لا تزال واقعة انتحار الشاب المصري الحاصل على بكالوريوس هندسة من جامعة حلوان، من فوق برج القاهرة عالقة فى أذهان البعض رغم مرور 7 أشهر، هذه الواقعة لم تكن الأخيرة بل تبعها وقائع أخرى أكثر قسوة، وخلال الـ24 ساعة الماضية، شهدت البلاد حوادث متفرقة، ونظرًا لفداحة الأمر يذهب البعض إلى كون الانتحار كفر بينما يرى آخرون أنه مرض نفسي وكبيرة من الكبائر.
الواقعة الأولى تمَّت فى أوسيم شمال محافظة الجيزة، حيث أقدم شاب مريض بكورونا على الانتحار داخل منزله، حيث بدت على الشاب أعراض مشابهة لفيروس كورونا قبل 12 يومًا، فتوجَّه إلى مستشفى إمبابة؛ لإجراء الفحوصات اللازمة، وبعد أخذ مسحة منه، تم إخباره بإصابته بالفيروس، وجرى عزله فى غرفة داخل المنزل، بعيدًا عن أفراد أسرته، ومع زيادة الأعراض حاول أحد أقاربه نقله إلى أحد المستشفيات الخاصة لوضعه تحت الملاحظه، ولكن لم يتمكنوا من نقله، فساءت حالته النفسية، وهو ما دفعه للتفكير فى الانتحار، شنقًا بعدما ربط حبلًا بسقف الغرفة التى كان يقيم فيها بمنزله.
الواقعة الثانية، بطلها شاب فى العقد الثالث من عمره، أقدم على الانتحار أمس السبت شنقًا داخل شقته السكنية الكائنة بشارع بلال بن رباح بالسكة الوسطنية التابعة لدائرة ثالث المحلة الكبرى، وبعد انتقال رجال البحث الجنائى إلى موقع الحادث، تبيّن من خلال المعاينة الأولية أنَّ الشاب استخدم حبل غسيل للتخلص من حياته بسبب مروره بأزمة نفسية، وجرى نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى المحلة العام لتوقيع الكشف الطب الشرعي عليها واستخراج تصريح بدفنها.
أما الواقعة الثالثة فتمت فى منطقة العمرانية، حيث عثرت مباحث الجيزة على جثة شاب بالعمرانية يبلغ من العمر ٣٠ سنة، يرتدي كامل ملابسه، وتوصلت التحريات إلى أن الشاب أقدم على الانتحار، وأطلق النار على نفسه بسبب رفض أشقاءه مساعدته ماليا ليتسنى له الزواج.
لا يوجد فى مصر احصائيات رسمية حول هذه الظاهرة، ولكن ما تنشره وسائل الاعلام من فترة لأخرى يشير إلى ارتفاع وتيرة الانتحار فى البلاد خاصة بين الشباب، وذكر تقرير نسبه موقع "فرانس 24" لمنظمة الصحة العالمية أن مصر تفوقت على الدول العربية التي تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية حيث شهدت 3799 حالة انتحار في عام 2016، وتجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات (3095 مقابل 704).
وفي شهر يوليو الماضي رصدت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان 53 حالة انتحار، وفى الفترة من يناير إلى أغسطس 2018، رصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أكثر من 150 حالة انتحار أغلبها لشباب في الفئة العمرية ما بيم 20 و 35 عاماً، وتؤكد التنسيقية أن مصر تشهد 3000 محاولة انتحار سنويا، وأن الرجل هو صاحب العدد الأكبر في حالات الانتحار.
وتتنوع الوسائل التى يستخدمها المصريون فى الانتحار، ما بين الانتحار شنقا أو بالقفز من مكان عال سواء من شرفة المنزل أو مبنى عال كبرج القاهرة أو بتناول قرص سام لحفظ الغلال أو مبيد حشري، أو إطلاق النار، أوالغرق في مياه النيل أو فروعه أو بإشعال النار أو بقيام المنتحر بالطعن بالسكين أو كتم النفس ببلاستر، أو إلقاء نفسه أمام قطارات السكة الحديد والمترو، والبعض يوثق لحظة الانتحار عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعي.
من جانبها أكدت مجلة سكوب إمباير الصادرة باللغة الانجليزية والمهتمة بشؤون الشرق الأوسط، أن البلدان العربية تفتقر إلى حد كبير ثقافة منع الانتحار الذي زادت حالاته في الفترات الأخيرة لا سيما داخل مصر.
وذكرت: "أنه على مدار الأعوام القليلة الماضية، شهد معدل الانتحار في مصر زيادة ملحوظة في ظل التدخل الفقير للقطاعين العام والخاص على حد سواء"، وأوضحت أنه في العالم العربي لا سيما مصر، فإن زيادة الإدراك والوعي بقضية الانتحار لم يكن أبدا على رأس الأولويات ".
وأردفت: "ماذا ينبغي أن يحدث في الفترة المقبلة؟ كل يوم نسمع قصة انتحار مختلفة ولكن بنفس النتيجة، سواء عن طريق القفز من برج أو كوبري أو على قضبان السكك الحديدية في حوادث تفجع القلوب".
وتابعت سكون إمباير: "الانتحار قضية لا يأخذها الكثيرون بشكل جاد بل أنهم حتى لا يعترفون بها"، ووصف التقرير الانتحار بأنه أحد أكبر مسببات الوفاة في العالم مما يكرس الحاجة إلى ضرروة زيادة الفهم والمعرفة المتعلقين بتلك القضية.
وعلاوة على ذلك، بحسب التقرير، ينبغي بذل قصارى الجهود لتقديم المساعدات التي يحتاجها الأشخاص في أحلك لحظاتهم، والحديث أكثر عن تلك القضايا، وتفهم الصراعات التي تجابههم وفقا للمجلة.
وبدروها أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع.
وأوضحت في بيان لها، الأحد، أن المنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم، وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين.