في نهاية أكتوبر 2019 لقي شاب في مقتبل العمر مصرعه تحت عجلات القطار المتجه من الإسكندرية إلى الأقصر، في قضية عُرفت إعلاميا بـ"شهيد التذكرة" التي أثارت حينها زخما كبيرا لدى الرأي العام، ومطالب بتقنين أوضاع الباعة الجائلين عن طريق الترخيص لهم لضمان أمنهم وسلامتهم.
تلك القضية مر عليها نحو عامين من الزمن، إلا أنها تعود حاليا للأذهان مع التعديلات التشريعية الأخيرة التي وافق عليها مجلس الوزراء بشأن تنظيم ظاهرة الباعة الجائلين داخل محطات السكك الحديدية وعلى الأرصفة، وداخل القطارات، للحد من انتشارها بشكل عشوائي.
شهيد التذكرة "محمد عيد" كان شابا في عقده الثاني، عاش يكافح حياة كانت دائما ما تعانده، ولكنه كان موهوبا يعرف كيف يخلق من أشياء بسيطة أفكار رائعة، حتى "حبة المكرونة" يمكنه أن يجعل منها تحفة فنية، ولكن لم تشفع له موهبته عند محصل القطار.
محمد ابن منطقة شبرا الخيمة بالقاهرة الكبرى، كان يصنع ويرسم ميداليات، ويتنقل بين القطارات ليعرض بضاعته على الركاب، وفي هذا اليوم الموعود 28 أكتوبر 2019، مر "الكمسري" وسأله عن التذكرة، ولكن من أين له يأتي بثمنها "70 جنيها"، فأرغمه الكمسري على القفز من القطار فسقط الشاب تحت عجلات القطار وانفصلت رأسه عن جسده لتُكتب نهاية ذلك البائع البائع الشاب.
انتهت قصة محمد عيد أو "شهيد التذكرة" ولكنها فتحت الباب أمام تساؤلات عديدة عن مصير الباعة الجائلين في عربات القطار ومترو الأنفاق، هل سيتم تقنين أوضاعهم؟، أو توفير بديل عن تنقلهم بين العربات؟، أم كيف ستواجه الدولة تلك المشكلة؟.
تجريم وحبس وغرامة
لم تكن قصة محمد هي الشاهد الوحيد على أزمة الباعة الجائلين، فهناك العشرات من القصص التي ربما لم تصل إلى كاميرات التلفاز وصفحات الجرائد، وعلى الجانب الآخر هناك أيضا شكاوى من كثرة أعداد الباعة الجائلين بالمترو وبالقطارات وما قد يحدث من مشادات بينهم وبين الركاب.
وأمام أزمة الباعة الجائلين أقرت الحكومة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 277 لسنة 1959 في شأن نظام السفر بالسكك الحديدية، وذلك لتنظيم ظاهرة الباعة الجائلين داخل محطات السكك الحديدية وعلى الأرصفة، وداخل القطارات، للحد من انتشارها بشكل عشوائي.
مشروع القانون، الذي وافق عليه مجلس الوزراء اليوم 17 فبراير 2021، ينص على استحداث تجريم بعض الأفعال من قبل الباعة الجائلين التي من شأنها زيادة تلك الظاهرة، وإضافتها إلى المادة 10 مكرراً من القانون المشار إليه.
والأفعال المتضمنة بالمادة هي :"قيام الباعة الجائلين بممارسة أعمال البيع داخل القطارات بكافة درجاتها، أو القيام ببيع السلع والمنتجات أياً كان نوعها بالمحطات سواء على الأرصفة أو داخل مُنشأة المحطة دون تصريح من الهيئة القومية لسكك حديد مصر بذلك، أو بخلاف الشروط والقواعد التي تضعها الهيئة.
ومن يخالف تلك الأفعال المستحدثة سالفة الذكر، يعاقبه القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على 10 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر.
مقترحات
وقبل أن تقر الحكومة تعديلات تشريعية بشأن تنظيم عمل الباعة الجائلين داخل القطارات، كانت هناك مقترحات من نواب البرلمان السابق، منهم مقترح النائب محمد الغول، بتقنين أوضاع الباعة الجائلين داخل عربات القطارات، لحل تلك الأزمات ولضمان حقهم وأمنهم.
ورأى الغول أن ظاهرة الباعة الجائلين في القطارات تمثل خللًا يحتاج إلى واقعية وليست قرارات على ورق فقط، مؤكدا أنها آفة كبيرة تتطلب من الحكومة تقنين أوضاع الباعة واستخراج تراخيص لهم برسوم رمزية وستكون قائمة على ضوابط تضعها السلطة التنفيذية وتحمي الطرفين.
وبحسب "الغول" فأن التراخيص تشمل السماح لهم بالعمل داخل قطارات الدرجات الأولى والثانية والثالثة، دون الدرجات السياحية والمميزة، مؤكدًا أن هناك شروط ينبغي على الحكومة وضعها في الترخيص وأبرزهم هي الكشف الجنائي والسياسي.
تباين الآراء
التعديلات التشريعية الأخيرة التي أقرتها الحكومة بشأن تنظيم عمل الباعة الجائلين داخل القطار، أثارت ردود أفعال متباينة لدى جمهور السوشيال ميديا "مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض.
ويقول أحد المعلقين عبر صفحة مجلس الوزراء عن هذه التعديلات :"ممتاز جدا والله قرار تنظيم الباعة الجآئلين داخل السكه الحديد مع انه جه متأخر جدا بس ممتاز وكنا محتاجينه فعلا لأنهم كانوا بمثابة مجرمين داخل القطار والله وبيرتكبوا أبشع الجرائم من سرقة وتحرش واعتداءات لفظية وجسديه على الركاب".
وأضاف: "بتحس وانت راكب انك وسط مسجلين خطر مالهمش حد يحكمهم علشان أقسم بالله كان أكتر ناس بتتعاون معاهم أمن القطارات اللي المفروض يمنعوهم من ارتكاب المخالفات ويكونو في صف المواطن، يااااريت كمان يتم النظر في أحوال أفراد الأمن في القطار والبحث في تفاصيل تعاملهم مع الناس هتلاقوا فظائع".
واتفق معه حسن شعبان، أحد مستخدمي موقع فيس بوك، قائلا :"من افضل القرارات المحترمه اللي صدرت، مفيش بلد في العالم فيه حاجه اسمها بائع متجول في المواصلات غير في مصر، واللي هيدافع عن حاجه زي كده يبقي انسان مريض وعاوز الفوضي والتخلف هم اللي يتصدروا المشهد".
ورأى عبد الحميد النجار، أحد مستخدمي موقع فيس بوك، أن التعديلات التي أقرتها الحكومة بشأن تنظيم عمل الباعة الجائلين قرار سليم ومنطقي، قائلا :"قنن وضعك. وتعالي استرزق. إنما شغل الفهلوه. دا. خلاص كان منه وخلص. بح".
وفي المقابل أبدت هدى محمد انتقادات لهذه التعديلات قائلة :"واحد بيبيع مشاط وفليات عايزينه ياخد تصريح ويدفع اكتر من تمن البضاعه اللي ف ايده اتقو الله شويه يشتغلو بالحلال احسن ميسرقو او يبيعو مخدرات".
وعلق أحمد شاكر، أحد مستحدمي موقع فيس بوك، قائلا :"طيب وفروا لهم أكشاك بسيطة في المحطات حتى. ما هم لا يقلوا أهمية عن تطوير السكك الحديدية! الرعايا أهم يا حكومة".