رئيس التحرير: عادل صبري 09:47 مساءً | السبت 23 أغسطس 2025 م | 28 صفر 1447 هـ | الـقـاهـره °

مصر وإثيوبيا وبينهما السودان.. معركة الحدود ومصير السد (تحليل)

مصر وإثيوبيا وبينهما السودان.. معركة الحدود ومصير السد (تحليل)

أخبار مصر

سد النهضة

تساؤلات عن احتمالات تغيّر موقف الخرطوم

مصر وإثيوبيا وبينهما السودان.. معركة الحدود ومصير السد (تحليل)

أحمد علاء 03 يونيو 2020 11:40
طوال السنوات الماضية، دأب السودان على إعلانه التزام الحياد في ملف سد النهضة، إلا أنّ مراقبين كثيرًا ما وصفوا موقفه بـ"المنحاز" إلى إثيوبيا، إلا أنّ التوترات الحدودية التي اشتعلت مؤخرًا بين أديس أبابا والخرطوم أحدثت على ما يبدو كثيرًا من التغيرات.
 
واندلعت اشتباكات حدودية مسلحة بين السودان وإثيوبيا خلال الأيام القليلة الماضية، بدأت بإعلان الجيش السوداني يوم الخميس الماضي، مقتل ضابط برتبة نقيب وطفل وإصابة تسعة آخرين بينهم ستة جنود في اشتباك مع ميليشيات إثيوبية في منطقة حدودية بولاية القضارف.
 
وقالت وكالة الأنباء السودانية إنّ "قوة من الميليشيات الإثيوبية اعتدت على بعض المشاريع الزراعية في منطقة بركة نورين وقرية الفرسان وتواصل الاعتداء ليشمل الاشتباك مع القوة العسكرية السودانية في معسكر بركة نورين."
 
وفي وقت لاحق، اتهم الجيش السوداني في بيان الجيش الإثيوبي بمساندة الميليشيان والمشاركة في الاشتباكات. 
 
وقال البيان: "درجت الميليشيات الإثيوبية، بإسناد من الجيش الإثيوبي، على تكرار الاعتداء على الأراضي والموارد السودانية"، موضحا أن قوة من الجيش الإثيوبي تقدر بسرية مشاة وصلت الضفة الشرقية لنهر عطبرة صباح الخميس واشتبكت مع قواتنا غرب النهر.
 
 
ومن وقت لآخر، تشتبك القوات السودانية مع ميليشيات إثيوبية في منطقة الفشقة الحدودية التابعة لولاية القضارف السودانية في شرق البلاد، وهي المنطقة التي شهدت أيضا توترًا في أبريل الماضي، حيث أعاد الجيش السوداني انتشاره فيها، وزارها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.
 
الاشتباكات الحالية نجمت عن محاولة مزارعين إثيوبيين زراعة أراضٍ سودانية حدودية، كما اعتادوا في السابق، حيث إن مشكلة التعدي على الأراضي السودانية قديمة ويتجاوز عمرها أكثر من نصف قرن، وهي مرتبطة بموسم الزراعة والحصاد، وكانت الأنظمة السياسية السودانية المتعاقبة تتغاضى عن هذه القضية بدوافع واعتبارات سياسية، بل وتقوم بالتستر عليها.
 
الجديد في الأمر هذه المرة، وفق دراسة لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن الحدود بين البلدين تم ترسيمها باتفاق الدولتين، وأصبح هناك وجود لقوات عسكرية لحراسة المنطقة. ويجري هذا التعدي في منطقة الفشقة على الحدود بين البلدين، وتبلغ مساحتها 251 كم، والتي لا يوجد نزاع بينهما حول تبعيتها للسودان، كما أن إثيوبيا لم تدّعِ تبعية المنطقة لها.
 
وكانت وزارة الخارجية السودانية، قد استدعت القائم بالأعمال الإثيوبي للاحتجاج على توغل ميليشيات إثيوبية (مسنودة من الجيش الإثيوبي) واعتدائها على المواطنين والقوات المسلحة السودانية في منطقة حدودية بولاية القضارف، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من ضباط وأفراد القوات المسلحة ومواطنين سودانيين، بينهم أطفال.
 
 
غير أن وزارة الخارجية الإثيوبية، سعت أمس لاحتواء الأزمة، مؤكدة شعورها بأسى بالغ إزاء الحادث، وقالت في بيان: "من أجل احتواء الوضع على الأرض ومن أجل تجنب مزيد من التوتر، تؤكد الوزارة ضرورة أن يعمل البلدان من خلال الآليات العسكرية القائمة لمعالجة الظروف المحيطة بالحادث والتحقيق فيها بشكل مشترك".
 
ولا تعتقد أديس أبابا في وجود سبب معقول يجعل البلدين ينجرفان نحو الأعمال العدائية وفقًا للبيان الذي دعا إلى ضرورة استمرار التعاون الوثيق بين الإدارات المحلية والإقليمية في الجارين لضمان السلام والأمن في المنطقة الحدودية، مشدداً على أن الحادث لا يمثل العلاقات القوية بين شعبي البلدين.
 
كل هذه التطورات جاءت في وقت اتفقت فيه مصر والسودان وإثيوبيا، قبل نحو أسبوع، على العودة لطاولة المفاوضات لحل مشكلة سد النهضة، الذي تبنيه الأخيرة على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى القاهرة أن يقلص إمداداتها، الشحيحة أصلاً، من المياه، والتي يعتمد عليها سكانها البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، بأكثر من 90 في المائة في الشرب والزراعة.
 
 
هذه التوترات أحدثت نوعًا من التغيير على ما يبدو في موقف السودان من سد النهضة، بعدما وُصف على مدار السنوات الماضية من قِبل المراقبين المصريين، بأنّه منحاز للموقف الإثيوبي.
 
وأرسل السودان رسالة إلى مجلس الأمن، طلب فيها دعم جهوده الهادفة لاستئناف التفاوض حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى بحسن نية وصولاً لاتفاق شامل ومرضٍ لكل الأطراف.
 
وأكد السودان موقفه "الثابت من ضرورة الحفاظ على مصالح مصر وإثيوبيا والسودان واستئناف مفاوضات سد النهضة، وتأسيس قاعدة للتعاون على أساس المصالح".
 
وتضمنت الرسالة، تفاصيل المبادرة السودانية الأخيرة المتمثلة في الاتصالات التي أجراها عبدالله حمدوك رئيس الوزراء مع نظيريه في مصر وإثيوبيا، وانتهت إلى الموافقة على استئناف المفاوضات على مستوى وزراء الري.
 
كما شددت الرسالة على التزام السودان بقواعد القانون الدولي المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، وعلى رأسها الاستخدام المنصف والمعقول للمصادر المائية والامتناع عن التسبب في أخطار جسيمة للدول الأخرى، والتسوية السلمية للنزاعات.
 
 

الخطوة السودانية قوبلت بترحيب واسع من قِبل مراقبين مصريين، حيث أكّد الخبير الاستراتيجي الدكتور عباس شراقي أنّ هذه خطوة إيجابية نحو توحيد الصف المصري السوداني خلال الأيام المقبلة لإرغام إثيوبيا على عدم إتخاذ قرار أحادي، واحترام الإتفاقيات والأعراف الدولية.

 

ونقلت وسائل إعلام سودانية عن شراقي قوله: "إذا إستمرت إثيوبيا في التحدي وبدء الملء الأسابيع القادمة فقد تتحول خطابات مصر والسودان إلى شكوى وطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوقف بناء سد النهضة إلى أن ينتهى الخلاف".

 

وأضاف: "عندما رفض السودان منذ أكثر من أسبوعين عرضًا إثيوبيًّا بعقد اتفاق جزئي، أكّدنا أنّ هذا ليس دليلًا على تغير فى الموقف السوداني، وإذا كان قد تغير فعلا فعليه عمل أحد الأمرين إما إرسال خطاب إلى مجلس الأمن بنفس مطالب مصر لأنها مطالب دول المصب، أو توقيع اتفاق واشنطن، والآن السودان يرسل خطابًا إلى مجلس الأمن بعد 35 يومًا من الخطاب المصري." 

 
وبعد الرسالة، أوضح وزير الري السوداني ياسر عباس أنّ المذكرة التي دفعت بها وزارة خارجية بلاده لمجلس الأمن الدولي، إثباتٌ لحق السودان الأصيل في هذا الملف، ولا تشكل تصعيدًا للأوضاع المتعلقة بسد النهضة، ضد أي طرف من أطراف التفاوض، أو انحيازًا لطرف دون آخر.
 
وكشف الوزير في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، يوم الثلاثاء، عن إرسال كل من مصر وإثيوبيا خطابات مماثلة لمجلس الأمن الدولي فى مايو الماضى، وأوضح أن المذكرة تطالب مجلس الأمن بحث جميع الأطراف للامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية تؤثر على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
 
وأشار إلى أنّ مضمون المذكرة يؤكد حرص السودان على استئناف التفاوض بين الدول الثلاث للتوصل لاتفاق شامل ومرض.
 
 
التوضيح السوداني يبدو أنّه يسعى لاحتواء الأمور سريعًا قبل أي تباين في وجهات النظر، إلا أنّ تزامن هذا الموقف مع التصعيد الحدودي والدبلوماسي بين الخرطوم وأديس أبابا قاد إلى تغييرات عديدة في قراءة المشهد فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة سد النهضة.
 
وقد تبدو مصر المستفيد الأول من التغير في الموقف السوداني، على الأقل مقارنةً بمواقف الخرطوم طوال الفترة الماضية التي نُظر عليها مصريًّا على أنّها منحازة لإثيوبيا، وقد يرجع ذلك إلى خلافات لها جذور تاريخية بين مصر والسودان، تعود إلى ملف حلايب وشلاتين.
 
تتفق مع ذلك دراسة مركز الإمارات، التي قالت إنّ الاشتباكات الحدودية أو بمعنى أدق الاعتداءات التي قامت بها الميليشيات الإثيوبية، والتي جاءت بعد أيام من إنهاء وفد سوداني حكومي رفيع المستوى زيارته للعاصمة أديس أبابا، استمرت 4 أيام، أجرى فيها مباحثات بشأن قضية الحدود بين البلدين، قد تلقي بتأثيراتها السلبية على المفاوضات الخاصة بسد النهضة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا.
 
وأضافت الدراسة أنّ المفاوضات تعاني أزمة شديدة بعد أن قاطعت أديس أبابا جولة المفاوضات الأخيرة في واشنطن في نهاية فبراير الماضي، والتي كان يفترض أن يتم خلالها توقيع اتفاق نهائي لحل هذه الأزمة، وبعد أن أعلنت إثيوبيا أنها ستبدأ في عملية ملء السد الشهر المقبل دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم، ولكن حزمة من الضغوط الدولية، فضلاً عن تحركات سودانية نجم عنهما إعادة إثيوبيا إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، حيث تم إعلان عقد جولة جديدة بين الأطراف الثلاثة قريباً، ولكن ذلك كان قبل وقوع تلك الاشتباكات، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانية عقد هذه الجولة بالفعل، وفي وقت قريب، لحل أزمة المفاوضات حول السد التي تتعقد مع مرور الوقت.
 
 
ويبدو أنّ مصر تنتظر تغيرًا ملموسًا في الموقف السوداني، بعدما أقدمت الخرطوم على اتخاذ موقف متأرجح منذ شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة في 2011، إلى أن وصلت في مراحل كثيرة إلى الانحياز للموقف الإثيوبي بعد 2013، في عهد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. 
 
وكثيرًا ما تحدّث البشير خلال حكمه، عن أهمية سد النهضة للسودان، وهو ما قاد الكثير من المحللين إلى الحديث عن مكاسب يجنيها السودان من هذا المشروع الإثيوبي، مثل الاحتياجات الكهربائية.
 
وكانت مصر تنتظر من السودان لعب دور الشريك وليس الوسيط على اعتبار أنّه يتضرّر من المشروع الإثيوبي أيضًا، شأنه في ذلك شأن مصر، إلا أنّ الخرطوم نظرت خلال السنوات الماضية إلى مصالح أخرى، حسبما بيّنت مواقفها في التعامل مع هذا الملف الشائك.
 
ما يعضّد ذلك أنّه لم يتضح موقف السودان مع احتدام الموقف المصري الإثيوبي عقب الجلستين التفاوضتين اللتين عقدتا في مصر والخرطوم في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، واللتين أسهمتا في اتجاه مصر نحو عرض الموقف دوليًا في الأمم المتحدة، بسبب التعنت الإثيوبي الواضح في سير المفاوضات.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان