رئيس التحرير: عادل صبري 11:01 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

80 سنة من الشراكة السعودية الأمريكية مهددة بـ "فقدان الثقة"

7 آلاف شركة أمريكية تستثمر بالمملكة..

80 سنة من الشراكة السعودية الأمريكية مهددة بـ "فقدان الثقة"

حركة التجارة بين البلدين تجاوزت 70 مليار دولار سنويا

الأناضول / تحليل : عدنان كريمة 27 أكتوبر 2013 11:14

بدأت العلاقات السعودية الأمريكية تعيش فترة قلق وعدم طمأنينة، وفقدان الثقة، تعكسها على الاقل من العاصمة الرياض، رغبة في الحد من تعاونها مع واشنطن، بسبب مواقف الإدارة الأمريكية المترددة والمتعارضة احيانا مع المصالح المشتركة، خصوصاً لجهة التخاذل الأمريكي أمام المذابح التي يتعرض لها الشعب السوري من قبل نظام بشار الأسد بمشاركة علنية وميدانية من إيران وحزب الله اللبناني.

 

وأصبحت السعودية تنظر بريبة بالغة الى التقارب المرتقب بين الولايات المتحدة وإيران، بشكل يخشى معه السعوديون ان ينجذب الرئيس الاميركي باراك أوباما الى تحسين العلاقات مع طهران من خلال ابرام صفقة تسمح بتوسيع تفتيش مواقعها النووية، مقابل السماح لحلفائها في المضي قدماً في الهيمنة على دول عربية (سوريا والعراق و لبنان).

 

وجاء التطور الأخير بعد 80 سنة من "الشراكة الاستراتيجية" بين الرياض وواشنطن شملت الامن والسياسة والمال والنفط والاقتصاد وكل نواحي الحياة الانسانية والثقافية بمختلف وجوهها، وتوجت بسلسلة انجازات حققت مصالح اقليمية ودولية وبشكل متفاوت، فضلاً عن حركة استثمارية وتجارية بلغت مئات المليارات من الدولارات.

 

وعلى الرغم من شعور المملكة العربية السعودية بخاصة، ودول مجلس التعاون الخليجي بعامة في العام الماضي، بتراجع منطقة الخليج والشرق الاوسط عموماً في اولويات إدارة أوباما الثانية على نحو ما كشفت عنه الوثيقة الأمريكية التي نشرت في العام 2012، والتي برز فيها انتقال الاولوية الى حوض الباسيفيك، فان تطور الحرب السورية وتقدم المعارضة واعتراف اكثر من 120 دولة في العالم بها، وبينها معظم الدول العربية، ومنحها مقعد سوريا في مجلس الجامعة العربية، فضلاً عن مطالبة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، وغيرها من الدول الحليفة والصديقة، برحيل الاسد وقيام حكومة انتقالية مؤقتة، كلها عوامل مؤثرة وفاعلة، جعلت ايران تواجه التحدي الاكبر في خسارة الحليف السوري، نتيجة ضعف "رسالتها الثورية" وتراجع نفوذها في المنطقة، حتى وجدت طهران نفسها في موقف رد الفعل تجاه الاحداث بدلاً من توجيهها، وبالتالي لم تتحقق رؤيتها في ولادة "شرق اوسط اسلامي" على انقاض الانظمة التي سقطت في الربيع "العربي".

 

وبدلاً من ان تستكمل هذه التطورات بضربة عسكرية أمريكية لسوريا، بعد استخدام السلاح الكيمياوي ضد الشعب السوري وقتل اكثر من 1500 مواطن ، جاءت الصفقة الأمريكية الروسية التي قلبت الموازين، حتى إن إدارة أوباما التي "هرولت" بسرعة نحو التقارب مع ايران، فشلت في خطتها التي كانت تهدف الى استخدام "الازمة السورية" لتدجين القوة الايرانية.

 

 وفي المقابل نجحت طهران في الحفاظ على قوتها، بل وتعزيزها عن طريق تمسكها بنظام دمشق، ومشاركة قوة الاسد في قتل الشعب السوري.

 

ويبدو أن أكثر ما أثار احتجاج الرياض هو موقف إدارة أوباما باختزال الأزمة السورية في موضوع السلاح الكيماوي، وتجاهل أبعادها ومخاطرها الأخرى في الشام والجزيرة العربية، وتأثير ذلك على المصالح السعودية في هذا السياق، خصوصاً ان إدارة أوباما لم تعط أهمية للأزمة السورية ولا لمنطقة الشام إلا من زاوية واحدة وهي الأمن الإسرائيلي، ولهذا اكتفت بتسليم النظام السوري لسلاحه الكيماوي.

 

 والاسوأ من ذلك ان السعوديين لاحظوا أن هذه الإدارة تستخدم الأزمة السورية كورقة تفاوضية في محاولتها التفاهم مع إيران، وإعادة صوغ علاقة واشنطن معها بمعزل عن اهتمامات العالم العربي، وتحديداً بمعزل عن العلاقة مع المملكة السعودية.

 

وفي هذا المجال، لا تنكر السعودية ضرورة التفاهم مع إيران، لكنها ترى أن التفاهم يجب أن يأتي عقب حل الأزمة السورية وليس قبلها.

 

من جانبها، ترى واشنطن أن هذا التفاهم يجب أن يتوازى مع هذا الحل.

 

والفرق بين الموقفين واضح، وأسبقية الحل في هذه الحالة يحرم طهران من أوراق ليست من حقها أصلاً، وبالتالي يسمح بأن تعود سورية إلى محيطها العربي وأن تخرج من مأزق أنها تحولت مع الوقت إلى ورقة إيرانية على حساب دول الإقليم. وفي المقابل، يحقق توازي التفاهم مع الحل عكس ذلك تماماً.

 

ولكن السؤال المطروح هو : ما هو تأثير كل هذه التطورات على المصالح الاقتصادية خصوصاً في حال اقدمت السعودية على تقليص تعاونها مع الولايات المتحدة خاصة التعاون الاقتصادي والنفطى حيث تمد الرياض واشنطن بالنفط ؟.

 

سندات الخزانة

 

في خضم ازمة الديون المالية التي تعرضت لها الولايات المتحدة اخيراً، برزت اهمية الدين الخارجي والذي يقدر بـ 9.7 تريليونات دولار، مقابل 4.6 تريليونات للدين الداخلي، وقد ابدت الصين وهي اكبر دائن للخزانة الأمريكية وتصل حصتها الى نحو 1.3 تريليون دولار، قلقها البالغ من تداعيات الازمة التي قد تصيب الاسواق العالمية في حال تعثر واشنطن عن السداد، خصوصاً وان النمو الصيني يعتمد بشكل كبير على الصادرات والاستثمارات الاجنبية، واطلق المسؤولون الصينيون في هذا المجال سلسلة تحذيرات.

 

 وابلغ رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانج وزير الخارجية الاميركي جون كيري انه كان قلقاً للغاية بشأن احتمالية تعسر الوفاء بالدين، وحذر نائب محافظ البنك المركزي الصيني يي جانج بضرورة حل المشكلة في اقرب وقت ممكن، ودعت وكالة الانباء الرسمية التي تديرها الحكومة الصينية الى "البدء في دراسة تأسيس عالم غير متأمرك".

 

ولاحظ المراقبون ان التصريحات الصينية كانت عنيفة على غير عادة الصينيين، وهي توضح ان الازمات المتكررة التي كان يمكن تفاديها باتت تهدد المكانة المتميزة للولايات المتحدة بصفتها مصدر احتياطي العملة الرئيسي في العالم، والدولة التي لديها (حتى الآن) ديون خالية من المخاطر.

 

وعلى الرغم من انه يستبعد في الوقت الحاضر ان تثير الصين كارثة مالية دولية مفاجئة من خلال بيع سندات الخزانة الأمريكية (على سبيل المثال) والديون الحكومية الاخرى، فان مسألة الازمات المتكررة والتأجيلات المؤقتة لن تؤدي الا الى زيادة اصرار الحكومة الصينية على تنويع ارصدتها بعيداً عن الاصول المقومة بالدولار.

 

وعلاوة على ذلك، فان هذه الازمات توفر الدعم للمؤيدين من داخل الحكومة الصينية لزيادة الدور الذي تلعبه عملة "الرنمينبي" في الاسواق الدولية، وسيؤدي كلا الاتجاهين الى اضعاف قدرة الولايات المتحدة على اصدار دين بأسعار فائدة منخفضة للغاية، مع تسريع صعود عملة الصين.

 

 

قلق سعودي

 

اما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد كانت ردود الفعل متفاوتة تجاه أزمة الميزانية الأمريكية الأخيرة ، حيث عبرت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) واحد اكبر حاملي سندات الخزانة الأمريكية حيث تمتلك اصولاً قيمتها 690 مليار دولار معظمها في سندات أمريكية، عن عدم شعورها بالقلق ازاء الازمة الاقتصادية في واشنطن، واجاب محافظ المؤسسة السعودية فهد المبارك لدى سؤاله عما اذا كان قلقاً جراء الازمة وتأثيرها في السعودية، قائلاً:" لا .. فقد تعرضوا لهذا الموقف من قبل وتغلبوا عليه".

 

ولكن بعض الاقتصاديين السعوديين، اكدوا ان ازمة الدين الاميركي ستؤثر على اقتصاديات العالم بشكل عام والمملكة بشكل خاص، لارتباطها بالدولار من حيث التبادلات التجارية والاحتياطات المالية والاستثمارات بمختلف انواعها، وبما ان معظم الاستثمارات السعودية مقومة بالدولار، فان المملكة تكون اكثر المتضررين، حيث ستفقد جزءا من قيمتها الحقيقية. وتستثمر السعودية، أكبر اقتصاد عربي في الشرق الأوسط، 73% من احتياطاتها الأجنبية في الخارج، البالغة 700 مليار دولار، في أوراق مالية ،وتعادل هذه النسبة 512 مليار دولار.

 

ونفى فريق من الخبراء القول من أن الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية غير مقلق، مؤكداً ان الاستثمار فيها بات مرتفع المخاطر مع امكانية تعثر الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها مستقبلاً، واذا كان البعض يعتقد انها غير مقلقة، الا انها تدق ناقوس الخطر لجميع المستثمرين الاجانب في هذه السندات، ويدعم ذلك تقارير البنك الدولي وشركات الاستثمار المتخصصة في الولايات المتحدة.

 

وتعتبر السندات إحدى أهم وسائل التمويل المالي المتاحة للشركات والحكومات، التي عن طريقها تستطيع هذه الجهات الحصول على رأس المال اللازم للنمو والتطوير والمنافسة. فبالنسبة للحكومات فهي تلجأ إلى السندات لتغطية ما عليها من ديون قصيرة الأجل أو لتنفيذ ما لديها من مشاريع تنموية.

 

 ولأن الحكومات لا تستطيع إصدار أسهم لرفع رأس مالها - كما تفعل الشركات - فإن خيار السندات دائما هو المفضل لدى الحكومات.

 

علاوة على ذلك وبسبب قوة الحكومات ككيان سياسي واقتصادي يمكن الاعتماد عليه، فإنها تستطيع عادة أن تصدر سندات بتكلفة أقل من التكلفة التي تدفعها الشركات.

 

 وطبيعي أنه كلما قل عامل المخاطرة في الاستثمار قل العائد الممكن من الاستثمار. والسبب الآخر لقبول السندات الحكومية وقوة شعبيتها يعود لميزتها الضريبية في الدول التي تفرض ضرائب على دخل المواطن، حيث إنه في كثير من الأحيان لا يقوم المستثمر بدفع ضرائب على أرباحه المتحققة من الاستثمار في السندات الحكومية.

 

وهناك مسميات معينة للسندات التي تصدرها الحكومة الأمريكية، تأتي حسب فترة الاستحقاق الخاصة بكل نوع.

 

فإذا كانت السندات مستحقة خلال عام واحد من تاريخ إصدارها، تسمى أذونات الخزينة، وإذا كانت المدة بين عام واحد إلى عشرة أعوام، تسمى أوراق الخزينة، وإذا كانت مدتها أكثر من 10 سنوات فإنها تسمى سندات الخزينة.

 

وبالإمكان شراء السندات الحكومية مباشرة عن طريق وزارة المالية الأمريكية أو عن طريق الإنترنت، دون دفع عمولة لأي وسيط.

 

ومع تأكيد القلق السعودي، وفي حال اقدام المملكة على الحد من تعاونها مع الولايات المتحدة، فان السؤال المطروح هو : هل تبيع جزءاً من سندات الخزينة التي تملكها؟.. وما هو تأثير ذلك على مصداقية اميركا المالية في الاسواق العالمية؟..

 

ويزداد القلق، مع اقتراب انتهاء فترة الحل المؤقت للازمة الأمريكية في السابع من شباط (فبراير) 2014، لا سيما بعدما ارتفع السقف القانوني المحدد بـ 16.7 تريليون دولار، متجاوزاً الـ 17 تريليوناً بعد ايام قليلة من اعلان الاتفاق بين الجمهوريين والديموقراطيين في الكونجرس على هذا الحل.

 

الاستثمارات التجارية

 

بعيداً عن الاجابة على هذا السؤال الصعب، وهو امر مرتبط بسياسة المملكة الاقتصادية وعلاقاتها الدولية، فضلاً عن مصلحة استثماراتها الداخلية والخارجية.

 

واضافة الى استثمارات المملكة في سندات الخزانة الأمريكية، هناك مبالغ ضخمة من الاستثمارات التجارية القائمة بين البلدين والتي تراكمت على مدى فترة 80 سنة من الشراكة الاستراتيجية.

 

ويستدل من الاحصاءات الصادرة من البلدين ان حجم التبادل التجاري بينهما وصل الى 70 مليار دولار سنوياً منها نحو 20 مليار دولار قيمة واردات المملكة من الولايات المتحدة، مقابل نحو 50 ملياراً لصادراتها اليها، وبذلك يسجل الميزان التجاري فائضاً كبيراً بحجم 30 مليار دولار لصالح السعودية، نتيجة صادراتها من النفط الى اميركا.

 

أما بالنسبة لحركة الاستثمارات بين البلدين، فهي تقدر بنحو 23 مليار دولار، موزعة بين 10 مليارات استثمارات أمريكية في السعودية، مقابل 13 مليار دولار قيمة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، وقد سجلت نمواً بنسبة 10.25% سنوياً خلال السنوات الاربع الاخيرة، مع العلم ان المملكة تعد الدولة رقم 24 في ترتيبها لاكبر الدول المستثمرة في اميركا.

 

في المقابل هناك نحو 7 آلاف شركة أمريكية موجودة في السعودية من خلال الملكية او المشاريع المشتركة، اضافة الى آلاف الشركات التي تعمل في قطاعات مختلفة مثل الغاز والبتروكيماويات، تم استدعاؤها للعمل من قبل الحكومة السعودية.

 

والسؤال المطروح الأن : ماذا سيكون مصير كل هذه الاستثمارات والشركات في حال قلصت السعودية تعاونها مع الولايات المتحدة؟.

 

 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان