جولة سابعة عشر من المفاوضات التي بدأتها اللجنة الثلاثية لدراسات سد النهضة، على مدار يومين استضافتها القاهرة خلال 11 و12 نوفمبر الجاري ، لكنها انتهت بالفشل في التوافق مع الجانب الإثيوبي على التقرير الاستهلالي ، الذي أعدته الشركة الاستشارية المختصة بإنهاء دراستين متعلقتين بآثار السد على دولتي المصب مصر والسودان.
تقرير اللجنة
التقرير الذي أعدته اللجنة المختصة حول السد، طالب الجانب الإثيوبي بإدخال بعض التعديلات على السد، لتقليل حجم الأضرار الواقعة على دولتي المصب، لكن إثيوبيا رفضت هذا الأمر، مؤكدة أنها أجرت دراسات وافية ودقيقة حول عمليات البناء وتأثيرات سد النهضة على دول المصب.
ما يؤكد خطورة الوضع الحالي، والخوف مما هو آت في المستقبل القريب، أنه وللمرة الأولى تخرج تصريحات رسمية من جانب الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، بفشل المفاوضات مع إثيوبيا.
مسار المفاوضات انتهى
من جانبه قال الدكتور هاني رسلان، الخبير بمركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية في الشأن الإفريقي ، إنه لا يجب على مصر الاستمرار في مسار المفاوضات الخاصة بسد النهضة مع الجانب الإثيوبي أكثر من ذلك.
وأضاف رسلان، لـ "مصر العربية"، أن إعلان وزير الري المصري على الملأ فشل المفاوضات مع إثيوبيا، دليل قاطع على إضاعة مصر للوقت خلال الفترات الماضية، وعلى إصرار إثيوبيا في المضي قدما نحو تنفيذ مخططها، وكل ما تقوم بفعله هو المماطلة لكسب مزيد من الوقت حتى الانتهاء من عمليات البناء، وبالفعل نجحت في هذا.
وأشار رسلان، إلى أن عمليات بناء السد تجاوزت مرحلة كبيرة، وإثيوبيا على وشك البدء في عمليات توليد الكهرباء مع نهاية العام الجاري أو الربع الأول من العام المقبل، بعد تركيب بعض التوربينات، وفقا لآخر تصريحات رسمية من أديس أبابا.
موقفنا صعب
وأكد أن موقف مصر في الوقت الحالي صعب للغاية، خاصة مع انضمام السودان إلى جانب إثيوبيا، وتأييدها في عملية بناء السد، وهذا ظهر جليا عبر عدم تأييدها لموقف مصر في ضرورة إجراء تعديلات على جسم السد.
وطالب رسلان، بضرورة الإسراع في التدخل السياسي لحل القضية، لأن مسار المفاوضات أصبح من الماضي، متوقعا أن يكون التحرك خلال الفترة المقبلة من القيادة السياسية نفسها.
كما صرح نادر نور الدين، خبير الموارد المائية، بأن إثيوبيا على وشك بداية تشغيل المرحلة الأولى من سد النهضة، دون أدنى اهتمام بمسار المفاوضات مع مصر والسودان.
صورة خاصة لـ"مصر العربية " من موقع بناء السد
مخاطر كارثية
وحذر نور الدين، في حديثه لـ "مصر العربية"، من التداعيات الخطيرة على مصر جراء اكتمال السد، وتحقيق إثيوبيا ما تريده بتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه خلفه، الأمر الذي سيؤدي إلى بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في مصر التي تعتمد على النيل بشكل رئيسي في الزراعة وفي الحياة.
ورأى نور الدين، أن لجوء مصر إلى زراعات قليلة استخدام المياه جزء من حل الأزمة، لكنها ليست الأهم، خاصة وأن تأثير السد على خفض نسبة مصر من المياه يزامنه ارتفاع واضح في أعداد السكان، والتي لا تكفيهم الحصة الحالية لمصر من مياه النيل والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا.
إلى جانب تأثيرات السد على الزراعة، سيكون له تأثيرات أخرى على معدل الفقر المائي، والذي سيقل بشكل كبير عن النسبة الحالية.
تعهد كتابي
وأوصى الخبير المائي بضرورة العمل على مواصلة الزيارات واللقاءات لدول حوض النيل والعمل على كسب تأييد السودان لشرح الأضرار التي ستلقاها القاهرة جراء سد النهضة، مطالبا بضرورة الحصول على تعهد من إثيوبيا بشكل كتابي بالحفاظ على حصة مصر في مياه نهر النيل.
عن السد
وتشارك عدد من الشركات في عمليات بناء السد، حيث تعاقدت الحكومة الإثيوبية مع شركتين للمقاولات، الأولى "ساليني اميرجيولو" وتختص بالأعمال الهيدروليكية ونظام التحكم في المشروع، وهذه الشركات تعتبر أيضًا مسئولة عن الأعمال الاستشارية ويشارك فيها خبراء من إيطاليا وفرنسا.
وتتولى الشركة الإثيوبية للكهرباء الأعمال التنفيذية، ويدار المشروع من قبل المكتب الإثيوبى لمشروع سد النهضة، بالمشاركة مع شركة "كوني بيلير" الفرنسية، وشركة "إليك إليكتروكونسلت" الإيطالية.
وتمتد الإنشاءات في جسم السد الرئيسي بطول 1870 مترا، على ارتفاع 145 مترا، ويشتمل على محطتين خارجيتين ناحية المصب من أجل توليد الكهرباء، وبالفعل تم الانتهاء من إنشائهما.
يحتوي تصميم جسد السد على 16 توربينة لتوليد الكهرباء، تستقر المحطة الأولى يمين جسد السد ويوجد بها 10 توربينات، والمحطة الأخرى بجانب الجزء الأيسر وبها 6 توربينات.
وفقا لما تم نشره كل توربينة ستكون مهتصة بتوليد 375 ميجاوات من الكهرباء، أي أن الطاقة الإجمالية ستصل إلى 6 آلاف ميجاوات، كما أن محطات الضغط العالي تعتبر الأعلى في القارة الأفريقية، وتصل قدرتها إلى 500 كيلو فولت، ما يساعد على نقل وتوزيع الكهرباء بدون فواقد لمسافات بعيدة.
مدير مشروع السد يتحدث لـ"مصر العربية " من موقع الإنشاءات
الحلول السياسية
السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، رأى أن مصر يجب عليها المضي قدما في طريق التفاوض حتى لا تظهر أمام العالم بأنها ترفض المفاوضات، في الوقت الذي ترفض فعليا إثيوبيا التفاوض، لكنها تظهر أمام العالم أنها مرحبة بأي مباحثات لحل الأزمة وعدم الإضرار بدول المصب للنيل الأزرق.
وأوضح بيومي، لـ "مصر العربية"، أنه يجب على مصر خلال السعي في مسار المفاوضات تصعيد الأمر دوليا، عبر اللجوء إلى مجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة، والمحكمة الدولية، نظرا لأن ما تقوم به إثيوبيا سيهدد حق المصريين في الحياة، وهو أهم حق للإنسان، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تعتمد كليا على مياه النيل الأزرق.
أوراق ضغط
وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر لديها مجموعة من أوراق الضغط الدولية، ومنها معاهدة 1902، والتي وقع عليها ملك إثيوبيا مع بريطانيا، وتقضي بشكل رسمي بعدم إقامة أي مشروعات على عدة أنهار منها النيل الأزرق، يمكن أن تؤدي إلى منع أو تقليل وصول المياه إلى دولتي المصب، مصر والسودان.
ووفقا لهذه المعاهدة، تلتزم إثيوبيا أيضا بإخطار مصر والسودان عند عزمها إقامة أية مشروعات، وبدء عملية التفاوض معها قبل البدء في تنفيذها.
وأكد السفير جمال بيومي، أن إثيوبيا موقعة على اتفاقية فيينا للتوارث الدولي لعام 1978، وهذه الاتفاقيات لها قدسية كبيرة على الصعيد الدولي.