سبع سنوات من المحاولات إلا أنّ القاهرة لم تنجح حتى الآن في الحيلولة دون مخاطر سد النهضة الإثيوبي، الذي يهدد بتقليص حصة مصر من مياه نهر النيل، وهو ما قد يؤدي إلى تردي الأحوال المعيشية ودخول البلاد في أزمة جديدة.
لكن الأيام الأخيرة حملت أخبارًا غير سارة بعد تعيين وزير المياه الإثيوبي سلشي بيكيلي رئيسًا لمجلس وزراء مبادرة حوض النيل.
وتقول تقارير بحثية أنّ الدبلوماسية المصرية لم تصل لحل خلال السنوات الماضية في تلميحات لاحتمالية وجود خيار أمني للضغط على أديس أبابا لتغيير توجهاتها بما يحمي مصر من مخاطر السدّ.
** وزير إثيوبي
في آخر زيارة نظمها الخبراء التقنيون المصريون إلى إثيوبيا في 17 أكتوبر الماضي لبدء محادثاتهم مع زملائهم الإثيوبيين حول المضاعفات المتوقّعة للسد فوجئوا بخبر تعيين الوزير الإثيوبي في منصبه الجديد وهو ما قد يؤثر على مجريات التفاوض التي تخوضها القاهرة مع أديس أبابا لتقليل مخاطر السد بحسب مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط.
**توترات حادة متوقعة
وذهب التحليل الذي كتبه الباحثتان "ميشيل دنّ وهي باحثة أولى في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، وتتركّز أبحاثها على التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وخصوصاً في مصر، و البروفيسورة “كاثرين بولوك” الباحثة بالمركز، فإن العام 2018 المقبل سيحمل في ثناياه توترات حادة بين مصر وإثيوبيا حول الماء.
**مؤشرات سلبية
وبنت الباحثتان رؤيتهما في تقريرهما المنشور في 23 أكتوبر الماضي بناء على أن بناء سد النهضة يوشك على الانتهاء، وتبدأ إثيوبيا حاليا استعداداتها لملء خزاناته، كما أن السودان يتجه لوضع خطط تهدف إلى استخدام المزيد من تدفقات النهر، وهو ما يوحى بأن الأفق يحمل بوادر اندلاع أزمة مياه في مصر.
** صراع شامل بعد فشل الدبلوماسية
ولفت الباحثتان إلى أن أزمة سد النهضة مثل تتزامن لن تُضاف إلى المتاعب المحلية الكبرى التي تعيشها مصر وحسب (اقتصاد متنح، وخروقات فاضحة وكاسحة لحقوق الإنسان، ورئيس غير شعبي يواجه عملية إعادة انتخابه)، بل ربما تكون مفتوحة على احتمال نشوب صراع شامل في القرن الإفريقي.
التقرير الذي حمل عنوان "نهر السخط" أكد أن الحكومة المصرية لم تتغافل طوال السنوات الماضية هذه التحديات، وعلى رغم أن عدم الاستقرار السياسي الذي ضرب البلاد منذ العام 2011، حاولت الحكومات المتعاقبة عرقلة بناء السد أو الحد من مخاطرة من خلال 15 جولة دبلوماسية منذ العام 2010 لإقناع إثيوبيا بالالتزام بالاتفاقية التي أُبرمت في حقبة الاستعمار والتي تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً والسودان 18.5 مليارا.
وقال التقرير إن إثيوبيا ودول المنبع الأخرى تشكك بشرعية هذه الاتفاقية، حيث أنها لم تكن طرفاً فيها كما أنها لم تراعي احتياجاتها المائية، وبموجب مبادرة حوض النيل، وقّعت إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي اتفاقية إطارية للتعاون في العام 2010 تستهدف "تعزيز الإدارة التكاملية، والتنمية المستدامة، والاستخدام المنسّق لموارد مياه الحوض".
** علاج في غير محله
ونوه التقرير إلى أن مصر تسعي من خلال مشاريع التنمية لتحسين أداء استخدامات المياه من خلال معالجة مياه الصرف الصحي إلا أن ذلك لن يكون مجديا بشكل كبير ﻷن البلاد قد تفقد ربع حصتها المائية مع بدء ملئ الخزان، كما أن مياه الصرف الصحي معظمها مُصمّم لخدمة المناطق المدينية أو الصناعية، خاصة المشاريع الكبرى التي يتخصص بها الجيش المصري على غرار العاصمة الإدارية الجديدة التي ستُبنى شرق القاهرة.
واعتبر التقرير هذه المشروعات بمثابة تحويل للانتباه عن المشروعات الأكثر إلحاحا والتي يجب توجه لقطاع الزراعة تحديدا.
** حملة أمنية
وربط التقرير إلى أن معلومات غير موثقة تشير لاحتمال اللجوء إلى الضغوط الأمنية لتحقيق ما عجزت الدبلوماسية والتنمية عن إنجازه، وتشي الشائعات حول وجود قوات مصرية في أريتريا وعن دعم مصري للمتمردين الإثيوبيين بتصاعد وتفاقم التوترات في المنطقة.
لكن الدكتور هاني رسلان، خبير الموارد المائية، ينفي في حديثه لـ"مصر العربية" احتمالية توجيه ضربة عسكرية لسد النهضة، قائلا إن هذا أمر لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع خاصة بعد أن وقعت مصر مع إثيوبيا والسودان الاتفاق الثلاثي "إعلان المبادئ" عام 2013، بما يعني أن مصر وقعت على موافقتها على إنشاء السد.
السيسي يوقع على اتفاقية إعلان المبادئ
وأضاف الخبير في موارد المياه أن سد النهضة بمرور الوقت يصبح أمرا لا مفر منه، وكل يوم يمضي يقرب الخطر على مصر بصورة أكبر.
ونوه رسلان إلى أن هناك توجهات إثيوبية نحو الإدارة المنفردة لسد النهضة في مسألة التشغيل، وهى التي تعرقل مهام اللجنة الثلاثية المعنية بدراسة المخاطر الفنية التي قد تنجم عن السد.
ومن الناحية الدبلوماسية يؤيد الدكتور مصطفي الفقي مساعد وزير الخارجية الأسبق والمدير الحالي لمكتبة الإسكندرية التوجه القائل بإخفاق الدبلوماسية المصرية في حل أزمة السد.
وقال في تصريحات تلفزيونية له يجب على أن تعطي الدولة مزيد من الاهتمام بملف سد النهضة، كما كانت تفعل في السابق، مشيرًا إلى وجود تهدئة في الوقت الحالي.
وطالب بإنشاء مفوضية تتبع رئيس الجمهورية مباشرة تختص بملف سد النهضة، وتضم عدة وزراء من بينهم الخارجية والري.
وبالتزامن مع تقرير كارينجي قال تقرير وثائقي أعده فريق عمل "بي بي سي" عن تعرض نهر النيل للكثير من المخاطر التي باتت تهدد وجوده، لكنه ركز على خمسة مخاطر رئيسية.
**صراع السدود
وذكر التقرير أن أكبر المخاطر هو ما سماه "صراع السدود" مشيرا إلى أن أكبر سد يمثل خطرا على النهر هو سد النهضة الإثيوبي، الذي يزيد طوله عن الميل وبامكانه توليد 7 ميجاوات من الطاقة الكهربائية".
** خيار عسكري وارد
ويلتقي تقرير بي بي سي مع كارنجي في أن مصر قد تلجأ للحل العسكري لافتا إلى أن مصر اشترت سفينتين حربيتين فرنسيتين من فصيلة "ميسترال" لهما القدرة على ضرب الأهداف البعيدة، وذلك في خطوة يقول محللون إنها تهدف – جزئياً على الأقل – إلى إيصال رسالة إلى أثيوبيا.
**مخلفات المدن
ووفقًا للتقرير، فإن توسّع المدن حول نهر النيل في الدول التي يمر بها يمثل خطرًا عليه، لاسيما مع ازدياد كمية المخلفات الناتجة عنها، ومنها مدينة الخرطوم، التي لم يتم توسيع شبكة الصرف الصحي فيها منذ عقود.
ونتيجة غياب مرافق التعامل مع الفضلات، تعمد الشركات والمصالح والمصانع إلى رمي القاذورات والفضلات، من المخلفات السامة في مياه النيل الملوثة أصلاً بالمواد الكيميائية.
** 3 مخاطر
وبحسب التقرير التغيّرات المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة، وزحف ظاهرة التصحر نحو النيل، فإن النهر بات في خطر محدق، و"تمددت الصحراء بمسافة 120 كيلومترًا في الأحراش الواقعة إلى الجنوب من الخرطوم في السنوات الـ 30 الأخيرة، حسب ما يقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة كما تستمر درجات الحرارة بالارتفاع بشكل ملفت، مما يزيد من نسبة التبخر في النيل".