مغامرةٌ من نوع خاص ، خاضها فريقٌ من الأبطال كان مكانها أعماق البحار بحثًا عن ذاك الشاب الغريق الذي ابتلعته الأمواج في غضون لحظات، ومكث بعدها ذويه في العراء على أمل أن تلفظه المياه خارجًا أو يعثر عليه أحدهم فيسكن قلبهم قليلًا، ويتمكنوا حينها من طبع قبلة الوداع الأخيرة على جبين حبيبهم الصغير الذي قطفت الأمواج الثائرة زهرة شبابه.
الأمر كان اشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش، فالبحر عريض وجثمان ذاك الغريق قد تكون الأمواج حملته إلى مكان بعيد، إلا أن تلك الخواطر لم يسمح اصحابها أن تجعل اليأس يتسلل إلى نفوسهم، فمكثوا على مدار أحد عشر يومًا يقطعون الأمواج المتلاطمة والبحر شرقًا وغربًا.. شمالًا وجنوبًا وفي الأعماق وبين الصخور، أملًا في العثور على الشابين الغارقين بعروس البحر المتوسط "شادي ونور" ..فالأول التهمته مياه "النخيل" كما تفعل كعادتها كل عام أما الثاني فغاب بين أمواج "بلطيم"..
تلك الملحمة التي امتدت لنحو أحد عشر يومًا تكللت في نهاية المطاف بالنجاح بالعثور على جثمان طالب الهندسة "نور" بين الصخور، أما "شادي" فلازال البحث عنه مُستمرًا..
تواصلت (مصر العربية) مع بعض من الغواصين المتطوعين أبطال تلك الملحمة، ليرووا لنا كواليس الـ 11 يومًا الماضية التي قضوها بين الأمواج لحين عثورهم في نهاية المطاف على جثمان الشاب "نور سعد"، غريق بلطيم.
بدأت الملحمة حينما نما إلى مسامع هؤلاء الغواصين خبر غرق شباب في مياه النخيل وبطليم، لم يفكروا كثيرًا وسرعان ما تبادلوا الاتصالات فيما بينهم ووحدوا جهودهم، وقرروا أن يتطوعوا للبحث عن هؤلاء الغرقى ممن تمزقت قلوب ذويهم على حافة الشاطئ..
فمع رفع أذان الفجراعتاد كابتن ايهاب المالحي، قائد فريق الغواصين المتطوعين، طيلة الأيام الماضية أن يشد الرحال من بيته إلى حيث نقطة التقاءه مع باقي الغاطسين، لمواصلة المهمة الصعبة التي بدأوها في البحث عن الشابين الغارقين.
يقول المالحي لـ "مصر العربية": كنت اتحرك فجرًا من بيتي في رحلة تمتد لساعتين لحين وصولي لشاطئ بلطيم، حيث التقي برفاقي مع دقات السابعة من صباح كل يوم لنبدأ مهمة البحث في البحر وبين الصخور حتى ساعة الغروب.
هكذا بات "المالحي" ورفاقه يصارعون الأمواج ما بين بلطيم والنخيل على مدار الـ11 يومًا الماضية، وفي كل ليلة يعودون بخفي حنين لا يحملون اخبارً سارة لذوي الغرقى، ولكنهم يعاودون البحث في اليوم التالي، وقلوبهم مُحملة بأمل جديد.

أخبرنا ايهاب المالحي صاحب الـ 47 عامًا أنهم فريق كبير من المتطوعين قدموا من مناطق مختلفة، وكل واحد منهم جاء مُحملًا بالمعدات التي ستساعده في خوض مهمة البحث، من حبال وتنكات وكشافات واسطوانات اكسجين وبدل غطس، استعدادًا للنزول في الساعات الأولى من الصباح وحتى الغروب أملًا في العثور على ذاك الشاب الغريق.


كانت هناك 3 احتمالات تراود "المالحي" حينما طال الوقت دون العثور على "نور" الأول أن يكون الجثمان وصل لدمياط أو كفر الشيخ أو أو بور سعيد، أو أن يكون محشورًا بين الصخور، أو دفن تحت الرمال والصخور وغطته المياه.

وعن الصعوبات التي واجهتهم خلال رحلة البحث؛ علمنا من "نجم" أن البحر كان مرتفعًا للغاية في العشرة أيام الأولى فالموج وصل ارتفاعه لمتر ونصف، لذلك كانوا يضطرون في كثير من الاحيان النزول باكرًا.
وتابع: لذا اي شئ يلمسنا كان يجعلنا نرتطم بالصخور وهو الأمر الذي تسبب معه في حدوث اصابات لنا، ولكن نجينا بأعجوبة في كثير من المرات.
"كنا مثل فاقدي البصر فلا نرى شيئًا نتيجة تعكر المياه الشديد التي كانت ممزوجة بالطين"؛ بتلك العبارة استكمل الغواص العشريني وصف المشهد قائلًا: "كنا بنحسس زي الشخص الكفيف".

