من المقرر، أن تبدأ اليوم الأربعاء جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة في واشنطن بين مصر وإثيوبيا والسودان برعاية الوسيط الأمريكي دونالد ترامب، بعد إعلان مصر تعثر مفاوضات السد رسميا نتيجة التشدد الإثيوبي في مطلع أكتوبر الماضي في ظل حالة قلق لدى البلدان الثلاثة حول نتائج هذه الجولة.
وكانت طلبت مصر تدخل وسيط دولي بناء على البند العاشر من اتفاقية مبادىء سد النهضة الذي ينص على مشاركة طرف دولي في مفاوضات سد النهضة للتوسط بين الدول الثلاثة وتقريب وجهات النظر والمساعدة على التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاثة دون الافتئات على مصالح أي منها، بحسب وزارة الري.
ومن المفترض خلال اجتماعات اليوم بين الدول الثلاث أن تضم وزراء الخارجية والمياه والري في مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، برعاية وزير الخزانة الأميركي، ستيفين منوشين، ومشاركة البنك الدولي.
وفي أجواء مشحونة، أبلغ ترامب نظيره الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال اتصال هاتفي عن اهتمامه وحرصه الشخصي على نجاح هذه المفاوضات وأنه شخصيا سيستقبل وزراء الخارجية الثلاث بالمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في مستهل هذه المفاوضات تأكيدا لحرصه البالغ على خروجها بنتائج إيجابية وعادلة تحفظ حقوق جميع الأطراف.
هذا التصريح أثار حالة ارتياح لدى القيادة المصرية، إذ قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في تغريدة له على حسابه الرسمي على موقع "تويتر" واصفا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه: (رجل من طراز فريد ويمتلك القوة لمواجهة الأزمات والتعامل معها، وإيجاد حلول حاسمة لها).
تعثر المفاوضات
في 5 أكتوبر الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم الوزارة: إن إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات التى جرت فى الخرطوم في الفترة من 30 سبتمبر وحتى 5 أكتوبر 2019 مقترحاً جديداً يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل.
وأوضح أن المقترح الإثيوبي خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من سد النهضة، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل، كما رفضت إثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة.
كما أصرت إثيوبيا على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس 2015 بما يتعارض مع الأعراف المتبعة دولياً للتعاون فى بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة، بحسب وزارة الري.
وأضاف المتحدث أن هذا الموقف الإثيوبي قد أوصل المفاوضات إلى مرحلة الجمود التام خاصة بعد رفض إثيوبيا للمقترح المصرى الذى قدم طرحاً متكاملاً لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة يتسم بالعدالة والتوازن ويراعي مصالح الدول الثلاثة.
وأكدت الوزارة أن هذا الموقف يأتي استمراراً للعراقيل التى وضعها الجانب الإثيوبي أمام مسارات التفاوض على مدار السنوات الأربع الماضية منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ، إذ أعاقت إثيوبيا المسار الخاص بإجراء الدراسات ذات الصلة بالأثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة على دولتى المصب بامتناعها عن تنفيذ نتائج الاجتماع التساعي وموافاة الاستشارى الدولى بملاحظات الدول الثلاثة ذات الصلة بتقريره الاستهلالي.
وتقضي المادة الخامسة من اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015 بإجراء تلك الدراسات واستخدام نتائجها للتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
نقاط الخلاف
و خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدورة الـ74 للأمم المتحدة في 26 سبتمبرالمنصرم إنه لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض سياسة الأمر الواقع، فيما جاءت هذه التصريحات في أعقاب إعلان سامح شكري وزير الخارجية، تعثر مفاوضات سد النهضة التي تجرى منذ نحو 9 سنوات.
وكان وزراء الري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، اجتمعوا في القاهرة في 15 و 16 سبتمبر الماضي وحضر الاجتماع أعضاء اللجان الفنية والبحثية والمتخصصين في الدول الثلاثة، بحسب وزارة الري.
وأوضحت الوزارة حينها أن الاجتماع لم يتطرق للجوانب جوانب الفنية، واقتصر على مناقشة الجوانب الإجرائية والتداول حول جدول أعمال الاجتماع، دون مناقشة المسائل الموضوعية، وذلك بسبب تمسك إثيوبيا برفض المقترح المصري.
ويشمل المقترح المصري6 بنود من بينها إخطار مصر بحجم الملء والتخزين خلال سنوات الجفاف، ومواعيد صرف التفريغ والكمية المحددة، حتى لا تتأثر السدود الخلفية لسد النهضة في السودان أوالسد العالي.
أما الخطة الإثيوبية لتشغيل السد النهضة ستؤدي إلى اقتطاع نحو 15 مليار متر مكعب من المياه، ما سيؤدي إلى تدمير آلاف الأفدنة الزراعية بمصر، ووقف عملية استصلاح الزراعة.
ووفقا لوزير الري المصري محمد عبد العاطي، فإن تمسّك إثيوبيا بمواقفها المتطرفة إزاء المطالب المصرية بإطالة فترة الملء الأولى للخزان الرئيسي للسد، سيؤدي إلى حدوث مشكلة كبيرة تهدد ببوار 200 ألف فدان في مصر، نتيجة خفض حصة مصر من مياه النيل بما يتجاوز 2%.
مواطن القوة في الموقف التفاوضي المصري
في السياق ذاته، يناقش الدكتور أحمد أمل رئيس وحدة الدراسات الأفريقية بالمركز المصري للفكر و الدراسات الاستراتيجية مواطن القوة والضعف في الموقف التفاوضي المصري، خلال دراسة معنونة بـ(الموقف المصري ما بعد تعثر مفاوضات سد النهضة).
يقول أمل إن من بين مواطن القوة في الموقف التفاوضي المصري، الوضع السياسي غير المستقر في الداخل الإثيوبي قد يدفع الأخيرة إلى لتبني سياسات خارجية أكثر عقلانية وتوازنا تجاه القضايا الإقليمية ومن بينها قضية تقاسم مياه النيل.
وكذلك استمرار الاشتباكات الإثنية في إثيوبيا عموما وفي الأقاليم الغربية خصوصا، إذ يعد إقليم بني شنقول-جوموز الذي يضم موقع بناء سد النهضة بؤرة لواحد من أكثر الصراعات الإثنية حدة بلغت ذروته العام الجاري إلى معدلات غير مسبوقة، بحسب الدكتور أحمد أمل.
واعتبر أمل أن التغيرات الحادة في السودان التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير تصب في صالح الموقف التفاوضي المصري لأن البشير كان يميل إلى الجانب الإثيوبي، وبالتالي هناك فرصة لإقامة توازنات جديدة بين مصر والسودان.
وركز أمل على كون انحسار موجه التمدد الإقليمي التي واكبت الشهور التي تلت صعود آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي للحكم، وعودة التنافر الطبيعي بين القوى الإقليمي في القرن الإفرقي فضلا عن تعدد المتضررين من سياسة السدود الإثيوبية، أحد أبرز مواطن القوة.
نقاط الضعف
وأما عن نقاط الضعف في الموقف التفاوضي المصري، تتمثل في تسارع معدا بناء السد لفرض الأمر الواقع، والمماطلات الإثيوبية المتكررة التي تستهدف كسب الوقت مع إضاعة الفرص على مصر لتبني مواقف تصعيدية في ظل القيول المبدئي للعودة للتفاوض ثم الاعتذار عن حضور الاجتماعات في اللحظة الأخيرة وهكذا.
واعتبر أمل أن الدعم الدولي الذي يحظى به آبي أحمد وما يترتب عليه من وجوده في الحكم لفترة طويلة، أحد مواطن الضعف، وكذلك غموض الموقف في السودان خاصة مع الترتيبات الانتقالية الجديدة، فضلا عن وجود حجة سودانية مستمرة للتذرع بالانشغال بالملفات الداخلية على حساب الملفات الإقليمية.
وأيضا تتابع مظاهر الدعم الدولي العلني لإثيوبيا في مشروع السد خصوصا الصين وألمانيا وفرنسا وأيطاليا متمثلة في شركاتها التي تتولى تصميم بعض الأعمال الإنشائية في سد النهضة، بالإضافة إلى انسحاب أمريكا المتسارع من منطقة القرن الأفريقي سياسيا وأمنيا واعتمادها على الوكلاء بما يقلل من فرص تدخل أمريكا للضغط على إثيوبيا لضمان عدم الإضرار بالمصالح المصرية، بحسب الدكتور أحمد أمل.