لجأت الحكومة المصرية مؤخرا إلى استخدام مياه الصرف الصحي فى الزراعة، لمجابهة أزمة الفقر المائي التى تعاني منها البلاد، الأمر الذي أثار كثيرا من اللغط بين المواطنين، الذين لا يعلمون هذا الأمر بعد معالجة مياه الصرف بشكل يسمح باستخدامها أكثر من مرة.
هناك عوامل كثيرة ساهمت فى دخول مصر مرحلة الفقر المائي بعدما وصل نصيب الفرد إلى 500 م3 ، منها الزيادة السكانية الكبيرة التى شهدتها البلاد، فضلا قلة نصيب مصر من مياه النيل، وذكر أرقام صادر عن وزارة الموارد المائية أن نصيب الفرد في مصر خلال عام 2017 بلغ 591 مترا فقط، وسط مؤشرات بوصوله إلى 366 مترا بحلول عام 2050 .
ولمواجهة هذه الأزمة، تحركت الحكومة المصرية فى عدة محاور مختلفة، المحور الأول مفاوضات سد النهضة بهدف التوصل إلى اتفاق يحدد سنوات ملء الخزان وتشغيل السد، المحور الثاني الثاني حملات ترشيد استهلاك المياة، والمحور الثالث إقامة مشاريع لتحلية ومعالجة المياة تقدر تكلفتها بحوالي 200 مليار جنيه.
ومؤخرا كشفت وزارة الإسكان عن الانتهاء من تنفيذ 26 محطة للمعالجة الثنائية والثلاثية لمياه الصرف الصحى بالصعيد، وجارٍ تنفيذ 26 محطة أخرى، ومن المقرر الانتهاء من تأهيل ورفع كفاءة 5 محطات لمعالجة الصرف الصحي بالصعيد، وتحويلها إلى المعالجة الثلاثية، بنهاية شهر ديسمبر 2019، ومن المقرر تأهيل ورفع كفاءة 3 محطات أخرى.
وفى يوم 24 سبتمبر الماضى، تفقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، محطة معالجة مياه الصرف الصحي بتزمنت الشرقية فى محافظة بني سويف، وضمت المحطة مبنى الفلاتر المُكون من 7 فلاتر، بالإضافة إلى غرفة كهرباء، و4 طلمبات.
هذه المحطة تم تحويلها من المعالجة الثنائية إلى المعالجة الثلاثية بطاقة تصميمية 62.500 متر مكعب / يوم، بهدف رفع كفاءتها، من خلال جهود الهيئة العربية للتصنيع، حيثُ تخدم المحطة مركز ومدينة بني سويف بتعداد يبلغ 750 ألف نسمة، وقدرت التكلفة التقديرية للمشروع الذى جرى تنفيذه فى أكتوبر 2018، 97 مليون جنيه، بتمويل من الخطة الاستثمارية للدولة.
فى السياق ذاته اتّفقت مصر مع الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى، على بدء تنفيذ المرحلة الثانية لدعم مشروع إنشاء منظومة مياه مصرف بحر البقر، أحد أهم مشروعات برنامج تنمية سيناء، والذى يتضمّن تنفيذ محطة لمعالجة مياه المصرف، بطاقة 5 ملايين متر مكعب يومياً.
ووفقا لتصريحات وزيرة الاستثمار، فإن هذا المشروع سيُسهم فى تحقيق تنمية زراعية وصناعية متكاملة بالمنطقة، حيث يتم الاستفادة منها فى استصلاح وزراعة نحو 330 ألف فدان شرق قناة السويس، بالإضافة إلى 70 ألف فدان، يتم زراعتها حالياً بمنطقتى سهل الطينة والقنطرة شرق، ليصل إجمالى الأراضى المزروعة إلى 400 ألف فدان.
وبدوره أكد المهندس الزراعى جمعة طوغان، صاحب فكرة إنشاء محطات معالجة ثلاثية لمياه الصرف الصحى، أن المشروع فى حال تطبيقه سيوفر على الدولة 450 مليار جنيه، وينهى أزمة الصرف بالمحافظات.
وأشار إلى أن الفكرة تقوم على فصل المخلفات من المنبع ومعالجة «الحمأة» بطريقة منتجة وصديقة للبيئة، مع إنشاء شبكات سطحية ومحطات لامركزية لحل أزمة الصرف الصحى فى مصر، بحيث تتحول المواد والغازات العضوية النشطة و الضارة للبيئة الموجودة في مياه الصرف الصحي، إلى أكاسيد ومواد غير عضوية ثابتة وغير ضارة للبيئة .
فيما كشف المهندس عادل حسن زكي، رئيس شركة الصرف الصحي بالقاهرة، أن زيادة الاعتماد على مياه الصرف الصحي المُعالج في الزراعة لمواجهة العجز المائي هى خطة حكومية وضعت منذ سنوات كبيرة.
وأشار فى تصريح له إلى أن المحاصيل التي يمكن استخدام مياه الصرف المًعالج في زراعتها هي المحاصيل التي لا تؤكل نيئة وتحتاج إلى طهو قبل تناولها بحيث إذا كان بها أي ميكروبات ستقتل بواسطة الحرارة.
بدوره أوضح الدكتور محمد نوفل رئيس الإدارة المركزية للأراضى والمياه والبيئة الأسبق، أنه يمكن زراعة المحاصيل المنتجة للزيوت كمحصول دوار الشمس باستخدام مياه صرف صحى معالجة أوليا أو ثنائيا، مشيرا فى الوقت ذاته أن الاتجاه إلى زراعة المساحات الصحراوية القريبة من محطات المعالجة الأولية والثنائية يساهم بشكل كبير فى فى تحقيق البلاد الاكتفاء الذاتي من زيت الطعام.
فيما أشار الدكتور نبيل فتحى السيد قنديل أحد خبراء معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة، فى دراسة علمية حول تعظيم الاستفادة من مياه الصرف الصحى المعالج، إلى أنه يحظر استخدام مياه الصرف الصحى المعالج فى زراعة، الخضر التى تؤكل نيئة أو مطبوخة، وجميع أشجار الفاكهة التى تؤكل نيئة بدون قشرة مثل الجوافة والعنب، بالإضافة إلى المحاصيل الاستراتيجية مثل القطن – الأرز- البصل- البطاطس- النباتات الطبية والعطرية- الموالح، وجميع محاصيل الأعلاف التي يربى عليها الماشية و الحيوانات المدرة للألبان.
وأوضح أنه فى المقابل يمكن استخدام هذه النوعية من المياه فى زراعة أشجار إنتاج الطاقة مثل الجاتروفا و الهوهوبا و الخروع لانتاج الوقود الحيوى كمصدر للطاقة المتجددة، و زراعة نباتات الالياف مثل الكتان و التيل و الجوت و السيسال، وزراعة نباتات انتاج الزيوت مثل الكانولا و عباد الشمس و فول الصويا، وزراعة الأشجار الخشبية التى يمكن زراعتها فى الغابات، وزراعة نباتات الزينة و الزهور مثل الورد البلدى و القرنفل.