في الثامن من أغسطس المقبل، ستكون مصر على موعد مع انتخابات مجلس الشيوخ، ليعود إلى الساحة التشريعية من جديد بعد غياب دام 6 سنوات، منذ استبعاده في دستور 2014 المعمول به حاليا في البلاد، قبل أن يتم تعديله ويعود هذه المرة تحت مسمى "مجلس الشيوخ".
وكان البرلمان قد وافق في جلسته العامة، 17 يونيو 2020 نهائيا، بأغلبية ثلثي الأعضاء على إصدار مشروع قانون مجلس الشيوخ، مقابل رفض 4 نواب، والذي نص على أن يُشكل المجلس من 300 عضو، ويُنتخب ثلثا أعضائه بالاقتراع العام السري المباشر، على أن يُعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي.
البداية في عهد "الخديوي"
مجلس الشورى، هو أحد المجلسين النيابيين في مصر، وظل في البلاد لمدة نحو 42 عاما، حتى جاءت لجنة الخمسين، التي كان منوطا بها تعديل الدستور في أعقاب إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم، وقررت إلغاءه بدعوى عدم الفائدة منه سوى أنه يحمل ميزانية الدولة ما لا تطيق.
وترجع بداية الحياة النيابية في مصر إلى عام 1866 في عهد الخديوي إسماعيل، ففي هذه الأثناء تم انتخاب أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وكان له سلطات رفع نصائح إلى الخديوي، وتداول الشؤون الداخلية، فكان يشبه النظم البرلمانية المعمول بها في أوروبا آنذاك.
بمرور الوقت اتسعت صلاحيات مجلس شورى النواب، حتى ظهرت الاتجاهات المعارضة وأفكار التنوير على أيدي كبار المفكرين والكتاب، وهو ما كان له دور في إعادة تشكيل البرلمان، ومنحه مزيدا من الصلاحيات.
وفى عام 1913 تم إنشاء الجمعية التشريعية، وكانت تتكون من أعضاء بحكم مناصبهم، وهم الوزراء، ثم من الأعضاء المنتخبين والمعينين، وكان عدد المنتخبين ستة وستين عضوا، أما الأعضاء المعينون فكان عددهم سبعة عشر عضوا.
وعقدت الجمعية التشريعية دور انعقاد واحد فقط، من الثاني والعشرين من يناير عام 1914 إلى السابع عشر من يونيو 1914، ولم تعقد أى اجتماعات بعد ذلك لتوقف الحياة النيابية في مصر بسبب الحرب العالمية الأولى، وقد صدر الأمر بحل هذه الجمعية في الثامن والعشرين من أبريل عام 1923.
وفي 19 أبريل عام 1923، نص الدستور الجديد أن يتكون من مجلس للنواب وآخر للشيوخ، على أن يكون التشريع من حق البرلمان، مع إعطاء الملك حق الاعتراض، وفى نفس الوقت أعطى للبرلمان حق الرقابـة على أعمال السلطة التنفيذية.
ولكن تعثر تطبيق دستور 1923، وتم حل مجلس النواب أكثر من مرة، بل إن جميع المجالس التي شكلت في ظله لم تكمل مدتها الدستورية، حتى أنه في عهد وزارة محمد محمود باشا صدر الأمر الملكى رقم (46) لسنة 1928 بحل مجلسى النواب والشيوخ لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
ولكن هذا الأمر الملكي لم يلبث أن ألغي في 31 أكتوبر عام 1929 مع دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس النواب وعودة مجلس الشيوخ.
في عهد السادات
وهكذا ظلت الحياة النيابية في فترة الملكية دون استقرار، حتى جاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقرر تأسيس مجلس الشورى، وطرحه للاستفتاء الشعبي في 19 إبريل عام 1979، واكتمل كيانه بتعديل الدستور الذي طُرح للاستفتاء في 22 مايو 1980.
وبحسب الراحل الدكتور صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، كما نقلت عنه مجلة أكتوبر قبل رحيله، فإن السادات تحدث معه وأبدى رغبته بإيجاد مجلس آخر بجانب مجلس الشعب لمجرد إبداء الرأي والاستشارة، دون أن يكون له دور رقابي ولا تشريعي، بحيث يكون بديلا عن الاتحاد الاشتراكي.
وقد صدر القانون رقم 120 لسنة 1980 بشأن مجلس الشورى، وضم المجلس 270 عضوا، جرى انتخاب ثلثيهم، وقام رئيس الجمهورية بتعيين الثلث الأخير (90 عضوا).
واتخذ مجلس الشورى، مقرا بأحد القصور التاريخية التي تعود لعهد الخديوي إسماعيل، بشارع القصر العيني، وعلى مسافة نحو 200 متر فقط من ميدان التحرير.
تجربة "الشورى".. فاشلة
وعن تاريخ مجلس الشورى في مصر، قال الدكتور عاشور عبدالجواد، أستاذ القانون بحقوق بنى سويف، إن تأسيس مجلس الشورى في عهد الرئيس الراحل السادات كان بغرض السيطرة على الصحف القومية بدلاً من "الاتحاد الاشتراكي".
وأضاف عبد الجواد، في تصريحات صحفية نقلها موقع "العربية.نت"، أن تجربة مجلس الشورى على مدار 40 عاما كانت فاشلة، لافتا إلى أنها كانت تحمل خزانة الدولة أموالا طائلة رغم عدم الفائدة من هذا المجلس، الذي كان يتم تعيين ثلث أعضائه من قبل رئيس الجمهورية مجاملة وإرضاء للرموز السياسية.
إلغاء ثم عودة
وفي أعقاب 30 يونيو 2013، وتشكيل لجنة الخمسين لتعديل الدستور، تقرر إلغاء مجلس الشورى في دستور 2014 المعمول به حاليا في البلاد، فبعد أن تولى المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية آنذاك، حكم البلاد لفترة انتقالية، أصدر قرارا بحلس مجلس الشورى.
وصدر دستور 2014 وقد نص على إلغاء مجلس الشورى، إلا أنه تمت إعادته مرة أخرى ضمن حزمة التعديلات الدستورية التي تقدم بها "ائتلاف دعم مصر" صاحب الأغلبية البرلمانية، والذي جرى تفعيله بعد تعديل الدستور في إبريل العام الماضي، ولكن تحت مسمى "مجلس الشيوخ".
وخصص قانون انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ 100 مقعد للانتخاب بالنظام الفردى و100 مقعد للانتخاب بنظام القوائم المغلقة المطلقة، و100 مقعد بالتعيين يعينهم رئيس الجمهورية.
ووفقا للقانون يجوز للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل من القائمة والفردي، ويتساوى فى الحقوق والواجبات كل من العضو المعين والعضو المنتخب، وتم تقسم الجمهورية إلى (27) دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و(4) دوائر للانتخاب بنظام القوائم.
ويخصص لدائرتين منهما 15 مقعدا لكل منها، ويخصص للدائرتين الأخريين 35 مقعدا لكل منها، ويحدد نطاق ومكونات كل منها بالجدولين المرفقين بقانون مجلس الشيوخ.
أما عن نسبة المرأة في مجلس الشيوخ، فالقائمة المخصص لها (15) مقعدا يجب أن تضم (ثلاث) نساء على الأقل، والقائمة المخصص لها (35) مقعدا يجب أن تضم (7) نساء على الأقل.
مكافأت ومميزات
وبالنسبة لعضو مجلس الشيوخ فإنه يتقاضى مكافأة شهرية مقدارها خمسة آلاف جنيه، تستحق من تاريخ أدائه لليمين، ولا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه العضو من موازنة المجلس تحت أي مسمى على أربعة أمثال المبلغ المذكور - حسبما ورد في نص المادة 26.
ومن المزايا التي سيتمتع بها أعضاء مجلس الشيوخ، الحصانة البرلمانية، إذ نصت المادة 22 في الباب الثالث بالفصل الأول المتعلق بالحقوق، على أنه لا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أي إجراء جنائي ضد عضو مجلس الشيوخ في مواد الجنايات والجنح، إلا بإذن سابق من المجلس وفي غير دور الانعقاد يتعين أخذ إذن مكتب المجلس، ويخطر المجلس عند أول انعقاد بما اتخذ من إجراء.
وفي جميع الأحوال يتعين البت في طلب اتخاذ الإجراء الجنائي ضد العضو خلال ثلاثين يومًا على الأكثر وإلا عُد الطلب مقبولًا.
كما أن عضو مجلس الشيوخ يمكنه الاحتفاظ بوظيفته وفقًا للمادة 33 التي تنص على ما يلي: "إذا كان عضو مجلس الشيوخ عند انتخابه أو تعيينه من العاملين في الدولة أو في اي من شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال العام أو الشركات التي تديرها الدولة أو تساهم فيها بنسبة 50%، من رأسمالها على الأقل أو تساهم فيها شركاتها المشار إليها بنسية 50% من رأسمالها على الأقل يتفرغ لعضوية المجلس ويُحتفظ له بوظيفته أو عمله وتحسب مدة عضويته في المعاش والمكافأة.
ويتقاضى عضو مجلس الشيوخ في هذه الحالة راتبه الذي كان يتقاضاه من عمله، وكل ما كان يحصل عليه يوم اكتسابه العضوية من بدلات أو غيرها وذلك طوال مدة عضويته.
ولا يجوز أثناء مدة عضويته بمجلس الشيوخ أن تقرر له أي معاملة أو ميزة خاصة في وظيفته أو عمله، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه عضو مجلس الشيوخ من مبالغ تطبيقًا لأحكام هذه المادة مضافًا إليها المبالغ المنصوص عليها في المادة 63 من هذا القانون على الحد الأقصى للدخول المقرر قانونًا.
ومن بين المزايا التي يتمتع بها عضو مجلس الشيوخ أنه لا يخضع لنظام التقارير السنوية وفقًا لنص المادة 34 التي أفادت أيضًا بأنه يجب ترقيته بالأقدمية عند حلول دوره فيها أو إذا رُقي بالاختيار من يليه في الأقدمية.
كما لا يجوز اتخاذ إجراءات تأديبية ضد أحد أعضاء المجلس من العاملين في الدولة أو في شركات القطاع العام أو قطاه الأعمال العام أو الشركات التي تديرها الدولة أو تساهم فيها بنسبة 50% من رأسمالها على الأقل، أو تساهم في شركاتها المشار إليها بنسبة 50% من رأسمالها على الأقل بسبب أعمال وظيفية أو عمله.
كما لا يجوز إنهاء خدمته بغير الطريق التأديبي، إلا بعد موافقة المجلس طبقًا للإجراءات التي تقررها لائحته الداخلية.
وبحسب المادة 35، يعود عضو مجلس الشيوخ بمجرد انتهاء عضويته إلى الوظيفة التي كان يشغلها قبل اكتسابه العضوية، أو التي قد رُقي إليها أو إلى وظيفة مماثلة لها.