الحكايات لا تقص في الكتب فقط بل يمكن لأي فنان أن يحكي بأدواته، الرسام بألوانه والممثل بجسده والمغني بصوته، وفي قصص الثورة أصبح للفن ميدان، وبالجرافيتي رسمت روايات أبطال نطقت بها الجدران، وبحناجر المطربين كان نشيد الثورة مستمر.
وبالرغم من أن الثورة شهدت ميلاد العديد من الظواهر الفنية المختلفة إلا أن أغلبها اندثر، وفي الذكرى السابعة أصبحت في طي النسيان، بعد أن واجهت وسائل المنع والتقييد.
الجدران تهتف
ساهمت الثورة في شهرة فن الجرافيتي في مصر، خصوصًا بعد انتشاره في الشوارع والميادين، حيث حرص شباب الفنانين على رسم شعارات الثورة من "عيش حرية عدالة اجتماعية" وغيرها من الشعارات إلى جانب رسم صور وأسماء شهداء الثورة تخليدًا لذكرهم.
فبعد 25 يناير تحول «الجرافيتى» من وسيلة لتشجيع الأندية الرياضية إلى وسيلة فعالة لتوعية المواطنين، وحثهم على الانتفاض ضد الظلم.
وتزينت الجدران بصور الشهداء، وصورًا لشبان وفتية خلال الثورة، ورسومات لللواء محمد البطران، الذي مات وهو يحاول منع اقتحام سجن القطا وتهريب السجناء، و صورة الشيخ عماد عفت، الذي قُتل برصاصة قناص في ديسمبر 2012 ليس ببعيد عنها صورة الناشط مينا دانيال، الذي توفي في ما يُعرف بـ"مذبحة ماسبيرو".
«الثورة مستمرة» كانت هذه الجملة وغيرها من الشعارات التي زينت الجدران، أيقونة للثورة لعدة سنوات لكن في الذكرى السابعة للثورة لم يبق منها أي أثر.
وفي العام الماضي علق المحامي والحقوقي، جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، على اختفاء هذا الفن قائلاً: "مصر تُبدع في مسح الجرافيتي حفاظًا على "القبح".
وبدأ هذا الفن طريقه للزوال منذ عام 2012، عندما أصبح محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين،رئيسا فقامت سلطات البلدية بمسح «الجرافيتي» ودهنوا الجدار باللون الأبيض، لكن ظلت بعض الجداريات صامدة أمام "الحذف".
كان الجرافيتي الذي انتشر في مصر، مادة لكثير من الكتب، ففي عام 2013 أصدرت المصورة والصحفية السويدية "ميا جروندال" كتاب "غرافيتي الثورة.. فن الشوارع في مصر الجديدة".
ويحتوي الكتاب، على 430 لقطة ملونة، توزعت بين فصوله الثلاثة والثلاثين، وظواهر مفصلية في الثورة المصرية وثقته الجدران، كـ"موقعة الجمل" و"مجزرة ماسبيرو" و"مذبحة بور سعيد"، وظاهرة قنص العيون.
وفي عام 2014، عرض موقع «هافينجتون بوست» الأمريكى، مجموعة مكونة من 25 صورة جرافيتى لأبرز فناني الشارع المعاصرين فى العالم، فى محاولة لمواصلة استكشاف شكل من أشكال الفن الذى تهيمن عليه أسماء كبيرة مثل بانسكى، وشيبارد فيرى، واختار الموقع جدارية مصرية بشارع محمد محمود فى المركز العاشر بين قائمتها.
وظل هذا الفن في النحسار حتى عام 2015 الذي شهد ميدان التحرير، أعمال هدم سور مبنى الجامعة الأمريكية، بشارع محمد محمود في محيط المديان، والذي يحتوى على رسومات جرافيتي توثق أحداث ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
ولد من رحم ميدان التحرير، وتنفس الحرية مع أول شعار أطلق في ساحاتها، "عيش حرية عدالة اجتماعية"، وخطى أولى خطواته على أنغام أغانيه الثورية التي أشعلت حماسة الثوار.
وعلى أرصفة الميدان دونت قصصه، ورسمت بداياته، ورغم المنع والقمع ظل "للفن ميدانه.. وحكاياته".
سنوات مضت وقلب الميدان ينبض بالفن، إلا أن مريديه فوجئوا بقرار وقف أنشطته إلى أجل غير مسمى، بعد أن تعنتت الأجهزة الأمنية في منح التصاريح اللازمة لإقامة فعالياته في موعدها المحدد من كل شهر، وذلك عام 2014.
وتسبب القرار في وقتها صدمة عارمة وسط الأوساط الشبابية، التي كانت تعتبره منبع الضوء الذي ينير طريق الثورة.
"الحكومة لا تريد عودة الفن ميدان"، بهذه العبارة أجاب الشاعر زين العابدين فؤاد، مؤسسًا لفن ميدان، على السؤال الذي لن يمل من ترديده عشاقه ومريديه.
وأضاف زين العابدين فؤاد، في حوار سابق لـ"مصر العربية"، "حاولنا بكل الطرق، لكن هناك تصورا أمنيا أن المنع هو الطريق الأفضل".
يقول إن كان هناك محاولات عدة قام بها الدكتور جابر العصفور، أثناء توليه منصب وزير الثقافة حينها؛ لمنع قرار الغلق، وأدت اتصالاته مع اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، في ذاك الوقت، إلى حل الأزمة بشكل مؤقت، وعودة "الفن ميدان".
لكن في سبتمبر 2014، رفضت الجهات الأمنية إعطاء تصاريح لإقامة فعاليات "الفن ميدان"، إلى أن تم منعه بشكل كامل.
يصف الفنان أحمد الرفاعي، عضو فرقة الأولة بلدي "الفن ميدان"، بالمتنفس الذي ساعد الناس على الخروج من قوقعة همومهم ومشكلاتهم الحياتية.
وأوضح رفاعي، أن جمهورها كان ينقسم إلى جزءين، منهم شباب الثورة، الذين كانوا يرغبون في تذكر أيام الميدان، وآخرون كان تجذبهم الحفلات الفنية، التي يشهدوها لأول مرة في الساحات العامة، خاصة أنها كانت تقام بالمجان.
وحتى وقتنا الحالي يظل الفن ميدان حالة فنية ولدت مع الثورة ولكنها واجهت المنع لتظل ذكرى لا تنسى خلال السبع سنوات الماضية.
صوت الحرية بيعاني
كان للثورة أثر كبير في الفن فهناك العديد من الفرق التي كان الميدان انطلاقتها الحقيقة ،وعلى رأسها كايروكي، عمدان النور، والمطربة دينا الوديدي قامت بتأسيس فرقة موسيقية تحمل اسمها.
كان فريق "كايروكي" مرتبط دائمًا بالثورة والحرية، فهم خرجوا من رحم ميدان التحرير وكانت أعمالهم تيمة له، ولكثير من الشباب في ذلك الوقت.
إلا أنهم في الفترة الأخيرة أصبحوا يواجهون التضييق والمنع، ففي نهاية العام الماضي منعت الرقابه ألبوهم من النزول في الأسواق؛ ليكتفي الفريق بطرحه على اليوتيوب.
الأمر لم يتوقف عند هذا بل تم إلغاء عدد من الحفلات لهم ليعبروا عن إستيائهم كما علق الجمهور عن غضبهم.
أغاني الثورة
أثناء اعتصام شباب مصر في ميدان التحرير، كانت الأغاني هي وسيلتهم للتنفيس عن غضبهم، ووسيلتهم للمطالبة بالتغيير، ورفيقة دربهم في مشوارهم النضالي الذي راح ضحيته أبناء دفعوا دمهم ثمن حبهم لبلادهم.
وتفجر من ميدان التحرير عدد من المواهب الشابة، كما حرص الفنانين المتواجدين على الساحة ترك بصمة بأصواتهم تخلد ذكرى ثورة الشباب لمطالبتهم بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
ومع كل ذكرى في الثورة كانت محطات الإذاعة والتلفزيون تحرص على تقديم اشهر الأغاني التي قدمت في الفترة، ولكن في الذكرى السابعة اختفت هذه الأعمال عن أسماع المواطنين.
ومن أشهر هذه الاغاني ، أغنية "يا بلادي" لكل من عزيز الشافعي ورامي جمال، وتعد الأغنية الرسمية للثورة، وأغنية "إزاي" للكينج محمد منير، أغنية "عيش.. حرية.. عدالة إجتماعية" للمطرب رامي عصام.