يستأنف خبراء قانونيون وفنيون من مصر والسودان وأثيوبيا اليوم الثلاثاء الاجتماع السداسي حول سد النهضة لوضع قواعد مرجعية لخبراء الاتحاد الافريقي، بغرض تقديم المساعدة للأطراف الثلاثة لتخطي الخلافات وصولاً لاتفاق مرض تتوافق عليه الدول الثلاث.
وبحث اجتماع اللجنة السداسية التي تم تكليفها بواسطة اللجنة الوزراية، منهجية التفاوض ودور المراقبين والخبراء وتم الإتفاق على بعض النقاط، وسوف تواصل اللجنة اجتماعها لليوم وغداً الأربعاء على ان ترفع تقريرها للإجتماع الوزاري المقرر عقده الخميس المقبل.
وأعلنت السودان انها اقترحت خلال الاجتماع الوزاري أول امس، تغيير المسار السابق للمفاوضات وذلك بإعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي اثناء المباحثات وتوافقت الدول على هذا التغيير.
وتأتي الاجتماعات في إطار مخرجات الاجتماع السداسي في 27 أكتوبر الماضي، بحضور وزراء الخارجية والري من الدول الثلاث من أجل التباحث بهدف إعادة إطلاق المفاوضات حول السد الإثيوبي.
وطرحت الوفود من الدول الثلاث رؤيتهم لآليه استكمال المفاوضات في جولتها الحالية والتي من المقرر ان تستمر حتى الخميس المقبل، وأكدت مصر خلال الاجتماع على ضرورة تنفيذ مقررات اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي، بالتوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويؤمّن مصالحها المائية.
تفاؤل سوداني
وأكد مصدر حكومي سوداني رفيع المستوي حرص الخرطوم، على الوصول الى إتفاق ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة مع القاهرة واديس ابابا، واعتبر ان اسوأ الخيارات للسودان، الاخفاق في تحقيق اختراق يفضي الى حل دائم، وفق ما نشرته صحيفة التغيير السودانية.
واشار المصدر إلى أن ملء وتشغيل السد بدون اتفاق تترتب عليه مخاطر فيما يتعلق بسلامة الخزانات السودانية والتأثيرات البيئية والاجتماعية، موضحا أن كافة الفوائد المتوقعة على السودان يمكن ان تتحول الى تهديدات من غير اتفاق قانوني ملزم.
وأعلن المصدر، عدم اعتراض الخرطوم على تقسيم المياه من حيث المبدأ وتمسك برفضه لربطها باتفاقية سد النهضة وذلك لأسباب إجرائية واستراتيجية، تتعلق بان هذه المفاوضات لا تتناول حصص المياه بين الدول الثلاثة.
الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الري السابق، قال إن الجولة الجديدة من مفاوضات سد النهضة التي انطلقت الأحد وتستمر لمدة أسبوع، جاءت بعد توقف التفاوض عدة أشهر، مضيفًا أن إثيوبيا في الوقت الراهن في أزمة وعليها أن تأخذ قرارا إلا أنها لا تريد.
وأضاف في تصريحات صحفية محلية، أن الاجتماعات الحالية ستناقش مسودة الاتفاق التي كان قد تم الاتفاق عليها في الاجتماعات السابقة، بهدف تنقيحها وإعدادها بشكل نهائي، وإذا لم يتفق وزراء الري بشكل سريع حول هذه المسودة، فعلى المراقبين الدوليين أن يتحول دورهم من الرقابة إلى الوساطة لإيجاد حل وسط.
وأشار إلى أنهم خلال هذه الوساطة عليهم أن يقوموا بإعداد مسودة ويطالبوا الدول الثلاث بالموافقة عليها، وفي حالة أن رفضتها إثيوبيا فستصبح أمام العالم أجمع متعنتة ومماطلة وتمارس جميع أنواع الرعونة، مضيفا أنه في هذه الحالة سيكون لمصر أن تتحرك كما ترى، وفقا للمستجدات.
الانتخابات الأمريكية الفيصل
من جانبه، قال الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن السودان طالب بضرورة تغيير الطرق السابقة المُستخدمة فى مفاوضات سد النهضة الأثيوبي نتيجة رفض أثيوبيا أى دور لأى طرف أو وجود وسطاء أو حتى محاولات للتوفيق، وتمسكها بأن تكون المفاوضات منحصرة بين الأطراف الثلاث، بالإضافة إلى رفض مطالب مصر والسودان وبالتالى فإن الأمر يؤدى بالمفاوضات الى طريق مسدود.
وأوضح الخبير الاستراتيجي في تصريحات محلية، أنه تم تشكيل لجنة من 6 خبراء "تضم خبيرين من كل دولة" لإعطاء دور أكبر للمراقبين فى ملف سد النهضة، ومن المقرر عرض التقرير الذى تم التوصل إليه خلال الاجتماع الذى سيعقد اليوم بين الدول الثلاث .
وأكد رسلان أن منهج أثيوبيا المتبع، يجعل من احتمالية الوصول إلى حل مرضي لجميع الأطراف ضعيفا، خصوصا أن اثيوبيا عادت للمفاوضات بعد توقف شهرين لامتصاص التصريحات الصادمة العنيفة التى جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأكد أن أثيوبيا ستستمر فى مفاوضات سد النهضة بالحركة الدائرية وستنتظر نتيجة الانتخابات الأمريكية، لافتا إلى أنه فى حال فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن المفاوض الأثيوبي سيعيد تقييم الموقف بشأن مفاوضات سد النهضة، خاصة أن أديس أبابا لديها ارتباطات اقتصادية قوية مع واشنطن.
وأكدت مصادر معنية بملف مياه النيل ان المفاوضات الحالية تواجه عدداً من التحديات التي تشكل معوقات لنجاح المفاوضات التي دعت إليها جنوب أفريقيا التي تتراس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي وعلى رأسها صعوبة الاتفاق على آلية فض النزاعات المنصوص عليها في إعلان المبادئ الموقع بين زعماء الدول في 2015 والتنسيق الدقيق وتبادل المعلومات بشأن تشغيل السدود المائية في مصر والسودان وأثيوبيا وهو ما قد يؤدي إلى مشاكل فنية كبيرة في ظل غياب آلية مُحكمة وسريعة ومواكبة للتنسيق وتبادل المعلومات بين الجانبين.
لماذا عادت المفاوضات؟
عودة المفاوضات مجددا حول سد النهضة الأثيوبي، والتي تأتي بعد توقف دام نحو شهرين، جاءت بعدما وجه الرئيس الأمريكي ترامب تهديدا شديد اللهجة لأديس أبابا خلال اتصال جمعه برئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، إذ أكد أن مصر قد "تُفجر سد النهضة" في حال عدم التوصل لاتفاق.
وقال ترامب: "لقد وجدتُ لهم اتّفاقاً، لكنّ إثيوبيا انتهكته للأسف، وما كان ينبغي عليها فعل ذلك. كان هذا خطأً كبيراً". وأردف: "لن يَروا هذه الأموال أبداً ما لم يلتزموا هذا الاتّفاق".
ولعبت واشنطن دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين إثيوبيا والسودان ومصر، للوصول لحل للقضايا العالقة بين الأطراف بشأن سد النهضة، لكن وبعد مفاوضات ماراثونية رفضت إثيوبيا التوقيع على صيغة اتفاق اعدتها واشنطن بالتعاون مع البنك، فيما وقعت عليها مصر بالحرف الأولى، بينما وافق السودان على مسودة الاتفاق لكنه ربط توقيعه بالتوقيع الإثيوبي لتجنب اتساع الفجوة بين الأطراف الثلاثة.
ولم تتمكن الدول الثلاث من الوصول إلى توافق بجدول محدد حول التصرفات المائية المنطلقة من سد النهضة في الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق. ولا توجد إجراءات واضحة من الجانب الإثيوبي للحفاظ على قدرة السد العالي على مواجهة الآثار المختلفة التي قد تنتج عن ملء وتشغيل سد النهضة، خصوصا إذا واكب ذلك فترة جفاف أو جفاف ممتد لعدة سنوات متتابعة.
وتسعى مصر والسودان للتوصل لاتفاق ملزم قانونا، يضمن تدفقات مناسبة من المياه وآلية قانونية لحل النزاعات قبل بدء تشغيل السد، غير أن إثيوبيا، احتفلت في أغسطس، بالمرحلة الأولى من ملء السد وتصر على الاستكمال دون اتفاق.
وتتمسك مصر بحقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، وبالقرارات والقوانين الدولية في هذا الشأن، وترفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها أديس أبابا، وتطالب إثيوبيا بضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي.