رئيس التحرير: عادل صبري 05:49 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

أين التحالف الإسلامي من قضية القدس؟

أين التحالف الإسلامي من قضية القدس؟

العرب والعالم

القمة الإسلامية باسطنبول

أين التحالف الإسلامي من قضية القدس؟

أحمد علاء 15 ديسمبر 2017 19:29

"لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى.. لم تعد القدس هي القضية، أصبحت شرعية مزيفة لتحركات البعض.. أنا لا احمل لليهود أي كره، ولا أشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين.. آن الأوان لنجرب السلام والتعايش.. أنا سعودي أدعو للتطبيع مع إسرائيل".

 

هذه الكلمات التي لخصتها المقولة الأخيرة، تجسّد ما بدا لكثيرين عن حالة سعودية، يُقال إنّها أبعد ما تكون عن نصرة الفلسطينيين، واللافت أنّ هذه الكلمات والآراء ليست صادرة عمن يمكن وصفهم بـ"العملاء الذين يعملون مع الاحتلال سرًا"، لكنّها من كتاب وإعلاميين مقربين بشكل أو بآخر من "المطبخ السياسي السعودي".

 

مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء قبل الماضي، نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة وإعلان "المدينة المقدسة" عاصمةً لهذا الكيان المحتل، وهنا سادت توقعات برد فعل عنيف، اختصرته سفيرة الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن نيكي هيلي، حين قالت: "كنا ننتظر رد فعل عنيفًا من العرب والمسلمين بشأن قرار ترامب.. كما قال الجميع بأنّ السماء سوف تقع على الأرض بعد هذا القرار، وها هو الخميس قد مر والجمعة والسبت والأحد والسماء لا تزال في مكانها".

 

سلطت الأنظار على التحالفات الإقليمية، لا سيّما العسكرية، والتي تقودها المملكة العربية السعودية، والتي يتضح من مراقبة الأمور جليًّا أنّها توجّه بوصلتها إلى إيران، أو بالأحرى تُدفع لأن تكون إيران هدفها.

 

ففي الوقت الذي اندلعت فيه تظاهرات تحتج على قرار ترامب، المؤيدة لعربية القدس في مصر وعدد من الدول العربية وذات الأغلبية الإسلامية، لم تعتقل السعودية أحدًا كما فعلت دول أخرى، وذلك لأنّ مظاهرات شعبية مؤيدة للقدس في السعودية لم تحدث بالأساس.

 

يعاد هذا التوجه الأذهان إلى حكم قضائي كان قد صدر بحبس مواطن لمدة ثماني سنوات، لتظاهره ضد الغارات الإسرائيلية على غزة، وهو ما أعطى - ولا يزال - مؤشرًا على أنّ المملكة لن تقبل بذلك، ورغم هول قرار ترامب إلا أنّ الوضع لم يتغير.

 

لم يتحرك التحالف الإسلامي أو العربي إزاء ما حدث، ولا يبدو أنّ هناك مؤشرًا لشيء قد يحدث، فالسعودية يجمعها ما يمكن أن يطلق عليه "تعاون دافئ"، لا سيّما أنّ إيران تمثل عدوًا مشتركًا لهما، كما يتفقان.

 

ولأنّ عجلة التاريخ لا تنسى، فإنّه لا يمكن الفصل بين أي تطور في المنطقة والاتفاقات والتحالفات الراهنة وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية.

 

مثّلت اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية التي عرفت بـ"اتفاقية تيران وصنافير"، والتي بمقتضاها أُعلنت سيادة المملكة على الجزيرتين.

 

يقول المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان إنّه بعد الاتفاقية، تحوّل مضيق تيران من معبر مائي تسيطر عليه مصر، وتضطر السفن المتجهة إلى ميناء إيلات من خلاله، إلى ممر دولي، وهو ما مثّل أريحية كبيرة لتل أبيب.

 

وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية: "الاتفاقية التي تضمنت موافقة تل أبيب عليها تشير على الأرجح إلى استمرار الاتصالات السرية والمصالح المشتركة ما بين السعودية وإسرائيل".

 

وفي خطوة ثانية، ربما مهّد من خلالها ترامب الطريق ليعلن قراره المشؤوم عربيًّا، على الأقل من جهة الشعوب، جاء تشكيل التحالف الإسلامي الذي أعقب زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة قبل بضعة أشهر.

 

حملت هذه الجولة العديد من التطورات، إذ استقلّ ترامب طائرته من المملكة إلى إسرائيل مباشرةً، وذلك في أول رحلة جوية مباشرة بين الجانبين، بل قال أيضًا: "عدت للتو من السعودية، مشاعر القادة السعوديّين نحو إسرائيل إيجابيّة جدًا".

 

زيارة ترامب للسعودية شهدت إبرام صفقات طويلة المدى تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 400 مليار دولار، بينهم صفقة أسلحة بلغت 110 مليارات دولار، قد تكون هي الأغلى في تاريخ المملكة، وهو ما أعطى مؤشرًا لكثيرين أنّ السعودية ارتمت أكثر إلى الحضن الأمريكي وبالتالي لن تعارضها في شيء.

 

القمة الإسلامية - الأمريكية رفعت شعار مواجهة إيران، وكان لافتًا أنّ تشترك إسرائيل أو يتم إلصاقها جبرًا فيما عُرف بـ"المحور السني"، ودفع "العداء المشترك لإيران" يوفال شتاينش وزير الطاقة الإسرائيلية يعلن في 20 نوفمبر الماضي، أي قبل أسبوعين من قرار ترامب، وجود تعاون واتصالات بين إسرائيل والسعودية لمواجهة خطر إيران المتصاعد، لافتًا إلى أنّ السعودية حريصة أن يبقى ذلك التعاون سريًّا.

 

هذا التحالف الإسلامي يضم 41 دولة عربية وذات أغلبية مسلمة، ليس بالقطع من بينها إيران، وهو ليس لمواجهة إسرائيل وإنّما لمحاربة الإرهاب وتنسيق الجهود ضد المتطرفين في العراق وسوريا وليبيا ومصر وأفغانستان، بحسب الأهداف التي أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

 

يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي: "عندما تكون لإسرائيل والدول العربية الرئيسية رؤية واحدة، فلابد من الانتباه، فلابد من الانتباه بأنّ شيئًا مهمًا يجري"، وهو حديث كاشف غير ما قاله قبل أيام عن سعادته الغامرة بعلاقات قوية تجمع تل أبيب بدول عربية.

 

هذه العلاقات وإن كانت مرفوضة من قطاعات شعبية كبيرة حسبما كشفت استطلاعات رأي، لكنّها تأخذ ضوءًا أكبر في الأيام والأشهر الماضية، مثل حديث رئيس الأركان الإسرائيلي جادي إيزنكوت في مقابلة صحفية نادرة مع موقع سعودي، يقال إنّه مقرب من دوائر صنع القرار، في منتصف نوفمبر الماضي.

 

المقابلة كامت مع موقع "إيلاف" الإخباري الذي يتخذ من لندن مقرًا ومؤسسه "سعودي"، أكّد فيها المسؤول الإسرائيلي استعداد تل أبيب لتبادل المعلومات الاستخبارية مع السعودية لمواجهة إيران، وقال: "نحن مستعدون لتبادل الخبرات مع الدول العربية المعتدلة وتبادل المعلومات الاستخبارية لمواجهة إيران".

 

وردًا على سؤال حول ما إذا حصلت مشاركة معلومات مع السعودية في الفترة الأخيرة، أوضح: "نحن مستعدون للمشاركة في المعلومات إذا اقتضى الأمر.. هناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا".

 

كما أكد مسؤول في الجيش الإسرائيلي لوكالة "فرانس برس" مضمون المقابلة، مشيرًا إلى أنّها الأولى من نوعها لرئيس أركان خلال وجوده في سدة المسؤولية لوسيلة إعلامية عربية.

 

سياسيًّا أيضًا، تحدثت تقارير صحفية، بينها إسرائيلية، عن زيارة سرية في شهر سبتمبر الماضي، لمسؤول سعودي كبير إلى تل أبيب، وكانت المفاجأة ما كشفته وكالة الأنباء الفرنسية إذ نقلت قبل شهر عن مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، قوله إنّ المسؤول السعودي الذي أجرى هذه الزيارة السرية هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

 

كما أكد الصحفي الإسرائيلي أرييل كهانا الذي يعمل في صحيفة "ماكور ريشون" الأسبوعية اليمينية القومية، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في سبتمبر الماضي، أنّ محمد بن سلمان زار إسرائيل مع وفد رسمي، والتقى مسؤولين.

 

وكانت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الناطقة باللغة العربية قالت في 7 سبتمبر الماضي إنّ أميرًا من البلاط الملكي السعودي زار إسرائيل سرًا، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام.

 

واتساقًا مع هذا الشأن، صرح وزير الاتصالات الإسرائيلي وعضو الكنيست عن "حزب الليكود" أيوب قرا لوكالة الصحافة الفرنسية بأنّ هناك عددًا كبيرًا من الدول العربية تربطها علاقات بإسرائيل بشكل أو بآخر، تبدأ من مصر والأردن، وتشمل السعودية ودول الخليج وشمال إفريقيا وقسمًا من العراق.
 
وأضاف أنّ هذه الدول تشترك مع إسرائيل في الخشية من إيران، ورأى أنّ أغلب دول الخليج مهيأة لعلاقات دبلوماسية مكشوفة مع إسرائيل، لأنها تشعر بأنها مهددة من إيران، لا من إسرائيل.

 

في سياق ليس ببعيد، نشر موقع "ويكيليكس" مراسلات لوزارة الخارجية السعودية ممهورة بعبارة "سرّي للغاية" تؤكّد أنّ ثمة علاقات تاريخية مهمة بين إسرائيل والمملكة، وأنّها تجاوزت السياسة إلى الاقتصاد ومنه إلى زيارات رجال المخابرات أبرزهم اللواء السابق أنور عشقي في زيارته الأخيرة عام 2016.

 

وحسبما ترجمت مواقع أنباء، كشفت الوثائق كثيرًا من المستور والمسكوت عنه بشأن علاقات سعودية مع إسرائيل في مجالات عدّة منها تبادُل المعلومات والتنسيق ضدّ حركات المقاومة وضدّ إيران وتفاصيل مهمة عن زيارات لطلاب وأكاديميين لتقوية العلاقات وتحويلها من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي.

 

وفي يونيو من العام الماضي، أجرى الأمير تركي الفيصل مناظره مع الجنرال الإسرائيلي "احتياط" يعقوب أميدرور مستشار الأمن القومي السابق لحكومة بنيامين نتنياهو، نظمها معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى، حسب شبكة "cnn" الإخبارية الأمريكية.
 
وآنذاك، قال الأمير السعودي: "إسرائيل لديها سلام مع العالم العربي، وأعتقد أن بإمكاننا مجابهة أي تحدٍ، ومبادرة السلام العربية المقدمة من السعودية عام 2002 من وجهة نظري تقدم أفضل معادلة لتأسيس السلام بين إسرائيل والعالم العربي». وأضاف: «التعاون بين الدول العربية وإسرائيل لمواجهة التحديات مهما كان مصدرها سواء كانت إيران أو أي مصدر آخر ستكون مدعمة بصورة أقوى في ظرف يكون فيه سلام بين الدول العربية وإسرائيل، ولا أستطيع أن أرى أي صعوبات بالأخذ بذلك".

 

إذًا، تشير كل التحليلات إلى أنّ تقاربًا إسرائيليًّا سعوديًّا قد فرض نفسه على المنطقة، وهنا تضع المملكة نفسها في نوع من الحرج أمام شعبها، حتى وإن كان المبرر هو مواجهة إيران، فما الحاجة إلى إسرائيل إذا كان كل ما يقلق المملكة هو "التمدد الإيراني" في المنطقة.

 

عُرفت السعودية تاريخيًّا بأنّها متحفظة عسكريًّا، فرغم إمكانياتها إلا أنّها لا تفضل الدخول في مواجهات، ولا يُعرف إن كان ذلك يمثل عدم ثقة في النفس تربت داخل السعوديين، أم حبًا في السلام زاد عن المغامرة بمواجهات الجيوش، لكنّ الخوف من مواجهة إيران ربما قاد إلى حروب بالوكالة، طرفاها الرئيسيان هما السعودية وإيران.

 

كان لزامًا أن يشغل بال السعوديين قدرة بلادهم على أي حرب تخوضها أمام إيران، ولعل ما يجيهم هنا هو الوضع في اليمن، فرغم مرور أكثر من ألف يوم على الحرب التي شنها "تحالف السعودية" على الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع "المقتول" علي عبد الله صالح المدعومين من طهران، إلا أنّ الحرب لم تحسم لصالحها، كما لم توقف الخطر القادم عليها من هناك والصواريخ البالستية التي تنال منها.

 

مستشرق إسرائيليّ أجاب على السؤال الأهم "هل بإمكان السعودية الصمود أمام قوة إيران العسكرية؟"، فقال البروفيسور إيال زيسر، وهو من جامعة تل أبيب، في مقالٍ نشره بل أسابيع بصحيفة "يسرائيل هايوم"، المقربة جدًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "التوتّر بين الرياض وطهران يتأجج لأنّه من ناحية السعوديين، فإنّ الحديث يدور عن قضيةٍ وجوديّةٍ، ذلك فإنّ تمدّد إيران يُشكّل تهديدًا وجوديًا على السعوديّة".

 

لكنّه في الوقت نفسه استبعد جدًا أنْ يتحوّل هذا التوتّر إلى حربٍ بين الدولتين، لأنّ السعودية لا تملك القدرة العسكريّة والتأييد المطلوب لكي تقوم بحملةٍ عسكريّةٍ ضدّ إيران، لا في الخليج ولا في لبنان، ولفت إلى أنّه حتى في الحرب التي تخوضها السعوديّة في اليمن دخلت الوحل، ولم تُحرز أيّ نتائج تُذكر.

 

ورأى أنّه على المدى البعيد، سيُشكّل حزب الله تهديدًا على لبنان كدولة كلّ طوائفها، وبمُساعدة إيران، سيُواصل حزب الله في تعظيم ترسانته العسكريّة، وسيبقى التهديد الأوّل على إسرائيل.
 

القدس عاصمة فلسطين الأبدية
  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان