رئيس التحرير: عادل صبري 08:03 صباحاً | الثلاثاء 16 أبريل 2024 م | 07 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

مغامرات «الشيخ الثائر» مع أهل الفن والسياسة..عبد الحميد كشك صاحب توك شو المنابر

مغامرات «الشيخ الثائر» مع أهل الفن والسياسة..عبد الحميد كشك صاحب توك شو المنابر

أخبار مصر

الشيخ عبد الحميد كشك

في ذكرى وفاته

مغامرات «الشيخ الثائر» مع أهل الفن والسياسة..عبد الحميد كشك صاحب توك شو المنابر

متهم بالتحريض على العنف والإرهاب

أحلام حسنين 06 ديسمبر 2019 10:28

في مثل هذا اليوم منذ 23 عاما تحققت دعوة الشيخ ذو الحنجرة المتفردة، واللسان المنطلق، والخطب الرنانة، الذي لقبه البعض بـ فارس المنابر"، وآخرون لقبوه بـ"الشيخ الثائر"، فقد كان يدعو دائما "اللهم أحييني إماما، وأمتني إماما، واحشرني وأنا ساجد"، فكان له ما أراد، وهو الشيخ عبد الحميد كشك

 

وفي يوم الجمعة 6 ديسمبر عام 1996، توضأ في بيته لصلاة الجمعة، وكعادته يصلي قبل الذهاب للمسجد، وبعد أن دخل في الصلاة، وصلى ركعة وبعد الركعة الثانية سجد الأولى ورفع منها، ثم سجد السجدة الثانية، وفيها توفاه الله عن عمر يناهز 63 عاما. 

 

كانت مسيرة الشيخ كشك مليئة بالمواقف سواء دينية أو سياسية، فهو اشتبك مع الساسة وسُجن، وانتقد الفنانين، ودافع عن الإسلام، وهاجم الإعلام، وهو أيضا لايزال يتعرض للهجوم حتى الآن، فرغم مرور كل هذه السنوات على وفاته، إلا أن بعض الكتاب والمواقع الإخبارية تعتبر أن خطبه كانت تصنع الإرهاب.

 

 

مولده وفقد بصره 

 

وُلد الشيخ عبد الحميد كشك في 10 مارس 1933 في قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة،  كان طفلا سليما معافة من الأمراض، حتى وصل إلى سن السادسة من عمره، أُصيب بمرض "الرمد الصديدي"، ورغم أنه مرض بسيط يُعالج بالمضادات الحيوية أو غسول العين، إلا أنه تسبب في فقد عينيه اليسرى.

 

ففي هذا الوقت الطبيب هو "الحلاق"، الذي كان يُشخص المرض ويعالجه ويعمل جراحا إذا تطلب الأمر، ولكنه تسبب في فقدان العين اليسرى لذلك الطفل، وسارت عيناه اليمنى هي البصيص الذي يرى من خلاله النور.

 

ذهب كشك للكتاب وفيه أتم حفظ القرآن الكريم كاملا قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، ثم ذهب إلى الإسكندرية ليتلقى تعليمه الابتدائي في المعهد الديني هناك، وكان يعود ينقل لأهله وجيرانه ما تعلمه.

 

بلاغ في أول خطبة

 

بدت ميول الخطابة عند كشك من صغره، فكان كلما سنحت له الفرصة يخطب في الناس ينقل لهم ما تعلمه، حتى جاءته الفرصة ليصعد المنبر في صلاة الجمعة لأول مرة، في عام 1984، كان حينها ابن الـ 15 عاما. 

 

تردد أن الإمام تأخر عن الصلاة فصعد بدلا منه كشك، وقيل إن الإمام هو من سمح له بذلك، ولكن الأهم هو موضوع الخطبة الذي دفع مدير مستشفى شبراخيت لتقديم بلاغ ضد عبد الحميد كشك

 

فكان موضوع الخطبة الأولى لـ "كشك" عن سوء إدارة المستشفيات في شبراخيت والرشاوى التي تقدم للمسؤولين، فكان نتيجتها أول بلاغ يُقدم ضده في حياته وهو لايزال صاحب الـ 15 عاما. 

 

الأول على "المكفوفين"

 

ظل كشك طيلة هذه الفترة معتمدا على بصيص النور الذي يضيئ من عينه اليمنى، حتى جاء آخر يوم الأمتحانات، أرهقت عيناه من المذاكرة على لمبة "الجاز" وضعف البصر، حتى فقد عينيه اليمنى أيضا وبات كفيفا تاما، فأصابه الإحباط فمكث في بيته عامين. 

 

حصل كشك على الثانوية العامة، وكان الأول على "المكفوفين" على مستوى الدولة، فهو كما كان يقول عن نفسه "إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما .. ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ"، حتى أنه تسلم جائزة من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في عيد العلم.

 

التحق كشك بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، وكان ترتيبه الأول على دفعته في كل عام، حتى تخرج عام 1964، وعُين معيدا بالجامعة، إلا إنه بعد أول محاضرة قرر الاستقالة ليتفرغ إلى الخطابة والإمامة.

 

إماما وخطيبا

 

بعد تعيينه إماما في عدد من المساجد استقر كشك أخيرا على مسجد "عين الحياة" بحدائق القبة بالقاهرة، وظله فيه نحو 20 عاما، حتى عرفه الناس بـ"مسجد الشيخ كشك"، غير أن كشك نفسه كان يسميه بـ"مدرسة محمد رسول الله"، فقد جعل منه مستشفى وجمعية خيرية للإنفاق على الأرمال والأيتام، فضلا عن الخطب في الأمور الدينية وشتى مناحي الحياة.

 

استطاع كشك أن يجذب إليه الناس من كل ربوع مصر، حتى كانت تُغلق الطرق حول المسجد من كثرة الناس الذين أتوا من كل حدب ليسمعوا لذلك الشيخ المفوه صاحب الخطب الرنانة واللسان الطلق، ويغرد خارج السرب. 

 

كشك وعبد الناصر 

 

في فترة 1964 انتقد الشيخ كشك صدور أحكام بالإعدام على بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين، إذ قال في إحدى خطبه :"في الوقت الذي عُلقت فيه الرقاب التي كل ذنبها إنها قالت لا إله إلا الله كان الموسيقار عبد الوهاب يقيم حفلة في سلاح الفرسان يغني أغنية تسلم ياغالي". 

 

لم يكن الشيخ كشك منتميا لأي من الجماعات أو الأحزاب ولكنه كان شديد النقد للفن والفنانيين، وكان يدافع عن كل ما هو إسلامي.

 

ومع بزوغ نجم الشيخ كشك طلب منه عبد الحكيم عامر أن يصدر فتوى بحل دم سيد قطب وكل من صدر بحقهم حكما بالإعدام من قيادات الإخوان، غير أن كشك رفض، ودون ذلك في كتابه "قصة أيامي" للشيخ عبد الحميد كشك

 

كان مدير أمن الدولة في هذا التوقيت هو صلاح نصر، وبعد رفض الشيخ كشك لحل دم سيد قطب، هاجمت قوات الأمن شقته وقادوه إلى الزنازنة رقم 19 في سجن القلعة، كما ذكر هو في كتابه.

 

وقال كشك في إحدى خطبه :"ما زلت أذكر الزنازنة رقم 19 في سجن القلعة، يوم دخلتها لأول ليلة في حياتي وأُغلق الباب عليّ وحدي والظلام دامس، وأخذت اتعتق حوائطها كيف أنام وأين الفراش الذي أنام عليها، وأين القبلة لأصلي لله، وأين الماء لأضوضاء، وخلعت ملابسي وعمامتي تحت رأسي، ونمت ليلتلي أشكو لربي ظلم العباد".

 

وبعد نحو عامين ونصف خرج كشك من السجن في مارس عام 1968، وبعدها بعامين توفي الزعيم جمال عبد الناصر، وجاء محمد أنور السادات إلى رأس الحكم.

 

علق كشك على وفاة عبد الناصر بقوله: "يوم مات طرق بابي طارق، وقال لقد مات فلان، فأعد نفسك لأنك ستعتقل الليلة، وقلت سبحان الله أشقى به حيا وميتا".

 

الكاسيت..ومنبر "توك شو" 

 

في أوائل السبيعينات أعلنت شركة فلببيس عن اختراع شريط الكاسيت، والذي كان بوابة العبور للشيخ كشك من مسجد "عين الحياة" بحدائق القبة إلى كل محافظات مصر والعالم الإسلامي.

 

وكان الشيخ يُحضر لصلاة الجمعة من عصر الجمعة التي تسبقها، فيستعين بمن يقرأ له الجرائد والكتب ويجهز المادة العلمية، ويمزجها بالنكتة ولهجته العامية المطعمة باللغة العربية وفصاحة لسانه وحنجرته القوية، فهكذا كانت خطبته مزيجا بين كل هؤلاء.

 

ووصف البعض خطب الشيخ كشك بأنها كانت أنجح "برنامج توك شو" في الوطن العربي في هذه الحقبة، فقد كان يتحدث فيها عن قضايا الأمة، وينتقد الفنانيين والأعمال الفنية، ويتحدث في السياسة والاقتصاد والأحوال الاجتماعية، وينتقد الإعلام.

 

ووفقا للكاتب الصحفي وائل لطفيا فإن الشيخ كشك من أوائل الذين استفادوا من وسائل الاتصال الحديثة، مثل الكاسيت، ما زاد من شهرته أكثر وأكثر، لاسيما أن جمهوره كان أغلبهم من البسطاء والفقراء.

 

 

كشك والسادات 

 

كان الشيخ كشك يهاجم عبد الناصر ورموزه ويمدح الإخوان المسلمين ويتحدث عن حكايات التعذيب التي تعرضوا لها في سجون عبد الناصر، وهو ما كان يروج للسادات الذي كان يسعى للقضاء على آثار نظام عبد الناصر.

 

ورغم ذلك لم يسلم السادات من انتقاد كشك لسياساته، بل نالت زوجته جيهان السادات انتقادات واسعة من الشيخ كشك بسبب تدخلها في قوانين المرأة والأسرة.

 

وتحول هجوم كشك للسادات نفسه بعد توقيع معاهدة  السلام مع إسرائيل عام 1979 وزيارته للكنيست الإسرائيلي.

 

في عهد مبارك.. اعتزال إجباري

 

وفي اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة، كان الشيخ عبد الحميد كشك من أبرز المعتقلين، لكن السادات قُتل بعد شهر تقريبا ليخرج كشك من السجن ليس إلى المنبر كما تعود، لكن إلى البيت، حيث لم يسمح له بارتقاء المنبر في عهد الرئيس حسني مبارك، حتى وفاته عام 1996.

 

وكان كشك يسخر من السادات قائلا :"لا نور ولا سيادة"، ويسخر من حسني مبارك  قائلا"لا حسن ولا بركة".

 

قالوا عنه 

 

قال جيل كيبل المستشرق ورجل المخابرات الفرنسي عن الشيخ كشك: "نجح كشك في إعادة رسالة المسجد في الإسلام، حيث تحول مسجده في عين الحياة بحدائق القبة إلى خلية نحل، تكتظ بحشود المصلين الضخمة، الذين يضيق بهم المسجد، فيفترشون الحصير في الشوارع المحيطة".

 

وقال عنه محيي الدين عبد الحليم أستاذ ورئيس قسم الإعلام بالأزهر:"أسهم بفاعلية واقتدار في جذب الجماهير، وأرسى منهجـًا في الخطابة جديرًا بالبحث والدراسة، وتناول مختلف الأمور التي تشغل تفكير المسلم في يومه وغده، متحملاً أعباء جسيمة في سبيل الرسالة التي اضطلع بها، وتحمل كراهية المسؤولين، والكثير من عنت السلطة".

 

وأضاف عبد الحليم :"الشيخ كشك أثبت أن خطبة الجمعة لا تقل أهمية عن وسائل الإعلام المعاصرة كافة، بل تتفوق عليها جميعـًا".

كشك والفن


مما اُشتهر به كشك انتقاده اللاذع للفنانيين وأبرزهم أم كلثوم وعبد الحليم وفايزة أحمد وعادل إمام.

