قدم د.محمد المهدي أستاذ الطب النفسي، تحليلا لخطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع الذي ألقاه اليوم متضمنا دعوة المصريين لتفويضه من أجل تقويض الإرهاب.
وقال المهدي، إن ما هو عالق بذاكرة السيسي ذلك الطفل الذي كان يمسك بالزهور في يده اليسرى ويؤدي التحية العسكرية للرئيس عبدالناصر، تلك الصورة التي بالتأكيد يحتفظ بها الفريق السيسي في برواز كبير معلقة في بيته منذ ذلك التاريخ, وبالتأكيد كان لها أثر كبير في توجهه نحو الحياة العسكرية وعشقها, وهذا ما يؤكده تاريخه الوظيفي وصعوده السريع لمناصب عسكرية مهمة في سن صغير نسبيا.
وأضاف: "لو دققت النظر في كلمات السيسي وحركاته لوجدت أوجه شبه كثيرة بالزعيم جمال عبدالناصر فكأنما هو يتقمصه (أو يتوحد به), فهل يا ترى يسير في نفس الطريق من حيث الزعامة الشعبية التي توصله لطريق الرئاسة وأيضا من حيث العلاقة بالإخوان ؟!! .. ستجيب الأيام المقبلة عن هذا السؤال".
ويضيف المهدي لـ"مصر العربية"، إن خطاب السيسي تضمن إشارات حمراء بالغة الخطورة والأهمية على النحو الآتي: رغم هدوء نبرة الخطاب إلا أن الرسائل كانت حازمة وحاسمة وقاطعة, خاصة وأن التجارب السابقة للسيسي تشير إلى أنه لا يطلق تهديدات في الهواء , وإنما هو دائما ينفذ ما يقوله ويحذر منه مسبقا ويعطي مهلة للمراجعة, لافتا إلى أن الخطاب كان موجزا ومحددا.
واستطرد المهدي قائلا "كان الخطاب غير مكتوب وسمح ذلك بالتلقائية المحسوبة والتواصل الوجداني مع من يشاهده ويسمعه, وسمح له بالحركة المنضبطة, وظهر هذه المرة كزعيم سياسي وليس كوزير دفاع , وتحدث في أشياء لا يتحدث فيها إلا رئيس أو زعيم, ومن المؤكد أنه يدرك أن من حوله مهما كانت مناصبهم إلا أنهم يلعبون أدوارا ثانوية, وأنه هو المحرك للأمور, لذلك لم يشأ أن يترك الأمر لهم بحكم وظائفهم التي ينبغي أن تؤهلهم لذلك.
وأكد أن طبيعته الشخصية وموقعه كقائد عام للقوات المسلحة ووزير للدفاع في ظروف مضطربة تمر بها البلاد, كل ذلك هيأه لدور زعامة يتقلده الآن ولا ينافسه فيه أحد من قيادات الأحزاب أو من رجال السياسة, إذ لديه الكاريزما الشخصية المشحونة بقدر عال من الذكاء الوجداني ولديه مهارات التواصل الجيدة ولديه الروح المصرية.
باختصار لديه كل عوامل النفوذ والتأثير الجماهيري، وهذا النفوذ والتأثير الجماهيري في مجتمع مثل المجتمع المصري يهيئ صاحبه لأن يصبح ديكتاتورا في يوم من الأيام, إذ يثق فيه الشعب ثقة مطلقة ويفوضه في أشياء كثيرة انطلاقا من هذه الثقة, ويمنحه الكثير من التأييد والحب بما يسمح بتضخم الذات مع مرور الزمن, كما حدث مع الزعيم جمال عبدالناصر.
يقول المهدي "رغم الثقة الظاهرة والحزم والحسم, إلا أن أشياء في لغة الجسد كانت تعكس قلقا داخليا يحاول السيطرة عليه, فقد بدا مرهقا أكثر من ذي قبل, وكانت حركات جسده كثيرة يفرغ من خلالها قلقه الداخلي، وصدرت منه كحة عصبية أكثر من مرة, وراح يدافع عن موقفه من عزل مرسي ويؤكد سلامة الخطوات والمحاولات التي قام بها لتفادي عزله ولنصحه, وهذا مفهوم نظرا لما يتعرض له من ضغوط".
وعن مسألة التفويض التي يطلبها من الشعب، قال المهدي هذا أكثر ما يقلق في الخطاب، إذ يبدو أن ما سيأتي أمر جلل يحتاج لمؤازرة شعبية ويحتاج لاستفتاء شعبي حي بحيث لا يستطيع أحد أن يعترض أو يحاسب أو يلوم إذ لو أن مواجهة الإرهاب أو العنف ستتم بإجراءات أمنية في حدود القوانين الحالية لما احتجنا لهذا الدعم الشعبي الكبير, ولكن يبدو أن الأمر سيتجاوز ذلك ليصل إلى إجراءات استثنائية ليس لها سقف معلوم.
واستطرد قائلا: "كما أن الخطاب أشار إلى الحاجة لمنح تفويض شعبي لمواجهة الإرهاب دون أن يوضح حدودا هذا التفويض وزمانه ومكانه ونهايته, وهذا أمر يثير القلق, إذ يبدو أنه تفويض مفتوح".