فجأة ودون سابق إنذار تحول الجانب الآخر من الطريق إلى ما يشبه الجحيم.. ألسنة نيران التهمت كل ما اعترض طريقها.. دخانٌ كثيفٌ مٌتصاعد نحو السماء، سياراتٌ تفحمت في غضون لحظات وأناسٌ يُهرولون بعيدًا هنا وهناك..
إلا إنه كعادة المصريين وقت الأزمات، تتجلى معادنهم الطيبة الأصيلة ويزداد بريقها ويُرى لمعانها في الشدة، وهو ما اتضح جليًا بين ثنايا أحد مشاهد المقاطع المصورة التي انتشرت في اللحظات الأولى لاندلاع حريق خط مازوت طريق مصر اسماعيلية الصحراوي، الذي كان محط أنظار واهتمام الجميع، خلال الساعات القليلة الماضية.
"طفوه .. طفوه.. حد يطفيه.. حد يطفيه"؛ نداءات على هذا النحو صاح بها Hحدهم ممن تواجد بمحيط الحريق، وهو يستغيث بمن حوله بعد رؤيته رجلا يخرج من قلب ألسنة النيران التي يبدو أنها أمسكت به من الخلف، حيث طُرح أرضًا أثناء محاولة هروبه بعيدًا عنها عله ينجو بروحه..
رغم أن المُجازفة كانت كبيرة باتخاذ قرار الانتقال إلي هذا المُصاب في الجانب الآخر من الطريق حيث السنة اللهب التي تلتهم كل ما يقف أمامها أو يقترب منها، إلا أن مجموعة ممن تصادف تواجدهم بمحيط الحريق سرعان ما اتخذوا قرارًا جماعيًا بإنقاذه فورًا، حيث أن الأمر لا يحتمل الكثير من التفكير.
فبخطوات واثقة وسريعة، انتقلوا جميعًا إلى الجانب الآخر من الطريق لا يعلم أي منهم ما قد يحدث له، وسرعان ما سحبوه إلى الضفة الأخرى حيثُ كان الوضع أكثر أمانًا إلى حد ما، وشرعوا في محاولة إسعافه.
قرارٌ حكيم من جانب المصريين لو كان تأخر للحظات لأضحى هذا الرجل المُصاب في خبر كان وأصبح من الأموات.
تجلى هذا المشهد وغيره من المشاهد الأخرى لجدعنة المصريين في الحريق الضخم الذي اندلع مساء الثلاثاء، بطريق مصر اسماعيلية الصحراوي، والذي أسفر عن إصابة نحو 17 شخصًا -بحسب آخر إحصائية رسمية مُحدثة- تم نقلهم إلى مستشفى السلام العام، في حين لم يتسبب الحادث في وقوع وفيات.
وأوضحت الصحة أنه تم الدفع بـ 15 سيارة إسعاف مجهزة فور وقوع الحادث، حيث تم نقل المصابين إلى مستشفى السلام العام.
كما أفادت بأن جميع الإصابات تشمل حالات حروق بدرجات مختلفة واختناقات، وجميع الحالات تتلقى الرعاية اللازمة.
انتهى هذا المشهد المأسوي بالسيطرة على الحريق الذي شب في خط خام ( شقير - مسطرد) في أول طريق القاهرة - الاسماعيلية الصحراوي نتيجة حدوث كسر بالخط وحدوث شرارة ناتجة عن تزاحم السيارات بالطريق ما أدّى إلى اشتعال الخام المتسرب، وفقًا لما أعلنه المهندس عماد عبدالقادر رئيس شركة أنابيب البترول.
وأضاف أنّه تمّ على الفور غلق بلوف الخط قبل وبعد مكان الحريق والتحرك الفورى للقيام بإخماد الاشتعال بواسطة سيارات إطفاء المناطق الجغرافية البترولية المحيطة وسيارات إطفاء القوات المسلحة والحماية المدنية.
وبحسب بيان نشرته صفحة مجلس الوزراء على "فيسبوك"، فقد انتقل إلى موقع الحريق المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية لمتابعة جهود السيطرة والإخماد والوقوف على الوضع على الطبيعة واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة، وتم تشكيل لجنة فنية تختص بالوقوف علي اسباب الحادث وإبلاغ الجهات الأمنية.
فيما أمر النائب العام المستشار حمادة الصاوي، بالتحقيق في واقعة حريق خط المازوت بطريق القاهرة الإسماعيلية.
وانتقل فريق من أعضاء النيابة العامة لمعاينة مسرح الحادث، وفريق آخر لسؤال المصابين، وأفادت النيابة العامة في بيانها الذي نشرته عبر صفحتها الرسمية أنها ستعلن لاحقًا ما ستسفر عنه التحقيقات.
وحصل "مصر العربية" على اللقطات الأولى للحظة تسريب خط البترول الذي انفجر بطريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي، وأظهرت اللقطات عن اندفاع الوقود من قلب الأرض كالنافورة بارتفاع عالٍ وإلى جوار أحد الكباري.
كما حصل "مصر العربية" أيضًا على زاوية جديدة لحريق طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي رصدت اللقطات الأولى للحظة نشوبه، حيث وثقتها عدسة أحد شهود العيان ممن تواجدوا بمحيط الحادث أعلى أحد الكباري.
وأظهرت هذه المقاطع المصورة، تصاعدًا كثيفًا للدخان، نتيجة اندلاع نيران امتدت على مساحة كبيرة بإحدى جانبي طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي.
"وليد" أنقذ 10 في حريق محطة مصر
لم تكن تلك المرة الأولى التي تتجلى فيها "جدعنة المصريين" ففي حريق محطة مصر قبل نحو عام على سبيل المثال وليس الحصر، حينما تحول رصيف 6 إلى كتلة من النيران اثر اصطدام جرار قطار بأحد الأرصفة، فوسط هذا المشهد المأسوي تجلت شهامة الشاب وليد مرضي البائع بالمحطة الذي تمكن من انقاذ نحو 10 أشخاص من التفحم.
حيث أنه في الوقت الذي كان يفر الجميع هربًا من النيران كان "وليد" يُغرد خارج السرب ويسير عكس الاتجاه والتيار، حيث كان هو يخطو بخطوات سريعة رشيقة إلى الداخل لانقاذ ما يمكن انقاذه، تارًة بسكب المياه على هؤلاء ممن امسكت بهم السنة النيران وتارة اخرى بجلب البطاطين وإلقائها فوقهم.
جدعنة المصريين غلبت "التنين"
مشهدٌ آخر لشاب كان أمامه خياران إما أن يستكين للراحة في بيته لحين مرور حالة الطقس غير المسبوقة التي حذرت منها الأرصاد عرفت حينها بـ "عاصفة التنين"، أو أن يعقد العزم وينطلق بسيارته في شوارع المحروسة لتوصيل أي شخص عالق تحت مياه الأمطار لأي وجهة يقصدها دون شرط أو قيد، إلا نه سرعان ما قاده معدنه الأصيل وفطرته الطيبة إلى الخيار الثاني.
شابٌُ ثان فتح بيته لمن يريد أن يحتمي داخله من شوارع امتلأت بمياه الأمطار، هذا الشخص يُدعى مصطفى درويش، صاحب مطعم بيت روقة بالمهندسين، حيث قرر أن يفتح المطعم لكل شخص يحتاج إلى مكان للإيواء في أيام العاصفة الترابية،، لحين انتهائها.
وآخرون سخروا سيارتهم لانتشال أي سيارة عالقة في المياه .. قصص كثيرة أثبتت أن "جدعنة المصريين" غلبت "التنين" وكانت بمثابة "النصف الحلو" في تلك الأزمة ، لقراءة المزيد اضغط هنـــا