 

ومن أشهر تعليقاته على أغاني أم كلثوم حينما غنت "خدني في حنانك خدني" قوله بالعامية المصرية "امرأة في الستين عمرها تقول خدني في حنانك خدني، يا شيخة ربنا ياخدك". 

 

ومن طرائفه في التعليق على أغاني عبد الحليم حافظ، قوله إن عبد الحليم "لديه معجزتان: الأولى أنه أمسك الهواء بيديه والثانية أنه يتنفس تحت الماء"، وذلك في إشارة إلى مقاطع من أغانيه "ماسك الهوا" و"إني أتنفس تحت الماء".

 

وسخر من أغنية فايزة أحمد "يامّا القمر على الباب"، بقوله "شفتم عمركم القمر بيبقى عطشان؟ روسيا طلعت القمر، وأميركا طلعت القمر، وإحنا القمر بتاعنا على الباب".

 

وخاض معركة مع محمد عبد الوهاب بعد أغنية "جئت لا أعلم من أين" باعتبارها إلحادا، وقال "هل من الإسلام أن يتساءل عبد الوهاب مندهشا أو معترضا، جايين الدنيا ما نعرف ليه؟ ألا يعلم الجميع لماذا جئنا إلى الدنيا وأننا إلى الله ذاهبون؟".

 

اتهامه بـ"الإرهاب"

 

ورغم مرور سنوات على وفاته، إلا أن هناك من الكتاب الصحفيين من يعتبر أن الشيخ كشك ترك ورائه إرثا من الخطب التي تحرض على العنف.

 

فتحت عنوان "مظلومات الإخوان ومدرسة الشيخ كشك" نشرت الكاتبة غادة حماة، مقالا في 21 نوفمبر،  قالت فيه إن عبد الحميد كشك كان أول من روج لفكرة الظلم والتعذيب بالسجون المصرية، بقصص خرافية فكاهية لا يصدقها عقل لتعذيب المؤمنين حفظة القرآن واغتصاب الفتايات الحرائر، واستخدام الصعق الكهربائي وتكسير عظام الأيدي والأرجل وانتهاك أجيال الشباب بالسجون.

 

وأضافت الكاتبة أن كشك هو أول من كفر رجال الجيش والشرطة علانية بالمساجد، وأطلق عليهم جنود الطاغوت، ورجال فرعون وأول الهالكين.

 

واستطردت:"إن كانت كتابات السابقين هي من قدمت الأفكار التكفيرية إلا أن السيد كشك وأمثاله من شيوخ الفتنة هم من استطاعوا تحويل تلك الأفكار المكتوبة إلى أقوى آلة إعلامية متسربلة بعباءة الدين بأسلوب مبسط".

 

وتابعت :"ستجد أن الشيخ عبد الحميد كشك نفسه قائد وأستاذ مدرسة شيوخ التكفير والتطرف لم يكن ليتخيل يوما هذا القدر من النجاح لخطه الإخوان الشيطانية فى خلق جيل كامل من الإرهابيين والانتحاريين ويتبعهم فريق كامل من المتعاطفين المتسلفين أو المتأخونين فكريا الذين ينحازون وبنجرفون ببساطة خلف أكاذيب الالة الاعلامية الاخوانية".

 

وفاته ..رؤية النبي 


قبل وفاته قصَ الداعية الإسلامي على زوجته وأولاده رؤية رأى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب بالمنام حيث رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له: "سلم على عمر"، فسلم عليه، ثم وقع على الأرض ميتا فغسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه.

 

وروى الباحث والداعية عبد السلام البسيوني، إن الظروف قد ضاقت جدا على كشك، حتى أنه كان يعيش على التمر والماء، وهو المريض بالسكر، ومع أن الكثيرين عرضوا عليه المساعدة إلا أنه كان يرفض بشدة. 

 

وهكذا كانت مسيرة الداعية الإسلامي الشيخ عبد الحميد كشك، والذي تحققت دعوته التي لطالما دعا به بأن يحيه الله إماما ويحشره ساجدا، فقد ذهبت روحه إلى الرفيق الأعلى في ثاني سجدة في الركعة الثانية، وكانت هذه آخر عهده بالدنيا.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان