رئيس التحرير: عادل صبري 11:23 مساءً | الخميس 18 أبريل 2024 م | 09 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الاتفاق الإيراني وروتينية التاريخ

الاتفاق الإيراني وروتينية التاريخ

متابعات

الاتفاق الإيراني وروتينية التاريخ

الاتفاق الإيراني وروتينية التاريخ

هل أدى سعي إدارة أوباما نحو البدايات الجديدة إلى إعماءها عن العداوات الدائمة؟

ليون ويزيلتير 01 أغسطس 2015 13:29

"قال الرئيس عدة مرات أنه مستعد للخروج عن روتينية التاريخ". هكذا وصف بن رودس، مستشار الأمن القومي، الذي اتخذ مبادرات جديدة على مر السنوات لتعزيز الأعذار الرئاسية، شجاعة باراك أوباما في تنفيذ "خطة العمل الشاملة المشتركة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، المعروفة باسم "الاتفاق الإيراني".

 

مجددا، كشف رودس، ربما عن غير قصد، فذلكة الرئيس بشكل أوضح مما يود الرئيس. "روتينية التاريخ"، إنه تعبير يستحق التأمل. حيث يعبر عن احتقار عميق للماضي، وحماسة للتجديد والقطيعة، وعجرفة تجاه الصراعات والإنجازات القديمة، وتسرع تجاه السوابق والظروف، وخرافة تجاه القوى السحرية للحاضر. كما يعبر عن رؤية جيلية للتاريخ من بين أكثرها سطحية ، كحال رؤية التاريخ عبر العقود والقرون.

 

يعتبر ذلك تطبيقا لعقلية التحرر على السياسة الخارجية. في مجال التكنولوجيا، يبرر الابتكار نفسه، ولكن في مجال الدبلوماسية والأمن، يجب تبرير الابتكار، فلا يمكن تبريره بالرغبة المجردة في التغيير. فالملل لا يعتبر مخالفا للتحالف المبدئي أو الاستراتيجية الكبرى.

 

واستمرارية السياسات في بعض الحالات – شبه الجزيرة الكورية، كإحدى أوضح الأمثلة – تمثل إنجازا هاما. ولكن بالنسبة للرئيس، حسبما يبدو، تلقي تقاليد جميع الأجيال القديمة بثقلها ككابوس على عقول الأحياء. بالتأكيد حدث ذلك في حالة كوبا، حيث كان الشعور بأنه قد حان الوقت للمضي قدما (وهو التعبير الألطف عن نفاذ الصبر والتقلب لدى أمريكا) قد حجب أي تردد بشأن الحرية السياسية كشرط للحركة، وكذلك في حالة إيران، حيث، حسبما يقر رودس، كان الرئيس متعبا من بقاء أمور على حالها، وكان يداوم التاريخ على هيئته الروتينية. ولكنه القرن الحادي والعشرين، إنه زمن البدايات الإنسانية الجديدة!

 

كان أرق أوباما بشأن السياسة الخارجية تجاه إيران واضحا قبل فترة طويلة من استحواذ التساؤل حول قدرات إيران النووية على عقول العالم. في خطابه الافتتاحي الأول، مد كما هو معروف يدا ممتدة مقابل قبضة مرتخية. يبدو أوباما معتقدا أن الولايات المتحدة تدين لإيران بتعويض ما. وقد شرح لتوماس فريدمان في اليوم التالي للتوصل للاتفاق، "أنه كان له نوع ما من المشاركة في الإطاحة بنظام منتخب ديمقراطيا في إيران" عام 1953.

 

باراك أوباما

 

ومنذ ست سنوات، عندما تفجرت انتفاضة ديمقراطية في شوارع إيران ووقف البيت الأبيض متفرجا أمام إسكات الحكومة لها بالقوة الوحشية ضد المواطنين العاديين، وحامت ذكريات محمد مصدق حول الإدارة، وكأنها توضح أن الولايات المتحدة كانت غير مؤهلة أخلاقيا، بسبب خطيئة تدخل سابقة، للتدخل بأي شكل لدعم المعارضين. لقد تغلب الشعور بالذنب بشأن عام 1953 على ما توجب فعله عام 2009. بينما ظلت القبضة الإيرانية، في الحدث، مرتخية. أو بأسلوب رودس، ظلت سياستنا تجاه إيران على روتينيتها.

 

ولكن من المهم إدراك أن الروتين – أو استمرار العلاقة العدائية بين إيران والولايات المتحدة – لم يكن مصيرا محتوما، أو حادث جمود تاريخي، أو فشل لتصور دبلوماسي. بل كان خيارا.

 

على الجانب الإيراني، كان الخيار قائما على تصور عالمي تم بناءه إلى حد كبير على فكرة معاداة أمريكا الحماسية اللاهوتية، وهي وجهة نظر مجازة ومعممة رسميا، حيث تعتبر أمريكا شيطانا.

 

وعلى الجانب الأمريكي، كان الخيار قائما على معارضة الاستبداد والإرهاب الذي تمثله الجمهورية الإسلامية وتنشره. صحيح أنه في السنوات السابقة على ثورة الخميني، تسامحت الولايات المتحدة تجاه انتهاكات شرسة لحقوق الإنسان في إيران، ولكن عداوتنا تجاه استبداد الموالي قد يعتبر تصحيحا أخلاقيا. (تصحيح يمثل نوعا مثيرا للإعجاب من النفاق).

 

كانت العلاقة العدائية بين أمريكا والنظام في طهران قائمة على حقيقة أنهم خصوم مناسبون. يجب أن نكون أعداء. ولكن أي نوع من الأشخاص، سواء أكانوا تعدديين، أو تحررين، أو محافظين، أو مؤمنين، أو غير مؤمنين، قد يرغب في مصادقة إيران بصورتها الحالية؟

 

عندما نتحدث عن دولة غير حرة، فإننا نقصد إما شعبها وإما نظامها. ولا يمكننا الإشارة إلى الاثنين في ذات الوقت، لأنهما ليسا على ذات الجانب. يحب أوباما أن يظن، عندما يتحدث عن إيران، أنه يتحدث عن شعبها، ولكن عمليا نجد أنه قد مد يده إلى نظامها.

 

ومع حديثه عن إعادة إدماج إيران في المجتمع الدولي، وعن تحول الجمهورية الإسلامية إلى "قوة إقليمية ناجحة للغاية" وما إلى ذلك، أعطى أوباما الشرعية لنظام كانت شرعيته في طريقها للزوال. (كان هناك أمر غريب بشأن الود، والصداقة الحميمة المرحة، بين المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين. لماذا يضحك محمد جواد ظريف؟)

 

ينص الاتفاق على أن الموقعين سيقدمون قرارا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "معربا عن رغبة في بناء علاقة جديدة مع إيران". ليست علاقة مع إيران جديدة، بل علاقة مع إيران بصورتها الحالية، - التي يمكن القول أنها استبدادية، وقمعية، وتكره الأجانب، وعدائية، ومعادية للسامية، وكارهة للنساء ومثليي الجنس.

 

عندما يتحدث الرئيس عن الشعب الإيراني، يكشف عن رفض غريب لإدراك سمات المعيشة في ظل ديكتاتورية. على سبيل المثال، في رسالته الأخيرة بمناسبة عيد "النوروز"، قال الرئيس: "حتى يجهر الشعب الإيراني بالمستقبل الذي يسعى إليه". عندما قال "يجهر" هل ظن أنه يتحدث عن إحدى الولايات الأمريكية؟ آخر مرة جهر فيها الشعب الإيراني بالحديث إلى حكومته، تناثرت دمائه في الشوارع. "سواء أكان الشعب الإيراني يتمتع بالسيطرة الكافية لتغيير طريقة تفكير قادته بشأن مشكلاته أم لا"، وفق قول أوباما لفريدمان، "سنرى مع الوقت". ومجددا نجد أن أقوى رجل في العالم يتراجع ويقول الحقيقة.

 

إن استطعت تصديق أن "خطة العمل الشاملة المشتركة" قد سجلت نهاية لسعي إيران نحو السلاح النووي – لأن الخطة، وفق إعلان الرئيس القاطع "تمثل المسار النهائي الذي سيمنع إيران عن امتلاك سلاح نووي" لأن "كل مسار آخر إلى السلاح النووي تم قطعه" – فسأدعم ذلك. وأنا لا أدعمه لأنه لا يمثل أيا من ذلك. بل يحمل تأجيلا وتأخيرا فقط. كما لم يتم قطع جميع المسارات نهائيا.

 

ينص الاتفاق على مهلة مدتها 15 عاما، ولكن هذه المدة تمثل فقط فكرة شاب عن "الفترة الطويلة". سنرى مع الوقت، كما قال الرئيس. رغم أن نص الاتفاق يذكر مرتين أن "إيران تؤكد على أنها لن تسعى، أو تطور، أو تستحوذ على أسلحة نووية في ظل أي ظروف"، إلا أنه ليس هناك دليل على أن النظام الإيراني قد اتخذ قرارا استراتيجيا بالابتعاد عن احتمالية أن يصبح قوة نووية. بل أصبح هدفه الاستراتيجي الهروب من العقوبات وعواقبها الشديدة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. وقد نجح في ذلك بالفعل. حتى وإن كان جزء من الأرباح العائدة مخصص لمغامرات إيران الدنيئة خارج حدودها، ستكون الولايات المتحدة قد دعمت توسعا للكوابيس الخاصة بها.

 

ولكن ما هو البديل؟ ذلك هو السؤال الذي يفترض أن يسكت جميع الاعتراضات. فهو، كبداية، يمثل سؤالا غوغائيا. هدف ذلك الاتفاق إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وإن لم يمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية – ويبدو بشكل واضح أنه لا يضمن تلك النتيجة – فإنه لا يحل المشكلة التي صمم من أجلها. وإن لم يحل المشكلة التي صمم من أجلها، فإنه لم يعد ممثلا لبديل، أليس كذلك؟ فالوضع لا يزال قائما. أم يجب أن أن نفضل عذوبة الأوهام على قبح الواقع؟ طالما لا توافق إيران على تعطيل بنيتها التحتية حتى يصبح تصنيع السلاح النووي مستحيلا، وليس غير محتمل، ستظل الولايات المتحدة مواجهة للواقع الذي يقلقها. سنوجد تخفيفا وتجميلا لها فقط. أي أننا أوجدنا تخفيفا للأزمة وليس حلا لها.

 

يعتبر خطاب الإدارة المروع بشأن الاتفاق سخيفا: فالانكماشات المؤقتة لأنشطة التخصيب الإيرانية ليست هي ما يحول بين الجمهورية الإسلامية والقنبلة. ونفس الأشخاص الذين يطمئنونا على أن إيران قد تخلت بشكل رائع عن تطلعاتها نحو الترسانة النووية يحذرون الآن بشدة من أن الفشل في التصديق على الاتفاق سيحرك أجهزة الطرد المركزي الإيرانية بجنون مرة أخرى. كما أنهم يسخرون من الدعوة لعقوبات أقوى ضد إيران لأن العقوبات المطبقة بالفعل "راشحة" ومتداعية، ثم يعدوننا بأن نفس تلك الإجراءات الفاشلة يمكن إعادة إجراءها بسرعة وبشكل أكيد عبر آلية فعالة يطلق عليها "العودة المفاجئة".

 

وكيف كان محققا للذات اعتقاد الإدارة بأنه لم يكن في الإمكان تحقيق اتفاق أفضل؟ على أي أساس تم تقرير شعورها المحدود بالاحتمالات؟ بالتأكيد ليس هناك شيء أفلاطوني بشأن الحاجة إلى درجة أعلى من الثقة بذلك الصدد: المخاطر مرتفعة بدرجة لا يمكن تصورها. يجدر الإشارة أيضا إلى أن القدر الأكبر من اليقين المطلوب من قبل المشككين لا يتضمن، وفق قول الرئيس، "القضاء على المعرفة داخل إيران"، وهو ما لا يمكن فعله. فالكثير من الدول تملك المعرفة ولكنها لا تشكل تهديدا. وتتمثل المشكلة في النية الإيرانية، وليست في المعرفة الإيرانية.

 

مثلت فترة المفاوضات التي انتهت قريبا لحظة ملتوية في السياسة الخارجية الأمريكية. لقد تمت إعاقتنا بفعل المفاوضات، على عكسهم. كانت الولايات المتحدة ممتنعة عن إهانة شركائها في الحوار عبر تقديم أي تحدي حاسم لاعتداءاتهم الكثيرة في المنطقة وخارجها، بل فضلنا أن نقيد أنفسنا.

 

لقد كانت تلك حقبة نشطة في السياسة الخارجية الإيرانية وفترة خمول في السياسة الخارجية الأمريكية. (حتى رفضنا لتقديم مساعدات كبيرة إلى أوكرانيا في صراعها النبيل بشكل حقيقي ضد الترهيب والغزو الروسي كان عائدا جزئيا إلى اهتمامنا بالموقف الروسي بالنسبة لإيران).

 

أتوقع أن الإدارة سوف تفوز، مع الأسف، على المعارضة للاتفاق الإيراني. سيتم تأجيل القرار الحاسم، وهو الأسلوب المميز لأوباما في تنظيم "إرثه" من الشؤون الخارجية. وفزعنا من القنبلة الإيرانية لن يكون قد تبدد، بل سنظل مبقين على "جميع الخيارات على الطاولة"، سنستمر في التفكر بقلق حول إن كان الرد العسكري على الانتهاك الإيراني سيكون مطلوبا في المستقبل، سنعيش مجددا على أعصابنا. كل ذلك لا يمثل فوزا دبلوماسيا.

 

علاوة على ذلك، كنتيجة للاتفاق، لن يرخي الموالي في طهران، والحرس الثوري الفاشي الذي يطبق حكم الموالي وينتفع على نطاق واسع منه، قبضتهم على المجتمع أو يفتحونه. بل إن ذلك "الربط" يمثل خيالا متعبا. فالعقوبات لم تكن ما دفع إيران نحو الظلامية السياسية.

 

سيقوي ذلك الاتفاق نظاما خسيسا. وبالتالي فإنني اقترح الآن – بلا جدوى بالتأكيد – في أعقاب الاتفاق، أن تتقدم أمريكا نحو إضعافه. يجب أن يصاحب ختام "خطة العمل الشاملة المشتركة" عودة لعداوتنا للنظام الإيراني وقواه المتنوعة.

 

يحب الدبلوماسيون أن يقولون أنك تتحدث مع أعدائك. وهم محقون. وقد تحدثنا مع أعدائنا بالفعل. ولكنهم ما زالوا أعدائنا. ليس ذلك وقت البداية الجديدة بل وقت تجديد المبدأ. نحتاج إلى إعادة مطلب إرساء الديمقراطية إلى مكانته المرموقة على قائمة أولويات السياسة الخارجية وأن نصد رجال الدين في كل مكان بطهران مع التعبير، بالحديث والفعل، عن عدائيتنا العنيدة تجاه حربهم على شعبهم. نحتاج إلى دعم المعارضين بأي شكل ممكن، بحيث لا يشعروا بأنهم منبوذون ووحيدون، والمطالبة بشكل مزعج بإطلاق سراح مير حسين موسوي ومهدي كروبي من الإقامة الجبرية التي خضعوا لها منذ الحملة الأمنية عام 2009. (وكيف أمكننا بضمير حي أن نتابع المفاوضات في ظل أسر الصحفي الأمريكي جاسون ريزايان في سجن إيراني؟ منذ عدة سنوات، عندما درست قضية "دريفوس"، علمت أن هناك أوقات كانت فيها تحقيق العدالة لرجل واحد تستحق أن توقف أمورا كثيرا).

 

مير حسين موسوي (يسار) ومهدي كروبي (يمين)

 

نحتاج إلى احتقار النظام بشكل واضح ومنتظم، وأن نضر بموقفه الدولي بكل شراسة، لرغبته في إبادة إسرائيل. كما نحتاج إلى تسليح أعداء إيران في سوريا والعراق لعدة أسباب. (في سوريا، جهزنا حتى الآن 60 مقاتلا، مرحى! لقد عادت أمريكا!) يجب أن نجرب، عبر الشجاعة الدبلوماسية، تحالفا تحت رعاية أمريكية بين إسرائيل والدول السنية، حيث يجد الطرفان حاليا تلاقيا غير مسبوق للمصالح.

 

ولكننا لن نفعل أي من ذلك. بل سنستمر في ترك النار تنتشر وانتظار النتائج، وهو ما نطلق عليه الواقعية. في سبيل عدم رغبتنا في خوض الحروب، نرفض أن نشارك في الصراعات. أظن أنه أحيانا يكون التاريخ روتينيا بشكل حقيقي.

 

ليون ويزيلتير محرر مساهم في موقع "أتلنتك" ومؤلف كتاب "كاديش".

 

المصدر

 

*ترجمة فريق موقع راقب

 

إقرأ المزيد

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان