رئيس التحرير: عادل صبري 02:14 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

خبراء: «التوكتوك» اغتال «الصنعة» .. والبيروقراطية تقتل المشروعات الصغيرة

خبراء: «التوكتوك» اغتال «الصنعة» .. والبيروقراطية تقتل المشروعات الصغيرة

السيد عبد الرازق 04 مارس 2019 10:20

تعاني الورش والحرف في مصر من هجرة "الصنايعية" و"الصبيان" من العمل والتعلم بالورش، نتيجة تفضيل العمال والنشء لقيادة التوكتوك والسعي نحو الربح السريع، بدلًا من العمل في المهن اليدوية الشاقة.

واعتبر اقتصاديون أنَّ قطاع المشروعات الصغيرة يواجه الكثير من التحديات أهمها التدريب وتوفير المعلومات والبعد عن البيروقراطية الحكومية في التمويل فضلًا عن اتجاه الكثيرين إلى المكسب السريع عبر التوكتوك وغيره دون الاتجاه كما كان الحال سابقًا نحو الصنعة. 

 

وأمس الأحد، قال البنك الدولي إن مصر متأخرة بالمقارنة مع البلدان النامية الأخرى من حيث عدد مشروعات الأعمال المتوسطة والصغيرة.

 

وأوضح البنك الدولي، في تقرير له، أن عدد المشروعات الصغيرة لكل ألف من السكان في مصر يبلغ 0.6، وهذا الرقم أقل كثيرًا من نظيره في بلدان عربية أخرى، مثل لبنان "7.3 " والأردن "4.2" والمغرب "0.9" وبلدان نامية أخرى مثل ماليزيا "9.7" والفلبين "8.6" والبرازيل "5.2" وشيلي "4.3".

ووفق تقرير سابق للبنك الدولي عن ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2017، تشمل التحديات الرئيسية التي تعوق نمو منشآت الأعمال المتوسطة والصغيرة الصعوبات في الحصول على الائتمان، وطول الإجراءات اللازمة لتأسيس الشركات وتعقيدها، ونقص الدعم الفني والمالي.

 

وتعتمد جميع اقتصادات العالم اعتمادا كبيرا على هذا النوع من المشاريع، إلا أن الواضح أن الحكومة تدعم المشروعات الكبيرة على حساب الصغيرة، رغم الدور الكبير الذي تلعبه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في امتصاص معدلات البطالة ورفع معدلات النمو.

 

واعتبروا أن المشروعات الصغيرة لايزال ينقصها الكثير لعدم وجود معلومة واضحة أو إحصائيات سليمة يتم من خلالها توجيه الشباب أو العاملين بالقطاع، وعدم وجود منظومة متكاملة في مصر تخص المشروعات الصغيرة تتولي حل أزمات المشروعات الصغيرة.

 

معوقات كثيرة

 

الباحث الاقتصادي، السيد صالح، قال: إنه لا يوجد منظومة متكاملة في مصر تخص المشروعات الصغيرة، هي مجرد أجزاء من المنظومة كل وزارة بها جزء.

 

وأكد على ضرورة عمل هيئة تكون منوطة بكل مشاكل المشروعات الصغيرة وكل ما يتعلق بها لأنها الحل الوحيد للنهوض بالقطاع، وإذا توافرت السبل للنجاح لن يتجه أصحاب الورش لغلقها ومن ثم شراء سيارة أو توكتوك للعمل عليها.

 

وأشار إلى أن المستثمر يواجه كثيرا من المعوقات أولها هي الإجراءات البشعة والعقيمة التي يواجهها المستثمر ولن يستطيع قانون الاستثمار القضاء عليها بدون رغبة حقيقية حكومية للتخلص من البيروقراطية.

 

 وأكد على ضرورة وجود إطار قانوني واقتصادي يشجع ويحفز على إقامة مثل هذه المشروعات وعدم تعثر القائمين عليها وتعرضها لمشكلات تمويلية أو إدارية أو تسويقية أو فنية.

 

وأشار إلى أن الهند خصصت هيئة تتولى أمر المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما ساعد على النهوض بالدولة في فترة بسيطة.

 

التوكتوك

 

فيما اعتبرت علا خاطر، باحثة في علم الاجتماع، أن الثقافة المصرية تلعب دورا كبيرا في فشل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

 

وأوضحت أنه على العكس من أوروبا التي يفخر فيها المهندس بورشة صغيرة تكون ملكًا له أفضل من شركة يعمل بها موظفا لدى الغير فيما يتجه المصريون إلى المكسب السريع عبر التوكتوك الذي سيكون سببا لضياع أجيال كاملة.

 

وتشير إلى أن غالبية أثرياء العالم لم يولدوا لديهم ثروة ورثوها عن أجدادهم بل إنهم بدأوا بمهن صغيرة درت عليهم دخلا فتضاعفت ثرواتهم وتحولت ورشهم إلى مصانع ومن ثم شركات.

 

وبينت أن الحكومة عليها دور كبير في توعية المواطن وأن تقدم له دراسات جدوى وتضمن له بيع منتجه وتساعده في تسويقه وتطمأنه بأن مصيره لن يكون السجن حال الخسارة التي تجعل الكثيرون يحجمون عن المغامرة وسحب قروض.

 

الحرفة انقرضت

 

حسين كمال، صاحب ورشة حدادة، يقول إن الحرفة بدأت تنقرض كلما اختفت الناس القديمة.

 

ويشير إلى أن الصنعة لا يأتي أحد ليتعلمها بسبب سيطرة التوك توك على عقول الشباب والاطفال، بمنطق أنه يوفر لهم دخل أكثر من الحرفة التي  تبدوا لهم شاقة دون عائد كبير.

 

ويضيف: "عندما يأتى أحد ليتعلم لا يستمر طويلا والأجر في الصنعة لم يعد يكفي لمتطلبات الحياة، لافتا إلى أن سائقى التوك توك أصبحت أجورهم أعلى من أجور أصحاب الورش.

 

أمريكا نموذجا

 

رغم أن الاقتصاد الأمريكي هو أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم، إلا أن تجربته بالمشاريع الصغيرة تعطي دروسًا مهمة للدول التي تسعى لجعل قطاع المشروعات الصغيرة هو المحرَّك لاقتصادياتها.

 

إذ قدمت الدولة نموذجًا مهمًا في حماية هذه المشروعات ومساندتها حتى تتخطَّى كل العقبات التمويلية والتسويقية، حيث أصدرت في عام 1953 قانونًا خاصًا تؤكد به دورها في الحفاظ على تكافؤ الفرص عن طريق حماية مصالح المشروعات الصغيرة، كما تمَّ تخصيص وكالة فيدرالية لمساعدة هذه المشروعات تحت اسم «إس بي إيه».

 

واستفادت حوالي 20 مليون منشأة صغيرة خلال 50 عامًا من دعم «إس بي إيه»، وساهمت في انتقال عدد من المشروعات الصغيرة إلى شركات كبرى مثلما حدث لشركات «آبل»، و«إنتل»، و«فيدرال إكسبريس»، و«كومباك»، و«أمريكا أون لاين».

 

فيما تمكنت الوكالة خلال عقد التسعينيات من رفع معدل النموّ السنوي للمشروعات الصغيرة إلى 3.8%، ووصل عدد المشروعات إلى أكثر من 22 مليون مشروع غير زراعي، وتقوم بتوظيف حوالي 53% من القوى العاملة، كما تحقق 47% من المبيعات الكلية للولايات المتحدة، مساهمة بنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، تاركة النصف الآخر للمشروعات الكبيرة.

 

ولعبت «إس بي إيه» أيضا دورًا في دعم المشروعات، من خلال توفير متطوع أو مرشد من ذوي الخبرة لكلِّ مشروعٍ صغير، إذ تملك الوكالة ما يقرب من 13 ألف متطوع في مختلف المجالات الاقتصادية، كما تنظِّم آلاف الندوات لرؤساء الشركات الصغيرة الحاليين أو المرشحين لهذا المنصب، بالإضافة إلى إنشاء مركز لتنمية المشروعات الصغيرة بالتعاون مع الجامعات، والقطاع الخاص، والحكومات المحلية. كذلك توفر الوكالة الفيدرالية جميع المعلومات اللازمة للمشروعات الصغيرة، عن طريق مراكز معلومات توفر برامج كمبيوتر خاصة بإدارة الشركات، وقواعد بيانات عن أنواع المشاريع.

 

لم يتوقف دور الـ «إس بي إيه» عند التدريب وتوفير المعلومات فقط، بل إنها لعبت دورًا مهمًا في عملية تمويل المشروعات الصغيرة، وذلك إما من خلال أن تكون الضامن للقرض الذي يحصل عليه مشروع معين، لا سيَّما مع صعوبة حصول مشروع صغير على قرض دون ضمان، وإما عن طريق منح قروض مباشرة للمشروعات الصغيرة، خاصةً تلك التي يديرها النساء، كما يتم التمويل المباشر لمشروعات في مناطق تعاني من مشكلات اقتصادية، أو كوارث طبيعية.

 

وفي نقطة ربما تكون هي أكثر ما يميز التجربة الأمريكية، تدخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية كأحد المشترين لمنتجات هذه المشروعات، دعمًا لها، وذلك وفقًا لاتفاق مع «إس بي إيه»، فيما يخضع هذا الاتفاق الذي تنفذه الإدارات الأمريكية المختلفة لمراقبة من الكونجرس، لا سيما أن بعض الإدارات تتخطَّى أحيانًا الاتفاق بإتاحة أكثر من 20% من أسواقها للمشروعات الصغيرة، ولدى «إس بي إيه» مكتب يتعامل مع الإدارات الأمريكية المختلفة للدفاع عن مصالح المشروعات الصغيرة، ويخضع لرقابة الكونجرس.

 

كما يعد المكتب تقريرًا سنويًّا حول أوضاع المشروعات الصغيرة في الولايات المتحدة، ونصائح لتحسين المناخ القانوني، والضريبي لهذه المشروعات وتخفيف القيود الإدارية عليها.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان