على مدى اليومين الماضيين شغلت واقعة الطفل الذي تهكم على شرطي المرور اهتمام الرأي العام، وسط مطالبات بمحاسبة الطفل جزاء تعديه على فرد الشرطة، إلا أن تحقيقات النيابة كشفت أن الطفل ابن قاض، وهو ما آثار تساؤلات عدة عن مصير تلك الواقعة.
لمتحدث باسم نادي قضاة مصر، حسم تلك التساؤلات، مؤكدا أنه لا أحد فوق القانون، فيما أوضح خبراء قانونيون أن مهنة الوالد لا تعفي الطفل من المحاسبة وقد يخضع الأب نفسه للمساءلة القانونية.
"قضاة مصر":الفعل إجرامي
وقال المستشار رضا محمود السيد، المتحدث باسم نادي قضاة مصر، إن البعض ربط بين الفعل الإجرامي للطفل الذي تعدى على شرطي المرور وبين صفة والده المهنية، مؤكدا أن نادي قضاة مصر لا يقر هذا الفعل الإجرامي، ولا أحد فوق القانون والمساءلة أيا كان منصبه.
وأضاف السيد، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج الحكاية عبر فضائية إم بي سي مصر، أنه يجب محاسبة كل من يثبت خطأه، فنحن أمام دولة مؤسسات تحترم القانون وهو أهم ركائز الدولة المصرية.
وشدد السيد أن القضاة أثناء تأدية رسالتهم لا أثر مطلقا بين وجود صلات وروابط بين مرتكبي الفعل الإجرامي وبين صفة وظيفية معينة لأحد ذويه أيا كانت هذه الصفة، مؤكدا أن الجميع أمام القانون سواء.
ورأى المتحدث باسم نادي القضاة أن الأزمة الحقيقية تتمثل في أن الكثير ربط بين فعل الطفل وبين هيبة القضاء، مضيفا :"فؤجنا أن الخوض أصبح شديد جدا، ويجب أن يتم الفصل بين الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الطفل وبين صفة والده".
واستطرد :"لن تؤثر صفة الوالد ولن تغير من صفة الفعل الإجرامي، ولن تغير صفة ذوي المتهم في أي واقعة من أوصاف الفعل الإجرامي، كما أنه لا يوقف إجراءات وسير التحقيق"، لافتا إلى أن النائب العام أمر بمباشرة التحقيقات وبالفعل تم التحقيق في الواقعة وسؤال الطفل، واتخاذ كافة الإجراءات طبقا لقانون الطفل.
وتابع :"أرجو كل الأقلام التي تكتب ارفعوا أيديكم عن القضاة، القضاء أسمى بكثير من أن يفعل مثل هذا، القضاة يقومون بدور عظيم جدا، وهناك نزاهة في التحقيقات والأحكام التي يتم إجراءها أيا كانت أطرافها، فالجميع أمام القانون سواء".
وأردف :"هذا حق الشعب أن نوضح للجميع أنه لا أحد فوق الجميع، ومجلس إدارة النادي لا يقر هذا التصرف بأي شكل أيا كان القائم بالفعل وأيا كان ذويه، ولكن ما يجب أن نقف عليه الربط غير المبرر ما بين الفعل الإجرامي الذي حدث وصفة والد الطفل".
وأكد المتحدث باسم نادي القضاة أن الواقعة كان سيتم إدارتها بذات الظروف والوقائع حتى إذا كانت صفة والد الطفل غير قاض، مشددا على أنه لا يجب السماح للمغرضين والمستغلين أن يخوضوا بالنقد أو التعليق في تحقيقات النيابة العامة، ويفقدوا الثقة بين الشعب وقضائه، مختتما حديثه قائلا: "أرجوكم لا يجب أن ننجر وراء هذه المحاولات لفقد الثقة بين الشعب وقضائه".
قانونيون: لا يوجد تمييز
وتعليقا على واقعة طفل المرور الذي تهكم على شرطي المرور، قال الدكتور مصطفى السعداوى، أستاذ القانون الجنائى بجامعة المنيا، إن القانون الجنائي به قاعدة مستقرة تنص على أنه لا يوجد تميز أمام المسؤولية الجنائية، وعليه فإن القانون لا يعطى ولا يهب لأحد امتياز بالإجرام أي كان صفته.
وأضاف السعداوي، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي وائل الإبراشي مقدم برنامج التاسعة عبر التلفزيون المصري، أمس الأول السبت، أن والد الطفل سيحاسب طبقاً لقانون الطفل، موضحا أن العقوبة ربما تصل للحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة من ألف إلى 5 آلاف جنيه.
وأوضح أستاذ القانون الجنائي أن الطفل أقل من سن 7 سنوات لا يُجاسب ولكن طالما تجاوز سن الـ7 سنوات يخضع للمعاقبة وفق المادة 194 من قانون الطفل، ويُطبق عليه التدابير المنصوص عليها في المادة 101، لافتا إلى أنه لن يُعفى الطفل من المساءلة الجنائية أمام محكمة الطفل، وستتبع المحكمة أي من التدابير الاحترازية.
في السياق نفسه أكد الدكتور مصطفى كامل، عميد كلية الحقوق بجامعة دمياط، أن قانون الطفل ينص على خضوع المخالفين من سن 7 إلى 12 عاما للمحاسبة، ومن سن 12 إلى 15 عاما يخضع لعقوبات مشددة مثل الإيداع في دور الرعاية الاجتماعية وغيرها، مشددا على أن مبدأ سيادة القانون يخضع له الكافة أيا كانت مناصبهم.
وأضاف كامل، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي وائل الإبراشي عبر التلفزيون المصري، أنه لا يوجد أحد فوق القانون، لافتا إلى أن الد الطفل من الممكن أن يُحاسب قانونيا على تعريض الغير للخطر.
لميس الحديدي :"عيل ناقص رباية"
وتعليقا على واقعة طفل المرور، قالت الإعلامية لميس الحديدي، إنه لابد من تقويم سلوك الطفل مرة أخرى، فهذه المشكلة يدفع ثمنها أب وأم هذا الطفل لأنهم دللوه لدرجة أنه لا يعرف الفرق بين الصغير والكبير.
وأضافت الحديدي، عبر برنامجها "كلمة أخيرة" المذاع على شاشة أون :"أنا قولت امبارح إن العيل ناقص رباية، والمشكلة في الأب والأم اللي مدللينه لأنه مش عارف الفرق بين الكبير والصغير، وواضح أن حالة السلطوية اللي بيتكلم بها في الفيديو موجودة في البيت أصلا".
واستطردت: "الولد سرق العربية أولا وتحدث مع ضابط الشرطة بسلطوية غير معهود، أنا أظن أن الأب والأم محتاجين يقفوا مع نفسهم وقفة قبل ما يلموا الطفل، هنا في وقفة مع الأهل، الولد لو لم يقوم سلوكه هيكبر وهيبقى أسوأ من كده، وهتشوفوا البدع، وهتشوفوا اكتر من كده".
وتابعت :"أنا مبقولش اربي عيل يخاف من الشرطة، أنا بقوله انه يحترم الشرطي ويحترم اللي ينفذ القانون، وللأسف الولد متعلم السلوك دا في البيت، ما هو العيل ده تربية بيته أبوه وأمه وده سلوك متاخد من البيت".
قرار النيابة العامة
وبعدما أثارت واقعة طفل المرور جدالا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، أمر المستشار النائب العام بالتحقيق في الواقعة واتخاذ اللازم قانونًا، خاصة أن والد الطفل ارتكب جريمة جنائية بتعريض حياة نجله والمارة للخطر بالسماح له بقيادة السيارة دون تراخيص قيادة في سن صغيرة.
وتمكنت أجهزة الأمن من تحديد هوية الطفل والأسرة ومكان الواقعة، وجرى إلقاء القبض عليه هو وصديقه وتم عرضهما على النيابة.
وأصدرت النيابة العامة، بيانا أمس الأحد، قالت فيه إنها استجوبت، الطفل المتعدي على فرد شرطة المرور بزهراء المعادي، ومالك السيارة التي كان يستقلها، كما طلبت تحريات الشرطة حول المقطع المتداول موضوع التحقيق، والتي أسفرت عن تحديد فرد الشرطة المعتدَى عليه، وشخص الطفل المعتدِي، ومالك السيارة التي كان يستقلها بالكشف عن بيانات لوحاتها المعدنية.
ووفقًا للبيان الصادر، سألت النيابة العامة، فرد الشرطة فشهد أنه في ظهيرة يوم السادس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي، أُخطر من مواطنين بقيادة طفل سيارة برعونة بمنطقة زهراء المعادي –محل خدمته-، فاستوقف السيارة.
وأضاف البيان :"تبين أن طفلًا يقود السيارة في صحبة آخرين من ذات عمره، فسأله عن تراخيص السيارة والقيادة ففوجئ بتعدي الطفل ومَن معه عليه بالقول وتوعدهم له بالإيذاء، ثم دار بينه وبين قائد السيارة الحوار المصور حتى توجه لمقدمة السيارة لتدوين رقم لوحاتها المعدنية وتحرير مخالفة بالواقعة، ففوجئ بتحرك الطفل بالسيارة مما أخل بتوازنه واصطدمت رجله بباب السيارة، فدون رقم لوحاتها وحرر مخالفة بها، ثم جاءه الطفل قائد السيارة ومن معه لاحقًا للاعتذار إليه، فقبل اعتذاره نافيًا إصابته من الواقعة".
وباستجواب النيابة العامة الطفل قائد السيارة –وعمره ثلاثة عشر عامًا– فيما نُسب إليه من إهانته موظفًا عموميًّا –أحد رجال الضبط– بالقول أثناء وبسبب تأديته وظيفته، وتعديه عليه خلال ذلك، وقيادته مركبة دون الحصول على رخصة قيادة ودون حمل رخصة تسيير.
وتابع بيان :"الطقل قرر أن السيارة التي كان يقودها خلال الواقعة مملوكة لصديق والده الذي اشتراها من الأخير، وأنه يومئذ وخلال تواجده بمسكن صديق والده اختلس مفاتيح السيارة للتنزه بها من غير علم مالكها، ثم دعا أصدقاءه لصحبته، ولما التقوا فرد الشرطة استوقفه وسأله عن تراخيص السيارة والقيادة فنفى حملها، ثم دار بينهما الحوار المتداول حتى توجه فرد الشرطة إلى مقدمة السيارة لتدوين رقم لوحاتها المعدنية، فانطلق بها خشيةَ تحرير مخالفة ضد مالكها وفُوجِئ آنذاك باصطدام قدم فرد الشرطة بباب السيارة، فعاد إليه لاحقًا مقدمًا اعتذاره إليه فقبله منه".
وأضاف الطفل، خلال تحقيقات النيابة، أن أحد أصدقائه قام بتصوير المقطع المتداول، نافيًا علمه بشخص مَن نشره بمواقع التواصل الاجتماعي.
وباستجواب «النيابة العامة» مالك السيارة -صديق والد الطفل المتهم– فيما نُسب إليه من تعريضه حياة طفل للخطر، وتمكينه من قيادة مركبة وهو لم يبلغ ثمانية عشر عامًا وقد نتج عن ذلك ضرر للغير، أنكر ما نُسب إليه، نافيًا علمه أو سماحه للمتهم بقيادة السيارة.
وتابع البيان :"وأوضح مالك السيارة أن المتهم جاءه ظهيرة يوم الواقعة عائدًا من مدرسته –كما اعتاد منه– ثم فوجئ بمغادرته المسكن بعد فترة، وباستطلاعه أمره من الشرفة رآه يوقف سيارته –المستخدمة في الواقعة- أسفل المسكن، فلما سأله عما فعل أخبره باختلاسه مفاتيحها للتنزه بها، فنهره ونبهه على عدم تكرار فعله، مؤكدًا شراءه السيارة من والد المتهم في مطلع أكتوبر الماضي، حيث قدم «للنيابة العامة» أصل عقد بيعها إليه.
وكانت «النيابة العامة» قد كلفت مختصا اجتماعيا «بخط نجدة الطفل التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة» بدراسة حالة الطفل المتهم الاجتماعية والنفسية وإعداد تقرير بها، فأودع تقريرًا أثبت فيه أن الطفل مدلَّل بشدة من والده، مما دفعه لاقتراف مثل هذا السلوك، موصيًا بتسليمه لأهله وأخذ التعهد عليهم بتقويم سلوكه، وعقد جلسات دورية له لذلك.
وقد قررت «النيابة العامة» في ضوء أحكام المادة ١١٩ من قانون الطفل والتي ألزمت بعدم الحبس الاحتياطيّ للطفل الذي لم يجاوز خمس عشرة سنة، وفي ضوء ما أوصى به الاختصاصي الاجتماعي من تسليم الطفل المتهم إلى ولي أمره مع أخذ التعهد بالمحافظة عليه وحسن رعايته وإخضاعه للتأهيل وجلسات تعديل السلوك، كما أوصى بتقرير «خط نجدة الطفل».
وقررت «النيابة العامة» إخلاء سبيل مالك السيارة إذا ما سدد ضمانًا ماليًّا قدره عشرة آلاف جنيه على ذمة التحقيقات، وجارٍ استكمالها باستجواب مَن كان في صحبة الطفل المتهم بالسيارة وقت الواقعة، وطلب تحريات الشرطة النهائية حولها.