تمثل التطورات الأخيرة فى ملف سد النهضة، أزمة كبيرة، على كافة المستويات المصرية، لكونها الاعتراف الأول منذ أكثر من ستّ سنوات، على المستوى الحكومي الرسمي بـ"الفشل" نحو إيجاد حلول حاسمة تجاه مواقف السودان وإثيوبيا تجاه مفاوضات السد، والتي وصفتها مصر مؤخرًا بالمراوغة وغير المفهومة.
وتأتي مفاوضات السد الأخيرة، على مستوى الوزراء الثلاثة بمصر إثيوبيا والسودان، بعد "اتفاق المبادئ"، الذي عقد على مستوى الرؤساء فى الخرطوم؛ حيث خرج وزير الري مؤخرًا معلنًا الفشل فى المفاوضات، خاصة بعد نجاح إثيوبيا فى كسب تأييد السودان لموقفها.
هذه التطورات لاقت ردود أفعال داخل المؤسسة التشريعية الممثلة في البرلمان، اقتصرت على التصريحات فقط دون أى تحرك على أرض الواقع، حيث لم يسبق للبرلمان أن اقترب من مناقشة هذا الملف أو مسائلة الحكومة بشأنه منذ انطلاق الدورة البرلمانية في يناير 2015، بالرغم من تقديم بعض الطلبات والأسئلة من جانب النواب بشأن تحركات الحكومة في هذا الملف إلا أنَّ البرلمان لم يتح الفرصة للمناقشة إطلاقًا، وهو الأمر الذي فسرته بعض المصادر البرلمانية بأنه ملف سيادي بمسؤلية الأجهزة الأمنية.
النائب سيد فليفل، رئيس لجنة الشئون الإفريقية، وهو نائب معين من رئيس الجمهورية، يرى أن تدويل القضية فى مجلس الأمن والأمم المتحدة وفق الاتفاقيات الدولية والقوانين التى وقعت عليها دول حوض النيل منذ فترات ماضية قائلا:" لابد من تحرك دولى يكون من خلال رئيس الجمهورية نحو تدويل هذه القضية بالمجالس الدولية".
وأكَّد فليفل لـ"مصر العربية"، على ضرورة أن تكون التحركات سريعة فى ظل المواقف غير المفهومة من جانب السودان وإثيوبيا؛ حيث إن المواقف هذه المواقف ضارة لمصر، ولا يجوز لأى دولة أن ترى دولا تسعى لضررها وتقف مكتوفة الأيدي، مؤكدًا ضرورة التحرك الدولى تجاه هذه القضية إذا استمرّت هذه المواقف بنفس الرؤى والأفكار المضرة لمصر.
وأوضح أن الملف لايزال بيد السلطة التنفيذية، والبرلمان يدعمها فى كل الإجراءات التى تتخذها فى إطار الحفاظ على المياه للمصريين، على مختلف الأصعدة، مشيرًا إلى أن موقف البرلمان لا يتعدى سوى مساندة السلطة التنفيذية في حلّ هذا الملف في أقرب وقت من أجل مصلحة المصريين.
واختلف معه النائب حاتم باشات، رئيس لجنة الشئون الإفريقية السابق ووكيل جهاز المخابرات الأسبق ، بالتأكيد على أن ما حدث في التطورات الأخيرة ما هو إلا تعثر فى المفاوضات وليس فشلها كما تحدث البعض، مؤكدًا على أن الأمل لايزال قائمًا فى الدبلوماسية المصرية لإنجاز هذا الملف دون التوجُّه لاستخدام أي أسلوب من الأساليب الأخرى.
وانتقد باشات في حديث لـ"مصر العربية"، الحديث عن ضربات عسكرية لسد النهضة، وإثيوبيا خاصة أنّ المشهد معقد، ولا يجوز أن يتم بالقوة، وإنما بالدبلوماسية، مشيرًا إلى أنه يتوقع أن يكون موقف السودان هو الحاسم لهذا الملف، وعلى مصر أن تنجز هذا الأمر مع السودان قبل أثيوبيا قائلا:" نحن مصر والسودان دولتا المصب ولابد من توفيق الأوضاع معا من أجل المصلحة العامة".
وطالب باشات السلطة التنفيذية القائمة على إدارة هذا الملف بتفعيل دور الدبلوماسية أفضل من الحديث عن أى شيء آخر، مؤكدا على أن البرلمان ليس له أى دور فى هذه الأزمة، إلا فى تطيب العلاقات بين الدول وبعضها البعض والعمل على توطيد العلاقات قائلا:" أعتقد أن البرلمان ملوش أى دور ملموس فى هذه الأزمة سوى العلاقات الثنائية والتواصل الإفريقى".
واتفق النائب ماجد أبو الخير، وكيل لجنة الشئون الإفريقية، مع باشات، مؤكدًا على أن الاستمرار فى الضغوط الدبلوماسية أفضل بالكثير من الحديث عن ضربات عسكرية، مشددًا على أنَّ مصر لن تقدم أي تنازلات أو تفرط فى الماء، ولكن ذلك من خلال الدبلوماسية وليس الحرب.
وتابع أبو الخير فى تصريحات لـ"مصر العربية"، على أن البرلمان يدعم التحركات للحكومية فى هذا الملف، ونتمنى أن يتم حسمها بشكل نهائي، في أقرب وقت ممكن.
وأشار إلى أنَّ مصر لا تزال تعاني من تطورات الأوضاع إبان 2011 وحالة الفوضى التى مكنت بعض الدولة ومنها إثيوبيا في أن تتحكم فينا في التوقيت الحالي.
وقال عضو مجلس النواب، بأن مصر مطالبة بأن تستمر فى دورها نحو العمق الإفريقى، ولا يجوز أن نتحدث عن ضرب أثيوبيا عسكريًا؛ لأن ضرب السد هو ضرب لإفريقيا وهذا أمر مثير لا يجب اللجوء له، مشيرًا إلى أنَّ اتفاق المبادئ الذي تم على مستوى الرؤساء فى 2015 أوضح نية مصر الصافيه نحو إفريقيا وإثيوبيا فى أن مصر مع بناء أي سد ولكن وفق ضوابط، ومن ثم لا يجوز لإثيوبيا أن تتراجع فى موقفها الآن وتغاير ما تم الاتفاق عليه.
وبمحازاة تلك التصريحات، كان النائب هيثم الحريرى، عضو مجلس النواب، قد تقدم بطلب إحاطة لرئيس الوزراء، بشأن المفاوضات فى هذا الملف وما تم إعلانه من قبل وزير الري بأن هذه المفاوضات فشلت، مؤكدًا على أن إثيوبيا تستمر في بناء السد دون الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود، وكذلك المبادئ التي أنشأ عليها الاتحاد الإفريقى التي أقرها الزعماء والقادة الأفارقة عند إنشاء المنظمة.