أثار إبرام أول عقد لـ"زواج التجربة" في مصر، جدلًا واسعًا الساعات الأخيرة بين المواطنين، خاصة بعدما أكد الأزهر الشريف أنه فاسد ولا عبرة به، مؤكدًا تنافيه مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام.
فيما أعلنت دار الإفتاء أنها تدرس هذه المبادرة بكافة جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية، للوقوف على الرأي الصحيح الشرعي لها، ثم خرجت اليوم الثلاثاء، ببيان تحسم فيه موقفها من "زواج التجربة".
قرار دار الإفتاء
وأهابت دار الإفتاء المصرية بجميع فئات المجتمع عدم الانسياق وراء دعوات حَدَاثة المصطلحات فى عقد الزواج التى يَكْمُن فى طَيَّاتها حُبُّ الظهور والشُّهْرة وزعزعة القيم، مما يُحْدِث البلبلة في المجتمع، ويُؤثِّر سَلْبًا على معنى استقرار الأُسْرة وتَماسكها، وهو ما حَرَص عليه ديننا الحنيف ورَعْته قوانين الدولة المصرية.
وأَكَّدت الدار -في بيانٍ لها تعليقًا على دعوات ما يُسمى إعلاميًّا بـ"زواج التجربة"- أنَّ هذا المسمى الجديد لعقد الزواج رغم حَدَاثة اسمه فإنه يحمل معاني سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصري المتدين، الذي يَأبى ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية؛ فالزواجَ في الإسلام عقدٌ مَصونٌ، عَظَّمه الشرع الشريف، وجَعَله صحيحًا بتَوفُّر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه، شأنه كشأن سائر العقود.
وشددت الدار، على أَنَّ اشتراط مَنْعِ الزوج مِن حقه في طلاق زوجته في فترة معينة بعد الزواج؛ هو مِن الشروط الباطلة؛ لأنَّ فيه إسقاطًا لحقٍّ أصيل للزوج جعله الشرع له، وهو حق التطليق، فاشتراطُ هذا الشرط إن كان قَبْل عقد الزواج فلا مَحْل له، وإن كان بَعْده فهو شرطٌ باطلٌ؛ فيصح العقد ويبطل الشرط في قول جميع الفقهاء.
أما عن بعض الشروط الأخرى التي يتم كتابتها في عقد الزواج، فأوضحت الدار أَنَّ اشتراط ما فيه مصلحة لأحد العاقدَين، مما سكت الشرع عن إباحته أو تحريمه، ولم يكن منافيًا لمقتضَى العقد، ولا مُخِلًّا بالمقصود منه، بل هو خارج عن معناه، كأن تشترط الزوجة على زوجها أن لا يُخرِجَها مِن بيت أبوَيها، أو أن لا ينقلها من بلدها، أو أن لا يتزوَّج عليها إلا بمعرفتها؛ فمثل هذا النوع من الشروط صحيحٌ ولازمٌ، وَفْق ما يراه بعض العلماء، وهذا هو الأقرب إلى عمومات النصوص والأليق بأصول الشريعة؛ وذلك لما رواه الشيخان عن عُقبَةَ بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَن تُوفُوا ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسلِمُون على شُرُوطِهم».
وقالت دار الإفتاء: "إن تَجَنُّب الخلافات الزوجية لا يكون مَسْلكه وضع الشروط الخاصة والحرص على كتابتها تفصيلًا في وثيقة الزواج الرسمية، أو إنشاء عقدٍ آخرٍ منفصلٍ موازٍ لوثيقة الزواج الرسمية، بل سبيله مزيد من الوعي بمشاورة المختصين، والتنشئة الزوجية السليمة، والتأهيل للزوجين بكافة مراحله".
وأشارت إلى أَنَّ إطلاق الناسِ على عقدِ الزواج أسماء جديدة لا يُؤثِّر على صحةِ العقد أو فسادِه؛ فمِن أَجْل الحُكْم على عقدِ زواجٍ بالصحة أو البطلان لا بُدَّ من تَصوُّرٍ صحيحٍ لمضمونه، دون إغراق النَّظَر لحَدَاثة اسمه؛ فإذا تَمَّ عقدُ الزواجِ بين رجلٍ وامرأةٍ خاليين من الموانع الشرعية مُسْتَكمِلًا لأركانه وشروطه –التي منها عدم كون الزواج مُؤقَّتًا بمدة محددة- فهو عقدٌ صحيحٌ ويستتبع آثاره وما يَترتَّب عليه من أحكامٍ.
بداية القصة
بدأت القصة في ديسمبر الماضي، بمبادرة أطلقها محامٍ مصري، يدعى أحمد مهران، محامٍ متخصص فى شئون العلاقات الأسرية، ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، لتقليل معدلات الطلاق بالمجتمع، تسمى "زواج التجربة"، مؤكدًا أنها دعوة للحدّ من انتشار الطلاق والرذيلة والفواحش في المجتمع.
ووفقًا لتصريحات مهران، تقوم فكرة "زواج التجربة" على شقّين، الأول حديثي الزواج من الشباب، والشق الثاني من سبق لهم الزواج ولكنهم انفصلوا.
تفاصيل زواج التجربة
بالنسبة لمن سبق لهم الزواج خاصة الشباب في العشرينيات والثلاثينيات، فمن حقهم الزواج مرة أخرى وتكوين بيت دون الخوف من الفشل كما حدث من قبل، فلا يجوز أن تحرم المرأة نفسها من الزواج والتجربة مرة أخرى بسبب الخوف، خاصة أن المجتمع بعد طلاقها يراقب تصرفاتها وينظر لها نظرة غير صحيحة.
أما بالنسبة لحديثي الزواج، يرى مهران ضرورة وضع حدّ لفترة الزواج ألا وهو أنهم يستمرون على الأقل 3 سنوات لا يتم الطلاق لكي يستطيعوا الحكم على التجربة، وإصدار نتائج حقيقية بعد اكتمال فترة التجربة، وذكر أنّ هذه فترة كافية لمعرفة الشخصين بعضهم البعض، وهناك احتمال أن المدة تساعدهم في كيفية التفهم وزيادة الحب والمودة بينهم.
وأوضح المحامي أنّ عقد الزواج سيكون كاملًا كما هو، ولكن نكتب في العقد من الخلف بند الشروط، ألا يوجد طلاق إلا بعد 3 سنوات، وذلك بهدف تعطيل فكرة الطلاق، لافتًا إلى أنّه سوف يقدم مشروع قانون إلى البرلمان يخص مبادرة "زواج التجربة"، لاشتراط عدم الطلاق قبل ثلاث سنوات من الزواج.
قسيمة قانونية
كما تنص المبادرة على توقيع طرفي عقد القران، قسيمة قانونية، تتضمن بعض الشروط التي تنظم حياة كل منهما مع الآخر وفقًا لرؤيتهما المشتركة، كالأمور المادية، أو أمور عمل الزوجة من عدمه، ومدى موافقة الزوجة لتعدد زيجات زوجها من عدمه، ومدى الرغبة المشتركة في الإنجاب، وغيرها من الأمور التي تعد بمثابة دستور حياتهما، ويعد عقد القران لاغيًا في حالة تراجع أي من الطرفين عن أي بنود تضمنتها تلك الوثيقة.
أول عقد زواج تجربة
ونشر أحمد مهران، الأحد، نموذج لعقد زواج تم وفقًا للمبادرة، وكتب «مهران» عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «بناء على طلب الكثيرين، أنشر لكم أحد نماذج عقود زواج التجربة بعد موافقة الزوجين».
وأضاف «مهران»: «زواج التجربة هو الأنسب لهذه المرحلة وبهدف الحد من انتشار الطلاق في المجتمع العربي، المهم الالتزام والحفاظ على كيان الأسرة واستبعاد الطلاق كحل لأي من المشاكل التي تواجه الزوجين في السنوات الأولى من الزواج».
وأرفق «مهران» في منشوره عددا من الصور لنموذج «زواج التجربة»، يتضمن عددا من الشروط التي وضعها الزوجان، بالإضافة لقائمة بالجزاءات في حال مخالفة أي من طرفي العقد للشروط المذكورة سلفًا.
الأزهر يحسم الجدل
وأصدر الأزهر، الأحد، بيانا، اعتبر فيه أن "اشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر فيما يسمى بزواج التجربة، اشتراط فاسد لا عبرة به، واشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مدة معينة يجعل العقد باطلا ومحرما"، مشيرا إلى أن "الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به".
وأضاف الأزهر: "صورة عقد الزواج المُسمَّى بـ «زواج التجربة» تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده؛ إضافةً إلى ما فيها من امتهان للمرأة، وعدم صونٍ لكرامتها وكرامة أهلها، وهذه الصورة عامل من عوامل هدم القيم والأخلاق في المجتمع".
وتابع الأزهر: "زواج التجربة -كما قرَّر مُبتدعوه- هو زواج محظور فيه على كلا الزوجين حَلّه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضي مدة خمس سنوات، أو أقل أو أكثر، على أن يكون ذلك شرطًا مُضمَّنًا في عقد الزواج إلى جوار شروط أخرى يتفق عليها طرفاه.. ثم كثرت الأغاليط حول مصير هذا العقد بعد انتهاء مدة التَّجربة المنصوص عليها، في حين اختار بعضُ المتحمسين لهذا الزواج -أو إن شئت قلت: الابتداع- أن ينتهي عقدُه بانتهاء المدة المقررة؛ ليضاف بهذا إلى جوار شرط «حظر الطلاق» شرطٌ آخر هو التَّأقيت".