رئيس التحرير: عادل صبري 09:14 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

تحقيق | "كلا الباب"..كله من خير إيطاليا

تحقيق | كلا الباب..كله من خير إيطاليا

أخبار مصر

إحدى منازل كفر كلا الباب بمحافظة الغربية

قشة الغريق (4-10)

تحقيق | "كلا الباب"..كله من خير إيطاليا

أحلام حسنين - سارة نور 24 ديسمبر 2016 17:37

عربة كارو محملة بـ"أكل الماشية" ونساء يرتدين الزي الفلاحي، بدى ذلك هو الملمح الوحيد الذي وقف صامدا  ليدلل على قروية المكان، بعد طريق طويل انتشر على جانبيه فيلات وعمارات شاقهة ومحال تجارية ضخمة، اختفت معها ملامح القرية المرسومة في الأذهان.

 

 

                                                                                                   المنازل بكفر "كلا الباب"

 

 

الطريق إلى كفر "كلا الباب" بمركز السنطة بمحافظة الغربية، متعرج كثير المطبات ممراته ضيقة، تنشغل عنه بالالتفاف إلى تلك العمارات المبنية على أحدث طراز، تتعجب معها كيف لقرية ريفية أن تصل إلى هذا التطور، لكن سرعان ما تجد الإجابة على لسان أحد أبنائها "كله من خير إيطاليا".

 

                                                                                        أحد المنازل بكفر كلا الباب

 

                                                                                        أحد المنازل بكفر كلا الباب

 

 

في دراسة حديثة لعام 2015 أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول الهجرة غير الشرعية جاءت الغربية ضمن المحافظات الأكثر تصديرا لها.

 

 

 

                                دراسة عن المحافظات الأكثر تصديرا للهجرة غير الشرعية

 

 

ومن هنا انطلقنا إلى "كفر كلا الباب"، وما أن وطأت أقدامنا القرية بدا واضحا آثار الهجرة على بناياتها وشوارعها ومستوى معيشة أفرادها والفرق بين من هاجر ومن انتظر يتلهف فرصة العبور إلى إيطاليا .

 

 

وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج نبيلة مكرم، قالت في تصريح لها يوم 26 أكتوبر المنصرم، إن معظم من قابلتهم أثناء عملها في إيطاليا من قرية كفر كلا الباب، لذا اعتقدت حين زارتها مؤخرا لتوعية أهلها بخطورة الهجرة غير الشرعية أنها ستقابل سيدات فقط لكون كثير من الراجل قد هاجروا إيطاليا .

 

 

ما تحدثت عنه الوزيرة تراه متجسدا في كل أنحاء القرية، أحد أهلها أخبرنا أن "كلا الباب" من أغنى القرى ونحو 50 ألف من أصل ما يزيد عن 80 ألف من سكانها هاجروا لإيطاليا على مدى 10 سنوات، وتزايدت بكثرة بعد ثورة 25 يناير.

 

 

السائق الذي كنا نستقل سيارته، دلناعلى منزل أحد الأهالي فقد ابنه في مركب هجرة غير شرعية في شهر يونيو الماضي وإلى الآن لا يعلم عن مصيره شيئ.

 

 

قادنا طفل "أحد أقارب الغائب" إلى منزله بواسطة عربة كارو، وأخبرنا في الطريق أنه سيسافر إيطاليا قريبا مع والده الذي يحمل جنسيتها، وقبل استرساله في الحديث وجدنا أنفسنا أمام منزل كبير مبني على أحدث طراز، في مدخله مكانا واسعا مخصصا لتربية الدواجن والطيور .

 

 

 

                                                                  محمد عبد الوهاب ..خال أحد المفقودين

 

 

استقبلنا محمد عبد الوهاب خال المفقود، ووالد الطفل الذي اصطحبنا إلى المنزل، حدثنا في البداية عن رغد العيش الذي يلقاه في إيطاليا وطبيعة الحياة هناك من طعام وشراب وعلاج ومسكن وملبس.

 

وإن كانت هذه المغريات التي يلقي الأطفال والشباب أنفسهم في البحر من أجلها، سعى إليها "عبد الوهاب"، بزواجه من إيطالية أثناء عمله بشرم الشيخ، لتمنحه الجنسية ويبتعد بنفسه عن مخاطر الهجرة غير الشرعية.

 

القرية هنا عرفت طريقها إلى الهجرة غير الشرعية منذ أعوام بعيدة، كانت في البداية عن طريق تزوير تأشيرات للسياحة لإحدى البلدان ومن ثم تهريب المهاجرين بالقطر الدولي إلى حيثما شاءوا، أما الآن فأصبح طريق البحر الأسهل والأقل تكلفة حتى بات في الآوانة الأخيرة مقصد أسر بأكملها تسلكه للهروب إلى إيطاليا أو اليونان غير عابئين بخطورة الرحلة، بحسب "عبد الوهاب".

 

 

وفي يوم "جاء عبد الرحمن" ذو الـ16 عام، إلى والده شارد الذهن في الجنة التي تنتظره في إيطاليا، والمغريات التي وعده بها أحد سماسرة الهجرة، ليصبح حلمه بالصورة التي ارتسمت في مخيلته عنها، حقيقة يعيشها على أرض الواقع.

 

 

لم يترك الصبي، الطالب بالصف الأول التجاري، خيارا أمام والداه ليوافق على هجرته أو رفضها، فقط يخبره ليسدد بعد رحيله 25 ألف جنيه لـ "السمسار" بمجرد وصوله إيطاليا، إلا أنه منذ ذلك الحين لا يعلم الأب عن مصير ابنه شيئا، فساءت حالته النفسية ممتنعا عن الحديث تاركا الأمر لشقيقه .

 

 

3 يونيو الماضي ذاعت أنباء عن غرق مركب على متنها 700 مهاجر بطريقة غير شرعية، بالقرب من جزيرة كريت اليونانية، ولما غاب الاتصال المنتظر من الابن أيقنا الأبوان أنه من بينهم، فهرولا إلى وزارة الخارجية عساه يكون واحدا من الـ300 شخص الناجيين، أو جثة من الـ 100 غريق.

 

 

                                                                         ضحايا مركب 3 يونيو

 

 

 

ما بين مباحث الأموال العامة ووزارة الخارجية، كانت رحلة الأب والخال طوال الـ 5 أشهر الماضية للبحث عن الابن الغائب، ولكن لم يتلقيا ردا يخمد نيرانهما سوى إجابة واحدة "اسمه لم يرد في الأموات أو الناجيين.. والجهود الذاتية هتوصل قبلنا".

 

 

"الجهود الذاتية هتوصل قبلنا"، جملة خرقت آذان الأب والخال سربت إلى أنفسهم اليأس من مساعدة وزارة الخارجية في الاستدلال على ابنهم، فراحا يمنون أنفسهم بأنه ربما يكون محتجزا لدى السلطات اليونانية، وسيخرج بعد حين، كما حدث من قبل مع أحد جيرانه بالقرية.

 

 

لم يجد "عبد الوهاب" سبيلا للانتقام ممن تسبب في فقدان نجل شقيقه، سوى الإبلاغ عن 20 شخصا هم سماسرة الهجرة غير الشرعية بالقرية، المنتشرين على مقاهيها يغرون الأطفال "تروح إيطاليا وتعيش زي صحابك هناك تلبس أحلى لبس، وتبني بيت وتشتري عربية أحدث موديل، والفلوس هتدفعها بعد ما توصل".

 

 

مر 5 أشهر على البلاغ ولم تستدع مباحث الأموال العامة أيا من السماسرة لتسألهم عما يقترفوه من أموال جراء تهريب المهاجرين، لايزالون طلقاء يمارسون عملهم في وضح النهار ويواصلون الرحلة تلو الأخرى.

 

 

ليشير"عبد الوهاب" إلى أن أحد أشقاء المهاجرين أبلغ مدير الأمن بموعد انطلاق مركب 3 يونيو ومكانها لرفضه سفر أخيه، ومع ذلك خرجت المركب من ميناء أبو قير بالإسكندرية .

 

 

 

 

                                                                                       عبد الفتاح.. والد أحد المفقودين

 

 

وبجوار منزل عبد الوهاب، يجلس "عبد الفتاح" ينتظر اتصالا من صغيره الغائب ذو الـ 15 عام، يخبره أنه لايزال على قيد الحياة، أو آخر من الخارجية المصرية تستدعيه لاستلام جثة ابنه، الذي لطالما انتظر قدومه للحياة ليصبح ولدا وحيدا بعد 5 إناث.

 

 

كان يظن حين أذن لابنه بالهجرة أنه سيعيش حقا طيب الحياة ورغدها، يرسل إليهم أموال كثيرة يبني بها منزل ضخم كمثل ما آلت إليه معظم منازل القرية بفضل من هاجروا قبله، ويقتطع جزءا منها لجهاز أخواته وجزء ثالث يكنزه ليزوجه به عندما يبلغ أشده، فالزواج في القرية ارتفع سعره لتصل شبكة الفتيات إلى 100 ألف جنيه لتليق بشاب يعيش في إيطاليا .

 

 

"لو عارفين نعيش هنا مكنش سافر، كل يوم الشباب بيموت ويرمي نفسه في التهلكة من قولة مفيش، هنعمل ايه ولا نعيش إزاي"، قالها الرجل الستيني على سجيته، غضبا على فقدان ابنه في مركب 3 يونيو، دون أن يعلم أحيا يرزق أم غرق في البحر .

 

 

 

                                                                                                       جدة أحد المفقودون

 

 

التقطت طرف الحديث جدة ولد مفقود، تحدثت بنبرات غاضبة "لو كان في شغل في البلد مكنش هج ولا سافر، الريس سايب الشباب تضيع كده وخلاص كأنه سمك في ميه ، هما متبغددين في الخير وسايبنا هنا ناكل في نفسنا ونضحي بأرواح عيالنا".

 

 

حين تواصلنا مع أحد المسؤولين بوزارة الخارجية، رفض ذكراسمه، أخبرنا أن الوزارة لا تعلم مكان هؤلاء المفقودون فهي لم تتلق أي أخبار عنهم من قبل السلطات اليونانية، مؤكدا أنه إذا توصلت اليونان إلى أية معلومات بشأنهم ستتواصل مع السلطات المصرية في الحال، وتبدأ الإجراءات لاستعادتهم إذا كانوا محتجزين لديها .

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان