قبل عامين كان قصر الأميرة خديجة الكائن بحلوان، مهجورا يضربه الإهمال وتسكنه الثعابين، كادت تختفي معالمه التراثية بين بينايات المدارس التي تحاوطه، أما الآن فتجده مزارا ذا قيمة سياحية ومؤسسة علمية وبحثية، بعد أن انفقت عليه محافظة القاهرة 28 مليون.
في ديسمبر 2017 أعلنت مكتبة الإسكندرية توقيع بروتوكول تعاون مع محافظة القاهرة، لاستغلال استغلال قصر الأميرة خديجة في حلوان كمركز حضاري وثقافي ومتحف للأديان طبقًا للمعايير الدولية للمتاحف.
كان قصر الأميرة خديجة، ابنة الخديو توفيق، يتكون من مبنيين "الحرملك" وهو مقر إقامة حريم السلطان، أو الملك في القصر الكبير، و"السلاملك"، وهو قسم الاستقبال الخاص بالرجال، إلى جانب المباني الملحقة لإقامة الخدم والمطابخ والإسطبلات، غير أن كل تلك المباني اختفت وهدمت ولم يتبق منها غير جزء من الحرملك وآخر من السلاملك.
والحرملك كان مبني على طراز معماري كلاسيكي متأثرا بمباني عصر النهضة في أوروبا، وكان يتكون من دورين وله سقف جملوني، أما السلاملك فيتكون من مبنة واحد وبدروم.
تبلغ المساحة التي كانت تحيط بها أسوار السرايا كانت 9838 مترا مربعا، وبني على مساحة 1448 مترا مربعا، وبقية المساحة كانت حدائق تحيط بالمباني.
تم بناء القصر عام 1895، وكانت أمينة هانم زوجة الخديو، قد اشترت الأرض بـ 6000 جنيه ذهب، وتكلفة المبانى التى أقامتها على الأرض 150 جنيه ذهب.
وكان القصر، الذي يرجع عمره إلى أكثر من قرن وربع القرن، يحتوي على 50 قاعة تتدرج مساحتها من 25 متر إلى 100 متر والقاعة الرئيسية تتسع لـ 120 فردا.
وصممت جميع أرضيات القصر شأنها في ذلك شأن قصور القرن التاسع عشر بشكل مستوي مغطي بخشب الباركيه إلا أنه تم استبداله بـ"بلاطات" حديثة خاصة بعد تحويل القصر إلى مستشفى.
ولم يكتف الخديو توفيق ببناء القصر والفندق المجار لقصر زوجته فقط، ولكنه أقام فندقا آخر لاستيعاب الأعداد الوافدة للاستشفاء في حلوان، وبنى "كازينو" آخر للتريفه، فهكذا كان يولي اهتماما خاص بمنطقة "حلوان".
وقد كان الخديو توفيق حريصا على الذهاب إلى حلوان مرتين في الشهر، ويرسل يوميا فرقة الموسيقى الخديوية للعزف في الحدائق وأمام الفنادق.
وبعد حرق سرايا عابدين عام 1891، أقام الخديوي توفيق إقامة كاملة فى سرايا أمينة هانم بحلوان، حتى يتم الفراغ من ترميم عابدين.
وتوفي الخديو توفيق فى قصر حلوان عام 1892، ودفن في قبة أفندينا التي تقع على طريق الأوتوستراد.
وقد أقامت الأميرة خديجة هانم بهذا القصر منذ بنائه وحتى 1902، وأهدته بعد فترة إلى مصحة للأمراض الصدرية، ثم اتخذته رئاسة الحي بحلوان مقرًا لها.
وبعد أعوام من وفاة الخديو توفيق وتولي الملك فؤاد عرش البلاد، بدأت تتغير معالم قصر الخديو توفيق في حلوان، إذ أمر الملك فؤاد بهدم الفندق الذي يحمل اسم الخديو، وتحويل أجزاء من سرايا أمينة زوجة الخديو إلى مدرسة ثانوية للبنين ثم مدرسة تجارية.
ومرت عقود وازداد حال القصر تدهورا، حتى جاءت مكتبة الإسكندرية لتوقع برتوكولا مع محافظة القاهرة، لتحول القصر إلى متحف لحضارة الأديان، وتجعله فرعا لمكتبة الإسكندرية بالقاهرة.
وبعد عامين من تطوير القصر وتطويره بتكلفة 28 مليون جنيه، تحول القصر إلى تحفة معمارية ذات قيمة أثرية كبيرة، ومسجل كطراز معماري متميز، بحسب ما أعلنه محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال.
وقال محافظ القاهرة، في بيان بمناسبة افتتاح القصر أمس، إن المحافظة نجحت في تحويل قصر خديجة بحلوان إلى متحف لحضارة الأديان وفرع لمكتبة الإسكندرية بالقاهرة.
.jpg)
وأشار إلى أن القصر أصبح مركزا ثقافيا للتنوير ومؤسسة علمية وبحثية وخدمية، ومزارا ذو قيمة للسياحة بمصر، وذلك بعد إعادة تجديده طبقا للمعايير الدولية للمتاحف بموجب البروتوكول الذي تم توقيعه مع مكتبة الإسكندرية، مما سينعكس أيضا على تطوير المنطقة المحيطة به بالكامل.
في السياق نفسه أكد نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية اللواء أحمد فؤاد، خلال الحفل، أن قصر خديجة يعد إضافة كبيرة لإثراء الحياة الثقافية بمصر بصفة عامة ولمحافظة القاهرة بصفة خاصة.
وشدد اهتمام نائب المحافظ على اهتمام الدولة بالناحية الثقافية، التي تعد أحد الركائز في تشكيل وجدان المواطن المصري، ومحاربة الأفكار الهدامة والمغلوطة لخلق جيل جديد له وعي وإدراك في ظل ما يواجهنا من تحديات.
ومن جانبه أشار الدكتور مصطفى الفقي إلى أن قصر خديجة سيتحول لنموذج مصغر لمكتبة الإسكندرية، ولبؤرة إشعاعية ثقافية بمحيطه الجغرافي.
ودعا الفقي إلى الانفتاح والتعاون مع جامعة حلوان والمدارس والجمعيات الأهلية، مؤكدا حرص المكتبة على نشر الثقافة والمعرفة بكل مكان.
وشهد الحفل افتتاح مكتبة الطفل والنشء ومعرض حلوان الأول للحرف اليدوية، وعرض علمي مبسط للأطفال تحت عنوان "عجائب العلوم"، ومعرض "رحلة الكتابة في مصر" الذي يستعرض أهم المحطات الرئيسية للتدوين منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث.
كما تضمن الحفل افتتاح معرض الخط العربي الذي يضم مجموعة من اللوحات الخطية لكبار الخطاطين.
وفي ختام الحفل قدمت فرقة المولوية عرضا روحانيا تنوع بين الإنشاد الديني والابتهالات ورقصة التنورة التراثية.