بعد فشل 17 جولة من المفاوضات التي بدأتها اللجنة الثلاثية لدراسات سد النهضة الإثيوبي ومدى تأثيره على دول المصب، كان لزاما على مصر تحديدا -المتأثر الأكبر من خطورة السد- التحرك لمواجهة كم المخاطر التي ستتعرض لها في حالة إصرار إثيوبيا على غلق المنافد لملء السد لفترة تصل 5 أعوام، وهو ما يعني بوار الكثير من الأراضي الزراعية في مصر.
ففي 12 نوفمبر الجاري، أعلن وزير الري المصري، محمد عبد العاطي، عن تعثر جديد في مباحثات سد "النهضة" الإثيوبي، الأمر الذي زاد المخاوف بشأن حصة مصر من مياه النيل ومدى تأثر الزراعة فيها وربما الحياة بشكل كامل.
جاء ذلك وفق بيان لوزارة الري المصرية، أعقب اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد "النهضة" على المستوى الوزاري (تضم مصر والسودان وإثيوبيا)، الذي استضافته القاهرة على مدار يومي السبت والأحد.
وقال عبد العاطي، إن الاجتماع الثلاثي "لم يتوصل إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات، فنية حول آثار سد النهضة على دولتي المصب (مصر والسودان)".
وفي إبريل الماضي، صدر التقرير الاستهلالي، عن الاستشاري الفرنسي، ولم تستطع الدول الثلاث التوافق حوله على الرغم من الاجتماعات المتكررة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، بجانب إعلان مصر موافقتها المبدئية عليه في شهر أكتوبر الماضي.
وأوضح الوزير المصري، أن "مصر وافقت مبدئيًا على التقرير الاستهلالي، على ضوء أنه جاء متسقًا مع مراجع الإسناد الخاصة بالدراسات (لم يوضحها)، التي تم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث".
وأشار إلى أن "طرفي اللجنة الآخرين (السودان وإثيوبيا) لم يبديا موافقتهما على التقرير (الاستهلالي)، وطالبا بإدخال تعديلات عليه تتجاوز المتفق عليها، وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية على نحو من شأنه أن يؤثر على نتائج الدراسات، ويفرغها من مضمونها"، دون مزيد من التفاصيل.
وأعرب عبد العاطي "عن قلق مصر من هذا التطور، لما ينطوي عليه من تعثر للمسار الفني".
وحذَّر الوي المصري من أن هذا التعثر "يُثير القلق على مستقبل هذا التعاون، ومدى قدرة الدول الثلاث على التوصل للتوافق المطلوب بشأن سد النهضة، وكيفية درء الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه بما يحفظ أمن مصر المائي".
ولم يحدد عبد العاطي، موعدًا للاجتماع المقبل حول التقرير؛ غير أن مصر اعتادت في الشهور الأخيرة انتقاد البطء في أداء دراسات "سد النهضة"، والتأكيد بين وقت وآخر أن المياه مسألة حياة أو موت.
ويقوم الاستشاري الفرنسي من خلال الدراسات، حسب اتفاق بين الدول الثلاث في سبتمبر 2016، بإعداد ملف فني عن السد وآثاره وأضراره، بالإضافة إلى تحديد أنسب آلية للملء (لخزان السد) والتشغيل، التزامًا بأهم بنود اتفاق المبادئ الذي وقعه قادة الدول الثلاث، في مارس 2015.
ويتضمن الاتفاق بين الدول الثلاثة 10 مبادئ أساسية، تحفظ في مجملها الحقوق والمصالح المائية، وتنسيق القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية.
التحرك المصري:
الخارجية المصرية، من جانبها بدأت التدخل وأعلنت مساء الثلاثاء، أن لديها خطة تحرك واضحة فى التعامل مع ملف سد النهضة تبدأ بـ"إشراك المجتمع الدولى بتفاصيل المفاوضات".
وأوضح أحمد أبوزيد، المتحدث باسم الخارجية، أن ملف سد النهضة يتحرك على مسارين أحدهما فني والآخر سياسي.
وأشار في تصريحات تليفزيونية إلى أن "المسار الفنى فى ملف النهضة أساسى ومهم لأنه من خلاله يتم إعداد الدراسات حول تأثير السد على دولتى المصب (مصر والسودان) والتوصل إلى نتائج تتوافق عليها بين الدول الثلاث فهو مسار لا غنى عنه وضرورى أن يصل إلى نهايته".
وتابع أبوزيد: "وأي تعثر فيه يأتى بعده الدور السياسى لإزالة الخلافات وإظهار الإطار السياسى الحاكم لهذه العلاقة الثلاثية، لأنه يوجد اتفاق إطاري (الموقع في مارس 2015) يجمع الدول الثلاث".
وحسب اتفاق الدول الثلاث في سبتمبر 2016، يعد المكتب الاستشاري الفرنسي ملفًا فنيًا عن السد وآثاره وأضراره، إضافة إلى تحديد أنسب آلية لملء خزان السد والتشغيل.
ويجسد عمل المكتب الاستشاري الفرنسي التزامًا بأهم بنود اتفاق المبادئ الذي وقعه قادة الدول الثلاث، في مارس 2015، والذي يتضمن 10 مبادئ أساسية، تحفظ في مجملها الحقوق والمصالح المائية.
ولفت المتحدث باسم الخارجية المصرية "نحن في مرحلة إشراك المجتمع الدولى فى معرفة التفاصيل، وأين تقع العثرات وسبب التعثر فى هذا الملف، ومن المسؤول عن تعثر هذا المسار"، في إشارة إلى إثيوبيا.
وأضاف: "تم تكليف السفارات المصرية فى الخارج لشرح ما وصلت إليه المفاوضات والمرونة التى تعاملت بها مصر فى هذا الملف على مدار الأشهر الأخيرة والتأكيد على أهمية الالتزام بالاتفاق الإطاري".
وتابع المتحدث باسم الخارجية المصرية: "ثم الانتقال إلى مرحلة التحرك السياسى التى تتطلب أن يمارس المجتمع الدولى الضغط على الأطراف التى تتسبب فى تعثر هذا الملف، وهناك اتصالات سياسية مباشرة بين مصر وإثيوبيا".
وقال إن الجانبين بصدد عقد اللجنة العليا المشتركة بالقاهرة على مستوى رئيس الوزراء الإثيوبي (هيلي ماريام ديسالين)، والرئيس عبد الفتاح السيسى فى شهر ديسمبر المقبل، ستتيح الفرصة للحديث على مستوى القيادة السياسية".
وعلى مدار اليومين الماضيين، حظي ملف سد النهضة باهتمام واسع من كافة برامج الفضائيات المصرية سواء الحكومية أو الخاصة.
وعادة ما تشير تقارير صحفية مصرية إلى أن الخلافات ترتكز حول عدد سنوات تخزين وملء السد الإثيوبي، الذي بدأ إنشائه عام 2011.
وكانت مصر أعلنت، في أكتوبر الماضي، موافقتها المبدئية على التقرير الاستهلالي.
وتتخوّف القاهرة من تأثير سلبي محتمل لسد "النهضة" على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب) مصدر المياه الرئيسي في مصر.
خسائر مصر من السد:
الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة، قال: إثيوبيا تنوي تخزين وحجز نحو 75 مليار متر مكعب خلف بحيرة السد؛ ما سيؤدي إلى بوار أراضي زراعية بسبب نقص حصة مصر المائية، بجانب اختفاء أنواع هامة من الأسماك في النيل، وكذلك التأثير على الكهرباء المتولدة من السد العالي.
وأضاف في تغريدات على صفحته الشخصية، أن مصر طالبت بتخزين المياه خلف السد على مدار 10 سنوات؛ حتى لا يكون هناك تأثيرا كبيرا عليها، لافتًا إلى أن إثيوبيا أعلنت دون الرجوع إلى القاهرة، وأنها ستزيد عدد توربينات الكهرباء حتى تولد 6450 ميجا وات، ما يعني زيادة مساحة التخزين ببحيرة السد إلى أكثر من 74 مليار متر مكعب، بما يؤثر سلبا على حصة مصر المائية.
وأكد أن بحيرة السد العالي ستفرغ تماما من المخزون الاستراتيجي بها كما سيتحول نهر النيل إلى ترعة إذ خزنت إثيوبيا المياه كما تخطط، ويجب ألا تخزن أثناء فترة الجفاف.
من جانبه، قال الدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، "إن النظام الحاكم يريد إقناعنا اليوم بأنه نظام "كيوت"، أظهر من النوايا الحسنة ما لم تتجاوب معه إثيوبيا والسودان التى أعلن سفيرها فى مصر أن مصلحة الشعب السودانى مقدمة على ما عداها ! ... لا ألوم إثيوبيا ولا السودان على ما ذهبا إليه، فعلى هذا المبدأ الأولى - أعنى مبدأ المصلحة - تقوم السياسة الدولية، لكننى ألوم الغافل الذى يراوغ كى لا يعترف بغفلته، أو ربما خيانته لما أقسم عليه حين تولى المسؤولية".
وأضاف في مقالة له، "حديث المؤامرات الدولية والإقليمية على مصر قد يكون مقبولاً فى حدود زمانية وموضوعية معينة، أما استمراء الحديث عن هذه المؤامرات لتبرير كل فشل فهو حيلة بائسة لإنكار بؤس النظام الحاكم؛ فالجوارح لا تجتمع إلا على فريسة تتسرب منها أسباب الحياة .. فريسة تحتضر وتترنح انتظاراً للحظة الموت التى هى بمثابة دعوة لكل الجوارح للانقضاض على فريستها".