أعاد تعثر المفاوضات المصرية-الإثيوبية-النظر في قدرة القوة الناعمة على تهيئة أجواء أفضل أمام الجانبين، بعد تصاعد مخاوف المصريين من أزمة مياه مقبلة، على خلفية جمود التفاوض بين الأطراف الثلاث (المصري-الإثيوبي-والسوداني).
وبدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رقمًا ثابتًا في معادلة التدخل لإقناع الجانب الإثيوبي بالعودة إلى طاولة التفاوض، نظير ثقل تاريخي يجمع الكنيستين (المصرية-الإثيوبية)، وسلطة روحية مفروضة رغم انفصالهما لصالح الكنيسة المصرية.
قبل نحو عامين-سبتمبر 2015- زار البابا تواضروس الثاني (بابا الإسكندرية -بطريرك الكرازة المرقسية) إثيوبيا لحضور عيد الصليب-أبرز أعياد الكنيسة الإثيوبية-، ولم يخف رأس الكنيسة القبطية رغبته في التحاور مع المسؤولين الإثيوبيين بشأن "مياه النيل"، لافتًا إلى أن الأب متياس الأول –بطريرك إثيوبيا-من الممكن أن يلعب دورًا مساعدًا لمصر في قضية سد النهضة.
وفي مطلع العام ذاته-يناير 2015- استقبل البابا تواضروس الثاني نظيره الإثيوبي "الأب متياس الأول" –بطريرك إثيوبيا-، وسط أجواء تفاؤلية بتحريك ملف "سد النهضة"، عبر وساطة كنسية لدى المسؤولين، تزامنًا مع بدء أعمال البناء.
قبيل مغادرة البطريرك الإثيوبي للقاهرة، عقد مؤتمر صحفي بالمركز الإعلامي للكنيسة، وتتابعت الأسئلة المعنية بقدرة القوة الناعمة على التأثير الإيجابي لدى الجانب الإثيوبي في المفاوضات، غير أنها قوبلت بالصمت من قبل "بطريرك إثيوبيا"، وترك الأمر برمته للسفير الإثيوبي بالقاهرة للرد على كافة التساؤلات في هذا الشأن.
لم يمنع صمت "البطريرك الإثيوبي" تفاؤل المصريين باستعادة الكنيسة المصرية للعلاقة التاريخية مع نظيرتها، واعتبر مراقبون أن الزيارات المتبادلة تعد خطوة أولى بشأن عودة التأثير الكنسي المصري على "إثيوبيا" مثلما كان قبل انفصالهما عام 1959، خلال "فترة البابا كيرلس السادس".
على صعيد إمكانية تدخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدى "الإثيوبية" بعد تعثر المفاوضات في الوقت الراهن، قال الأنبا بيمن منسق العلاقة بين الكنيستين: إن الكنيسة المصرية تمارس دورها كـ"قوة ناعمة"، وتبذل طاقتها بشكل غير مباشر لتهيئة الأجواء أمام المسؤولين، من أجل استكمال المفاوضات.
الأسقف الذي تربطه علاقات مميزة بقادة الكنيسة الإثيوبية، أضاف لـ"مصر العربية" أن العلاقات بين الكنيستين في أفضل حالاتها، معربًا عن تفاؤله بتواصل أكثر إيجابية خلال الفترة المقبلة، واستطرد قائلًا: (كنيستنا تصلي إلى الله لأجل عودة المفاوضات بشأن "سد النهضة").
وأشار بيمن إلى أن الكنيسة القبطية في تواصل مستمر مع نظيرتها "الإثيوبية"، وتمارس دورها في سياق "دبلوماسية شعبية"، معرجًا على أن العلاقات لم تتأثر "سلبًا" بتعثر التفاوض.
منسق العلاقات بين الكنيستين (المصرية-الإثيوبية) لفت إلى أن الزيارات المتبادلة بين البطاركة قبل نحو عامين لم تتطرق بشكل مباشر لـ"أزمة سد النهضة"، مشيرًا إلى أن الكنيسة اعتبرتها خطوة إيجابية باتجاه عودة التطبيع الكنسي بينهما مرة أخرى بعد انقطاع.
لم يستبعد الأنبا بيمن –حسب تصريحاته- طرح قضية "مياه النيل" للنقاش مع الجانب الإثيوبي مرة أخرى-حسبما يرى البابا تواضروس الثاني، مؤكدًا أن ثمة ملف آخر بين الكنيستين ضمن أولويات النقاش، وهو "ملف دير السلطان بالقدس".
في سياق متصل، لا يتوقف البابا تواضروس الثاني عن الإشارة إلى "النيل" كمقدس مصري في صلوات الكنيسة، يحدث ذلك دائمًا حين يلتقي البطريرك وفودًا إفريقية بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
وقال البابا:إن نهر النيل يحتل مركزًا رئيسيًا في صلوات الكنيسة، لافتًا إلى أن الكنيسة لديها صلاة تسمى "الأوشية" يقال فيها: ” اذكر يارب مياه النهر في هذه السنة، باركها".
البابا الذي وقع بروتوكول تعاون مع وزارة الري، والموارد المائية للحفاظ على مياه النيل (أغسطس -2015)، أعرب عن تقديس كنيسته لـ"النيل" على نحو كاشف لاحتفالها بما يسمى "عيد النقطة"، وهو يشير إلى احتفال بأول نقطة مياه تسقط في هضبة الحبشة (إثيوبيا) -19 يونيو من كل عام-، وسمي بعد ذلك بـ"عيد الملاك ميخائيل".
يصف البطريرك لـ"ضيوفه" نهر النيل على أنه أحد أركان المثلث المصري الأصيل الذي يشمل (الإنسان-الأرض-والنهر)، مشيرًا إلى أن الإقامة على "ضفاف النهر" تعد نوعًا من الوجاهة الاجتماعية للمصريين.
لا يتوقف البابا تواضروس الثاني عن التصريح بدور الكنيسة في "أزمة سد النهضة" حين يتعرض لأسئلة الصحفيين، ويؤكد في ردوده على عمق العلاقة التي تربط بين الكنيستين المصرية، والإثيوبية، واصفًا الكنيسة الإثيوبية بـ"الشقيقة".
إبان توقيعه "بروتوكول التعاون المائي" قال البابا: إن الكنيسة الإثيوبية لديها عبارة شهيرة تأتي في " مارمرقس أبونا، وإسكندرية أُمَّنا"-في إشارة إلى تعزيز علاقتهم بالقاهرة.
واستطرد قائلًا: (لدينا علاقات قوية، ونحاول من خلال أبونا متياس بطريرك الكنيسة هناك التحدُّث عن أهمية أن تقوم كل دولة بتنمية مواردها، دون إلحاق ضرر بالدول الأخرى)، كتعزيز لدور الدولة في قضية سد النهضة.
لفت البابا إلى أن الزيارات المتبادلة بين الكنيستين تستحوذ "مياه النيل" فيها على الأولوية القصوى في كافة النقاشات.
يشار إلى أن الكنيسة الإثيوبية تتمتع بسلطة كبيرة، ولديها تأثير هام على حكومة "أديس أبابا"، وانفصلت عن نظيرتها المصرية عام 1959، لكنها قبل ذلك التاريخ كانت تحت سلطة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ورسم البطريرك الإثيوبي قبيل الانفصال "البابا كيرلس السادس".