قال خبراء دوليون، اليوم الخميس، إن قرار الولايات المتحدة وقف تسليم مصر أربع مقاتلات حربية من طراز "إف16" يعد إشارة من الإدارة الأمريكية للجيش المصري تعبر من خلالها عن "عدم رضاها" عن المسار الميداني للأوضاع الراهنة في مصر.
واعتبر الخبراء الدوليون في تصريحات لمراسلة الأناضول أن واشنطن تخشى من تصاعد الأحداث عقب خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري، أمس، والذي دعا فيه المصريين إلى النزول، الجمعة، بمختلف الميادين لمنحه تفويضا بمواجهة "العنف والإرهاب المحتمل".
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، أمس، أن الرئيس باراك أوباما، أوقف إرسال مقاتلات "إف 16" للجيش المصري، كان مقررا إرسالها الثلاثاء الماضي.
وقال المتحدث باسم البنتاجون جورج ليتل للصحفيين أمس "بالنظر إلى الوضع الحالي في مصر، لا نعتقد أنه من المناسب المضي قدما في هذا الوقت في تسليم طائرات الإف16"، مضيفاً أن "قرار اوباما اتخذ بإجماع أراء فريقه للأمن القومي".
إلا أن ليتل أكد أن "التدريبات والمناورات العسكرية التي تجري كل عام مع الجيش المصري مستمرة كما هي".
منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية في واشنطن، ربط بين خطاب السيسي وبين موقف واشنطن، معتبراً أن كلمة السر الغائبة في الخطاب الأمريكي هي "عدم استخدام كلمة الانقلاب العسكري حتى الآن".
وأوضح سليمان لمراسلة الأناضول للأنباء أن "واشنطن تعبر عن عدم رضاها من الموقف الحالي وترسل بإشارات تحذيرية تنتظر أن تلقى لدى الطرف المقابل (في إشارة للجيش) استجابة لعدة تعديلات".
وقال "هذه التعديلات تشمل الإفراج عن الرئيس المعزول مرسي، وكذلك الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين والإسراع في الاجراءات التي تعجل بالعودة إلى وضع ديمقراطي مستقر، يكون لجماعة الإخوان المسلمين دور أساسي فيه".
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤولين في الإدارة الامريكية أن "أوباما أراد أن يرسل إلى الحكومة المصرية بقيادة الجيش إشارة للاستياء الأمريكي من الوضع المتدهور هناك، من حيث استمرار للعنف واعتقال مرسي وغيره من قيادات الإخوان المسلمين وعملية التحول التي لم تشمل جماعة الإخوان المسلمين".
ووصف سليمان موقف الولايات المتحدة الحالي بأنه "متجمد"، ويعبر عن إشارة أن الإدارة الأمريكية غير راضية عن المسار الميداني للأوضاع وتخشى من انفلات الوضع والدخول في دوامة العنف".
واستبعد "أن تكون واشنطن تنحاز بذلك لطرف الإخوان، وقال إن "واشنطن ستستمر في تسليم صفقات الأسلحة، وكذلك المشاركة بمناورات النجم الساطع السنوية، وستكتفي بإشاراتها التحذيرية لحين تطور الأوضاع".
من جانبها، اعتبرت مارينا أوتاواي، الباحثة الأمريكية في مركز ودرو ويلسون الدولي إن "القرار الأمريكي مرتبط بتطورات الأوضاع الأخيرة في مصر، وتحديداً خطاب وزير الدفاع المصري بشأن دعوة المصريين للنزول غداً الجمعة وتفويضه لمواجهة ما سماه العنف والإرهاب".
وقالت أوتاواي لمراسة الأناضول إن "الإعلان عن وقف إرسال الطائرات يبين أن الجيش له دور ضالع بشكل عميق في السياسة، مما يجعل من الصعب على نحو متزايد بالنسبة للولايات المتحدة أن تتظاهر بأن ما يحدث ليس انقلابا عسكريا ".
إلا أن منذر سليمان قال إن "التقييم الأمريكي للأحداث في مصر يتم يوميا، وليس هناك خطة تفصيلية لكيفية التعاطي مع الأحداث في مصر، وهو ما يفسر موقف واشنطن الحالي، الذي يعد أقرب للتحذير عن كونه تهديد بقطع المساعدات".
وأضاف "في المقابل يمكن أن يكون لدى السلطة الانتقالية، خطة بشأن تصاعد الأحداث من حيث الاستجابة لطرد آن باترسون السفيرة الأمريكية بالقاهرة، والتلويح بعدم قبول المساعدات العسكرية، وذلك في حال وصول الأمور إلى توتر خفي".
وأكد البيت الأبيض مساء أمس أن قرار تعليق إرسال الطائرات لا يترتب عليه آثار بشأن المساعدات الأمريكية لمصر.
ووافقت اللجنة الفرعية لوزارة الخارجية والعمليات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على مبالغ المعونة التي طلبها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمصر للسنة المالية 2014 التي تبدأ في أول أكتوبر/تشرين الأول القادم وهي 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية وهي نفس مستويات المعونة للعام الحالي.
وحذر سليمان "من تنامي موقف الجيش المصري بحيث يحصل على الشرعية والتفويض ويبدأ في التصعيد، كأن يتخذ موقفا منسجما مع المزاج الجمهوري بشأن طرد السفيرة الأمريكية آن باترسون أو رفض المعونة العسكرية الأمريكية".
ويرى سليمان أن هذا السيناريو هو الأسوأ، حيث لا تملك الولايات المتحدة علاقات مع الجانب المصري خارج العلاقة العسكرية الآنية في مصر، وإذا انقطعت تعني مخاطر لقضايا إقليمية ودولية، وفي مقدمتها العلاقات المصرية الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم "البنتاجون" للصحفيين أمس عقب إعلانه قرار الإدارة الأمريكية بشأن تعليق إرسال الطائرات " لا نزال ملتزمين بالعلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة ومصر، حيث أنها لا تزال تشكل الأساس لشراكتنا الاستراتيجية الأوسع نطاقا مع مصر وتعد بمثابة دعامة للاستقرار الاقليمي".
وفي الوقت نفسه، تصاعد موقف القوى الشعبية والمعارضة المصرية تجاه الولايات المتحدة، حيث قال حسن شاهين المتحدث باسم حملة "تمرد" (الجهة الرئيسية الداعية لمظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي) على موقعه الرسمي "نطالب بطرد السفيرة الأمريكية ولن نخضع لابتزاز الإخوان ومطالبهم المستمرة للتدخل الدولي".
وقال أحد المواطنين بميدان التحرير بوسط القاهرة لمراسلة الأناضول "الولايات المتحدة للأسف لا تعرف ما هي الخطوة التي يجب أن تتخذها، وعليها ما إذا أرادت التفكير بطريقة صحيحة أن تستمع لإرادة الشعب المصري، ولا تحاول عمل عداء معه"، مشدداً أن "المصريين لا يحتاجون معونة من العرب أو الأمريكان".
وتنتشر بأرجاء الميدان الذي يستعد لاستقبال مظاهرات حاشدة غداً الجمعة، استجابة لدعوة وزير الدفاع المصري، صوراً للسفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون تطالب بطردها، بالإضافة إلى صور أخرى لأوباما وباترسون كتب عليها أن "الضغط على الجيش المصري إعلان حرب".
أدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة واشنطن، اتفق مع منذر سليمان في أن "موقف الولايات المتحدة يعد مؤشرا قويا على أن الإدارة الأمريكية غير مرتاحة للتطورات في مصر على الأرض، مما دفعها إلى إرسال إشارة تعبر بها عن قلقها وعدم دعمها للتطورات الميدانية غداً وبعد غد".
واعتبر أن "القرار بمثابة إرضاء للكونجرس الأمريكي في هذا الوقت، خاصة أنه هناك قلق لدى نواب بالكونجرس من المسار الذي تتجه نحوه مصر".
وفي تصريح لمراسلة الأناضول، شدد غريب على أن الولايات المتحدة "مازالت في عملية اتخاذ القرار بالنسبة لتقييم ما حدث على أنه انقلاب أم لا، وأن ذلك سيستمر فترة ليست بقصيرة خاصة مع مفاجئتها بالتطورات كما حدث في 30 يونيو/حزيران الماضي".
وهو نفسه ما قاله سليمان بأن "ما سيحدث غدا وبعد غد سيكون بمثابة الحدث الذي يمكن قياس ترمومتر العلاقة الأمريكية المصرية مستقبلياً عليه، خاصة أن كل الاحتمالات واردة".
وأكد البيت الأبيض أن قرار تعليق ارسال الطائرات لا يؤثر على 1.5 مليار دولار من المساعدات الأمريكية لمصر، التي أكد على إنه لا يريد قطعها في الوقت الراهن.
وفسر مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية، حيثيات القرار بقوله :"لقد كنا واضحين جدا مع الجيش، نحن ندرك أن هذا موقف صعب، لكننا نريد عودة الأشياء للمسار الصحيح.. ومحاولة كسر عنق الإخوان لن تكون جيدة بالنسبة لمصر أو للمنطقة".
وتعد صفقة الطائرات جزء من اتفاق توصلت إليه كل من الولايات المتحدة ومصر في عام 2009 لتسليم 20 مقاتلة (إف16) خلال عام 2013، وتم تسليم أول دفعة وتشمل 4 طائرات في يناير الماضي.