رئيس التحرير: عادل صبري 11:19 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

تحقيق| حلم الثراء يدفع بـ «تطون» لصدارة مؤشرات الهجرة غير الشرعية

تحقيق| حلم الثراء يدفع بـ «تطون» لصدارة  مؤشرات الهجرة غير الشرعية

أخبار مصر

أبراج سكنية في قرية تطون بالفيوم

قشة الغريق(3-10)

تحقيق| حلم الثراء يدفع بـ «تطون» لصدارة مؤشرات الهجرة غير الشرعية

أحلام حسنين - سارة نور 24 ديسمبر 2016 17:06

عند طريق طويل متعرج كثير المطبات، تعانقه روائح الأتربة التي تزكم الأنوف وتغطي ملامح الوجه، تصل إلى قرية "تطون"، بمركز إطسا بمحافظة الفيوم، واحدة من أكثر القرى تصديرا للهجرة غير الشرعية .

 

 

                                                                                            الطريق في قرية تطون 

 

 

فيلات وعمارات شاقهة وأبراج سكنية، هكذا تخيلنا ما ستكون عليه القرية، بحسب الصورة التي روجت لها وسائل الإعلام، إلا أنه بجولة بين جانبي القرية شرقا وغربا ترى صورة أخرى، تفطن من السير في شوارعها إلى من هاجر ومن لم يحظ بنعيم الهجرة.

 


                                                                                        الجانب الغربي من القرية

 

 

فهناك الجانب الغربي الذي لايزال يحتفظ بقرويته من مساحات مزروعة وبيوت طينية واهنة، لتختلف الصورة تماما حين تنتقل إلى الجانب الشرقي حيث الرواج الاقتصادي والمنازل الفخمة التي تقف أمامها أحدث السيارات.

 


 

                                                                        أبراج سكنية بالجانب الشرقي من القرية

 

 

في دراسة حديثة عام 2015 أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، جاءت الفيوم في صدارة المحافظات الأكثر تصديرا للهجرة غير شرعية، وفي القلب منها قرية تطون، التي عرفتها الدراسة بـ "قرية روما".

 

 

                                دراسة عن المحافظات الأكثر تصديرا للهجرة غير الشرعية 

 

 

 

بالحديث مع أهل القرية تعلم أن الفقر وحده ليس من يدفع البعض لشق طريقا في البحر إلى إيطاليا، ولكنها "الغيرة" والرغبة في اغتنام النعيم الذي جناه المهاجرون من قبل.

 

 

 

 الهجرة بدافع "الغيرة"

 

عرف أهل "تطون" طريقهم للهجرة منذ بداية التسعينيات ،حيث اتجهوا في البداية إلى ليبيا بعد تدهور الأوضاع في دول الخليج إثر حرب الكويت والعراق، ثم انتشرت وتوسعت  إلى إيطاليا في البداية  بتزوير الأوراق الرسمية، ثم عن طريق البحر، حسبما يروي"أشرف"، أحد المهاجرين .


 

قبل 6 أشهر حضر "أشرف" إلى قريته ليقض اجازة مع زوجته وأولاده، يجلس مع جيرانه أمام منزله المبني على أحدث طراز، هم أيضا لحقوا به بعدما رأوا آثار نعمة الهجرة عليه، ويقول عنهم "جاري لما شاف العز اللي أنا فيه غار مني وهاجر".


 

كانت هجرة "أشرف" قبل 15 عاما في العشرين من عمره، لم يجد الصعوبة التي هي عليها الآن فالحدود بين البلدان لم تكن معقدة بهذا الحد، حتى أنه بعد وصوله بفترة قليلة صدر القانون الإيطالي بإعادة ترحيل كل من يتجاوز الـ 18عام إلى بلاده.

 


 

"إيطاليا أحسن دولة في العالم..الحمد لله عليها"، هكذا ينطلق لسان "أشرف" بالثناء على إيطاليا التي يُرجع إليها الفضل في الخير الكثير الذي بات يملكه، ليشير بأصابعه إلي منزله وأولاده الخمسة الملتفين حوله "لو مهاجرتش كنت هجيب منين العربية دي وألبس عيالي حلو كده".


 

يواصل أشرف المقارنة بين وطنه وموطن هجرته "مصر جنة بس للحرامية، أما في إيطاليا في رعاية أحسن من هنا أهم حاجة عندهم المواطن"، ولكن يرى أن الوضع هناك لم يعد كالسابق، تأثرت هي أيضا بثورات الربيع العربي وقلت فرص العمل بها .


 

"السماسرة دول ربنا يكتر منهم بيعملوا خدمة للناس"، رد بها "أشرف"، على سؤاله عن كيفية التواصل مع السماسرة للهجرة غير الشرعية، ليؤكد أن ما يزيد عن 20 ألف من أبناء القرية يتواجدون حاليا في إيطاليا، حتى أن العام الماضي فقط وصل إليها ما يزيد عن 500 مهاجر من بينهم أسر بأكلمها.


 

على النقيض من دوافع الهجرة في الجانب الشرقي وهي "تقليد" المهاجرين  السابقين، بحسب أشرف، اختلفت الأسباب في الجانب الغربي من القرية، وتلخصت في التخلص من الجوع والسعي وراء فرصة عمل.

 

 


                                                                            عبد العال أحمد..أحد أهالي القرية

 

 

يجلس عبد العال أحمد، بجوار أحد المساجد بالجانب الغربي، ينفي عن القرية ما اشتهرت به من ثراء فاحش، يرى أنها "غنية" بالمظاهر التي آلت إليها البيوت في الجانب الشرقي فقط، أما أهلها إن لم يموتوا غرقى في سعيهم للهجرة، فسيموتون جوعى إن مكثوا بأرضهم .


 

"الغلا خلانا قربنا نموت..احنا انتهينا والشعب خلص..هنهاجر لحد ما نشبع محدش لاقي شغل هنا.. وإن الشعب شبع ولقى شغل هيقعد في بلده"، برر بها "عبد العال" هجرة أبناء قريته.

 


                                                                                عمرو جمال أحد أطفال القرية

 

 

" مبقاش في حد في البلد واللي قاعدين فيها هيمشو..الناس بتهج من الظلم..الحكومة بتاعتنا ظالمة..اللي معاه فلوس تحترمه والغلبان بتدوس عليه"، كلمات حين تسمعها تحسبها من رجل أربعيني ارتوى من قسوة الزمن، وحين تنظر لهيئته تجده قصير القامة ذو ملامح طفولية تليق بسنوات عمره الـ 15، هو "عمرو جمال".


 

 

في القرية تجد معظم الأطفال سائقين "تكاتك" على سبيل العمل لتحسين مستوى معيشة أسرهم، لحين يأتي دورهم في السفر إلى إيطاليا، وهكذا أيضا يعمل "جمال" بعد انتهاء يومه الدراسي بالصف الأول الثانوي الصناعي، يخرج مسرعا ليتسلم ورديته على "التوك توك" مقابل 50 جنيه يوميا، يقول إنها لا تكفي نفقات يومه.


 

"في ناس اتجننت لما سابت إيطاليا" جملة دلل بها "جمال" على الخير الذي ينتظر المهاجرين إليها، قصتها أن أحد المهاجرين أرسل لوالده أموال كثيرة لبناء منزلهم وإدخار البقية ليتزوج بها عند عودته، إلا أن والده كان يعاني مرضا نفسيا جعله دون أن يشعر يشعل النيران في الأموال.


 

لما عرف المهاجر بما فعله والده حضر إلى بلده ليعلم ماذا حدث، فأشعل والداه النيران في أوراق إقامته خلسة أثناء نومه، وحين استيقظ ووجدها رمادا جُن عقله بعد استحالة عودته إلى إيطاليا ثانية.


 

ينتوي "عمرو" الهجرة إلى إيطاليا في شهر نوفمبر الجاري إذا توفرت السبل لذلك،  ورغم أن والده كان متخصص في تهريب أهل القرية عن طريق التزوير في جواز السفر، إلا أن الابن الوحيد له فشل في الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر .


 

ففي شهر مايو الماضي اتفق مع أحد السماسرة المعروفين بالقرية لتهريبه، وبعد أيام طويلة من الترحال من الفيوم إلى القاهرة ثم للإسكندرية، وأخيرا خطت أقدامهم المركب، إلا أنه بعد ساعات قليلة رصدتهم خفر السواحل وألقت القبض عليهم، لتفرج عنهم بعد أيام من الاحتجاز مع التحفظ على طاقم المركب.


 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان