تطرق الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم في خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف، إلى الحديث عن استغلال النفوذ السياسي لوزراء الحكومة والمسئولين في الحصول على خدمات لذويهم وأقاربهم، وسيطرة المجاملات والمحسوبية.
مجلس النواب، وفقا للدستور من أهم وظائفه مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها، لكن تلك الوظائف لا يمكن أن يؤديها النواب في ظل استمرار مفهوم "نائب الخدمات"، فالمعادلة السهلة للنائب الذي يمتلك سلطة التشريع والرقابة أن يوالي للسلطة التنفيذية التي تمتلك حق التنفيذ، يسيطر على تلك المعادلة رغبة النواب في الحصول على خدمات من الحكومة إرضاءً لأهالي دوائرهم.
في 28 من أغسطس الماضي، طلب الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، خلال الجلسة العامة النواب بالابتعاد عن وزير المالية، عمرو الجارحي، قائلا: "وزير المالية ليس لديه ما يقدمه لكم من خدمات، ابعدوا عنه".
لم يكن مشهد النواب مع وزير المالية هو الأول من نوعه بل تكرر هذا الأمر مع كل الوزراء خلال تواجدهم في مقر مجلس النواب، حيث يتهافت عليهم النواب للحصول على خدمات.
واقعة أخرى ظهرت جليا وأظهرت مدى استخدام البرلمان لسلطته في التوسط لقبول أبناء النواب في اختبارات كلية الشرطة هذا العام، ومنهم نجل النائب محمود عبد السلام الضبع، عضو المجلس عن دائرة بندر ومركز قنا، ونجل النائب جمال كوش عن دائرة بنها، ونجل النائب عمر حمروش أمين سر اللجنة الدينية، ونجل النائب على عبد الونيس عضو المجلس بدائرة دار السلام، ونجل النائب راشد أبو العيون عن أسيوط،، ونجل النائب حلمي أبو ركبة عن أسيوط، ونجل النائب هشام الشعينى، رئيس لجنة الزراعة بمجلس النواب، ونجل النائب عبد الرازق زنط، عضو البرلمان عن مركز إسنا، ونجل النائبة منى شاكر خليل، عضو المجلس عن محافظة أسوان.
الواقعة لم تتمثل فقط في التوسط الفردي لكل نائب، بل وجه الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، وفقا لما انفردت "مصر العربية"، بنشره في وقت سابق، بتشكيل قائمة تقتصر فقط على أسماء أبناء النواب من أجل تقديمها لوزير الداخلية لاعتمادهم في نتيجة اختبارات كلية الشرطة.
عدد من السياسيين، انتقدوا بشدة الممارسات التي يقوم بها نواب البرلمان والذين يحصرون كل همهم في الحصول على توقيعات وزراء الحكومة على طلبات خدمية، مؤكدين أن هذا الأمر يضر بسمعة المجلس ويقوض دوره في الرقابة والتشريع، مؤكدين أن كلام الرئيس لا يمكنه أن ينهي هذا الأمر سوى أن يتبع بخطوات على أرض الواقع.
الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكد أن الخدمات التي يريد نواب البرلمان الحصول عليها من الحكومة والمسئولين تؤثر بشكل واضح على البرلمان في القيام بدوره التشريعي والرقابي على الحكومة، وبالتالي تؤثر على عملية محاسبتها في التقصير.
وانتقد ربيع، في حديثه، لـ "مصر العربية"، مسألة الوساطة التي قام بها البرلمان لإدخال أبناء نواب البرلمان كلية الشرطة، متسائلا: “أليس من المفترض أن البرلمان ونوابه هم المؤسسة الأولى التي يجب عليها مواجهة هذه المحسوبيات؟".
ينضم للرأي السابق مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والذي أثنى على حديث الرئيس السيسي حول أهمية محاربة المحسوبية وعدم استغلال النفوذ السياسي، لكن القضية الأساسية وفقا له تتمثل في الآليات التي يمكن من خلالها القيام بهذا الأمر، والضمانات الواجبة لتحقيقه.
وتابع: الزاهد، لـ "مصر العربية"، أن تشكيلة مجلس النواب الحالي تشير إلى عدم إمكانية التوقف عن استخدام النفوذ حيث أن الطريقة التي تشكل البرلمان وفقا لها تدل على أنه بعيد عن الشفافية والنزاهة، ويعتمد على الموالاة وتنفيذ الأوامر وبذلك فقد استقلاليته.
وقال يسري العزباوي، الباحث السياسي، إن سعي نواب البرلمان للحصول على وساطة وخدمات وفي بعض الأحيان استغلال لنفوذهم البرلماني للضغط على المسئولين خطير جدا ويضع سمعة البرلمان في أزمة حقيقية، كما أنه يفقده المصداقية في الحديث عن العدالة الاجتماعية.
وطالب العزباوي، في حديثه لـ "مصر العربية"، الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأن يكون حازما وجادا في القضاء على هذا الفساد من خلال مجموعة من الإجراءات منها مسائلة البرلمان قانونيا وسياسيا حال ثبوت تورطه في قضايا محسوبية، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة التنفيذية.
وأكد الباحث السياسي، أن البرلمان من خلال التوسط لدى المسئولين في الحصول على الوظائف لأشخاص على حساب أخرين يخترق الدستور الذي من أهم أدوراه أن يسعى للحفاظ عليه واحترامه كونه المؤسسة التشريعية في البلاد، فالدستور جعل شغل الوظائف العام حق لجميع المواطنين على أن يكون الفيصل فيها معيار الكفاءة وليس المحسوبية.