً في هذه المؤشرات يصل إلى 11٪ بين الجهتين، خلال نفس الفترة.
ويعود السبب في هذا التفاوت، إلى ظهور اقتصاد الأنفاق، والاعتماد على مصر كمصدِّر للسلع الأساسية، والتي تتمتع أسعارها بنسبة أقل كثيراً عن تلك المستوردة عبر إسرائيل، خاصة المحروقات، والسجائر والغذاء.
وفي الوقت الذي بلغ فيه سعر ليتر البنزين في الضفة الغربية نحو 8 شيكل (2.1 دولار) قبل شهور، فإنه لم يتجاوز 3 شيكل (80 سنتاً) في قطاع غزة، بسبب استيراده من مصر عبر الأنفاق، وكذلك ينطبق الأمر على الغذاء الذي يشكل 40٪ من سلة مشتريات الفلسطيني بحسب الإحصاء.
أما إسرائيل، التي ترتبط معها الضفة الغربية في غلاف جمركي واحد، إلا أن مؤشرات غلاء المعيشة ليست متشابهة بينهما، بحسب أبو بكر، لأسباب عديدة، "أولها أن مؤشرات غلاء المعيشة في إسرائيل مرتبطة مع مستوى الدخل الشهري".
وأشار إلى أن السبب الثاني، يعود لعدم وجود عملة موحدة في السوق الفلسطينية، وبالتالي فإن تراجع قيمة العملات يؤدي إلى ارتفاع قيمة الواردات، وبالتالي ينتقل ارتفاع الأسعار إلى المستهلك.
يذكر أن السوق الفلسطينية تعمل في وجود ثلاث عملات رئيسية، وهي الشيكل، والدينار الأردني، والدولار الأمريكي، ففي حين تصرف غالبية رواتب الفلسطينيين بالشيكل، ومشترياتهم الرئيسية تتم بالعملة الإسرائيلية، فإن مبيعات العقار والسيارات تتم في الغالب بعملة الدولار، بينما تتم مبيعات الذهب بالدينار الأردني.
أما السبب الثالث بحسب أبو بكر، هو انخفاض متوسط الدخل القومي الفلسطيني من الناتج المحلي، والبالغ 2093 دولار بحسب تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الصادر خلال شهر سبتمبر أيلول الماضي، مقارنة بأكثر من 32.5 ألف دولار للإسرائيلي.
وكان الإحصاء الفلسطيني، قد نشر نهاية الأسبوع الماضي، تقريراً حول أسعار المستهلك في الأراضي الفلسطينية خلال شهر أكتوبر تشرين أول الماضي، والذي أظهر ارتفاعاً بنسبة 0.82٪ مقارنة مع سبتمبر أيلول الفائت، لأسباب تعود إلى ارتفاع أسعار الخضار الطازح بنسب 21.6٪، وأسعار الخضروات المجففة بنسبة 11.22%، وأسعار الفواكه الطازجة بنسبة 2.68%، وأسعار البيض بنسبة 2.05%، وأسعار الدرنيات بنسبة 1.44%، وأسعار الزيوت النباتية بنسبة 1.18%، وأسعار الغاز بنسبة 0.73%.
في المقابل، ارتفعت مؤشرات أسعار المستهلك في إسرائيل خلال نفس الفترة بنسبة 0.3٪، ناتجة عن ارتفاع الطماطم بنسة 64٪، وارتفاع الملابس والأحذية بنسبة 6.4٪، والمحروقات بنسبة 0.1٪.
وبالعودة إلى الموظف خليل، فإنه يحارب اليوم تحت مظلة نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، التي تضم نحو 70 ألف موظف حكومي، منذ شهور، للحصول على علاوة غلاء المعيشة، البالغة 2.78٪ من الراتب الأساسي لكل موظف.
يذكر أن العلاوة الرسمية بحسب الدراسات الدولية، تبلغ 5٪ سنوياً، والتي تربط مؤشرات غلاء الأسعار وسلطة الغذاء العالمية، مع الراتب الأساسي للموظفين.