في الوقت الذي تكثر فيه التقارير عن التراجع الاقتصادي الكبير في تونس، جاء الإعلان عن ارتفاع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي بنسبة 28.6% على أساس سنوي، ليبعث بموجة تفاؤل في الفترة القريبة.
وأفادت بيانات رسمية صادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي "حكومية"، بأنّ الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 2,742 مليار دينار "923 مليون دولار" في 2018، مقابل 2,131 مليار دينار "717 مليون دولار" في 2017.
كذلك، نمت الاستثمارات الخارجية "استثمار أجنبي مباشر مع استثمار المحافظ" بنسبة 27,5% في 2018، إلى 2,866 مليار دينار "965 مليون دولار".
وخلال العامين الماضيين، نفّذت الحكومة حزمة إجراءات هدفت إلى تحفيز الاستثمارات الأجنبية، مرتبطة بتسهيلات التسجيل والملكية الفكرية، وحوافز ضريبية.
وذهب النصيب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للقطاع الصناعي، بقيمة 1,129 مليار دينار "380 مليون دولار"، يليه قطاع الطاقة بـ910 ملايين دينار "306 ملايين دولار".
ووفق وثيقة الميزان الاقتصادي 2019، توقعت الحكومة بلوغ الاستثمارات الأجنبية المباشرة 2,5 مليار دينار "841 مليون دولار" في 2018، و3,23 مليارات دينار "1,087 مليار دولار" في 2019.
وبحسب الوثيقة، تتوقع الحكومة تسجيل نمو اقتصادي بـ3,1% في 2019، مقابل 2,6% متوقعة في 2018.
ورغم هذه النظرة التفاؤلية التي أعلنتها الحكومة، لكن يُنظر على صعيد واسع إلى الاقتصاد التونسي بأنّه لم يحقّق نجاحًا كبيرًا، رغم نجاح البلاد بشكل ما في تحقيق نجاح على الصعيد السياسي على الأقل مقارنةً بدول أخرى شهدت وقف قطار الربيع العربي في محطتها.
ويقول وزير التجارة التونسي السابق محسن حسن - في تعليقه على ذلك: "بقدر ما أنّ الثورة التونسية عام 2011 نجحت على المسار السياسي، إلا أن الوضع الاقتصادي في تدهور مستمر".
ويضيف في حوارٍ مع وكالة "الأناضول": "الوضع السياسي الحالي لا يسمح بالتقدم في الإصلاحات المطلوبة.. الخروج من الأزمة الاقتصادية يقتضي القيام بالإصلاحات.. لن نتمكن من تحقيق المطلوب إلا إذا سرعنا من نسق هذه الإصلاحات الضرورية".
وتعيش تونس منذ ثورة الياسمين، تراجعًا في نسب النمو اقترب من الصفر، قبل أن يصعد بمتوسط 2.1% خلال العامين الماضيين، لكنه يبقى أقل من نسب النمو المسجلة قبل الثورة البالغة 5%، إلا أنّ الوزير السابق بدا متشائمًا من تحقيق قفزة اقتصادية في الظروف السياسية الحالية التي تتميز بالتجاذبات بين السياسيين، وكذلك بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة تشغيلية).
ويُعد عجز الميزان التجاري التونسي أحد الأسباب الرئيسة لهبوط العملة المحلية لتونس، إضافة إلى تباطؤ نمو الاستثمارات الأجنبية، وصعود نسب التضخم لمستويات مرتفعة تجاوزت 7.4% في 2018.
وبحسب بيانات رسمية صدرت خلال شهر يناير الجاري، بلغ العجز التجاري لتونس خلال 2018، رقمًّا قياسيًّا عند 19.04 مليار دينار (6.45 مليارات دولار)، مقابل 15.59 مليار دينار (5.28 مليارات دولار) في 2017.
لكنّ توقعات صدرت عن البنك الدولي أحدثت نوعًا من التقاؤل، إذ توقع أن يحقق الاقتصاد التونسي نموًا في حدود 2,9% خلال السنة الحالية، على أن ترتفع هذه النسبة بصفة تدريجية لتصل إلى 3,4% خلال سنة 2020، وتحقق نسبة 3,6% خلال سنة 2021.
واعتمد البنك في توقعاته، على تحسُّن النمو على الرؤى المتفائلة، بما ستفرزه الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تنفذها السلطات التونسية في الوقت الراهن من نتائج، وكذلك بالاستناد إلى تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية؛ وبخاصةً بالنسبة للقطاع السياحي وانتعاش الصادرات.
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، تطمح السلطات التونسية إلى بلوغ نسبة نمو في حدود 3,1%، وذلك وفق ما تضمنته ميزانية تونس للسنة الحالية، غير أنّ الوكالة الدولية للتصنيف "موديز" توقعت من جانبها أن يحقق الاقتصاد التونسي نسبة نمو لا تتعدى حدود 3%، وهي نسبة تتوافق فيها مع تقديرات وكالة "فيتش رايتيج".
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي والمالي التونسي عز الدين سعيدان قوله إنّ تحقيق معدلات النمو التي تتوقعها الحكومة يتطلب تعميق الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنت عنها، بالتوافق مع المؤسسات المالية الدولية، وتحديدًا تخفيض نسبة الدين إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي، والحد من عجز الميزانية ليبلغ نسبة 3.9%، عوضًا عن 4,9% خلال السنة الماضية.
وأشار سعيدان إلى مجموعة من العوائق التي تعترض الإصلاحات الاقتصادية الكبرى في تونس، بينها ارتفاع نفقات الأجور لأكثر من 14% من الناتج، في حين أنّ صندوق النقد الدولي يشترط نسبة لا تزيد عن 12%، لمواصلة إسناد أقساط من القرض المتفق بشأنه، كما أنّ مشكلات دعم المواد الاستهلاكية وضرورة توجيهها لمستحقيها تبقى من بين الملفات التي قد تحد من طموح السلطات التونسية.