رئيس التحرير: عادل صبري 11:11 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

بيت السناري.. 225 عاماً من حكايات السياسة والثقافة والفن

بيت السناري.. 225 عاماً من حكايات السياسة والثقافة والفن

أخبار مصر

جانب من بيت السناري

بيت السناري.. 225 عاماً من حكايات السياسة والثقافة والفن

سارة نور 10 أبريل 2019 12:06

 

على طريق متداخل ومتشابك، من حارة إلى حارة ومن زقاق إلى عطفة، يمين ويسار، يسأل سائق "التوك توك"رغم أنه من أهالي الحي: (هو هنا بيعملوا إيه؟)، لترد زبونته التي استعدت للمغادرة: "بيت أثري بيعرض حفلات فنية". 

 

في نهاية حارة مونج السد في حي الناصرية بالسيدة زينب، تهبط علياء الدرج وسط جمع من الفتيات والشبان ربما تجاوز أكبرهم العشرين بسنوات قليلة على وقع أغاني من التراث الشعبي، قبل أن ترمق السائق بنظرة أخيرة، ليبادرها: (يعني بيغنوا ويمثلوا وكده).

 

"بيت العلوم والثقافة والفنون (بيت السناري)".. لوحة مستندة إلى الحائط على أقصى يمين مدخل البيت الأثري الذي يمتد عمره لنحو 225عاما، عند أول قدم فيه تشعر أن الزمن يعود للوراء إذ يحكي كل ركن في المنزل حكاية من تاريخ مصر المعاصر. 

 

هنا في فناء المنزل الواسع، تستطيع أن ترى أعضاء لجنة الفنون والعلوم التابعة للحملة الفرنسية في 1798 يقلبون بصرهم في الأرجاء، ربما تجده شاهدا على ذكاء صاحبه إبراهيم السناري، ومؤامرات المماليك ونهايات الدولة العثمانية.   

 

يتكون المنزل من جزأين، الجزء الغربي يشمل المقاعد وقاعات الاستقبال، بينما الجزء الشرقي يشمل الغرف الثانوية، ولأن المؤامرات السياسية كانت منتشرة حينها فمن الطبيعي أن تجد مدخلين في البيت تحسبا لأي ظرف طارئ 

 

الحائط المقابل للمدخل الرئيسي به انكسار قبل الممر، لأنه لم يكن مسموح للضيوف برؤية أهل البيت، بينما الأسقف عالية حتى تستطيع الجمال والخيول المحملة بالطعام دخول المنزل، لذلك كان من الطبيعي وجود بئر مخصص للحيوانات تشرب منه. 

 

في منتصف صحن المنزل نافورة كانت مصنوعة من الرخام الأبيض، كانت تستخدم للمساعدة في تهوية المنزل وإضافة منظر جمالي مريح للناظرين، إلى جانبها "التختبوش"وهو مكان استقبال الضيوف حيث السقف مصنوع بالخشب المزخرف والأطباق النجمية، ما يعطي إضاءه مميزة للمكان.

 

في الدور الثاني للمقعد الصيفي الذي سمي  بالمقعد لأنه تم بنائه خصيصا من الخشب لأول مرة لراحة الضيوف وأهل البيت، وسمي بالصيفي لكثرة فتحات التهوية فيه فكان أفضل الأماكن للجلوس في الصيف. 

 

لهذا المنزل المميز عمارته، تاريخ يمتد لنحو 250 عاما، عندما وصل لمدينة المنصورة صبي من دنقلة شمال السودان، يُدعي إبراهيم كتخدا السناري فاستقر بها وتعلم القراءة والكتابة ودرس كتب التنجيم والسحر حتى اشتهر بكونه عراف يكتب التعاويذ.

ذكاء إبراهيم السناري لفت نظر أمراء المماليك إليه، حتى صار في وقت قصير من أكثر المقربين لمصطفى بك الكبير ومراد بك الكبير، وصار نائباً للأخير وأحد رجال الأعيان، الذين يمتلكون مماليك وخدما.

 

 وفي وقت ليس بالكثير، أصبح الفتى السوداني صاحب نفوذ، وقرر بناء ثلاثة منازل بالمنصورة والإسكندرية والقاهرة، وانتهى من بناء الأخير عام 1794م، قبيل دخول الحملة الفرنسية علي مصر بأربع سنوات.

 

منزل القاهرة بات معروفا باسم بيت السناري بموجب حجة شرعية مُسجلة، ومحفوظة بأرشيف وزارة الأوقاف، بتاريخ 18 رمضان 1209هجريا و 1795م، بحسب الصفحة الرسمية للبيت على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". 

وتكلف بناء منزل القاهرة (17578 ريال مصري)، طبقاً لوثيقة الوقف حيث تم شراء أرض المنزل على أربع مراحل، كل مرحلة بقطعة مما جعل 10 سنوات وقتاً منطقياً لإنجاز المنزل، بحسب الصفحة الرسمية لبيت السناري

 

بعدما أصبح إبراهيم السناري أميرا وذاع صيته، لكن مع مجىء الحملة الفرنسية علي مصر في 1798 هرب السناري إلى الصعيد لتجهيز جيش لمحاربة الفرنسيين، غير أنهم استولوا على المنزل المنزل ليقيم فيه أعضاء لجنة الفنون والعلوم.

 تلك اللجنة كانت برئاسة جاسبار مونج عالم الرياضيات ضمن الحملة لعمل دراسة منهجية للبلاد انتهت بكتاب "وصف مصر" الذي رسم خرائطه الرسام المشهور "ريجو"، لذلك سميت الحارة التي يقع بها بيت السناري بحارة مونج نسبة إلى عالم الرياضيات الفرنسي.

 

بعدها أصبح المنزل مجمعًا علميًا، على شاكلة المجمع العلمي بفرنسا وضم أربعة أقسام هى، قسم الرياضيات، وقسم الطبيعة، وقسم الاقتصاد السياسي، وقسم الآداب والفنون الجميلة، وتم انتخاب مونج رئيساً للمجمع في أولى جلساته، وبونابرت نائباً للرئيس، وبمغادرة الفرنسيين لمصر عام 1801 توقف نشاط المعهد.

في العام ذاته الذي غادرت فيه الحملة الفرنسية وتوقف نشاط المعهد، قتل حسين باشا إبراهيم السناري ضمن مجموعة من الأمراء المصريين رغم ذكائه ودُفن بالأسكندرية مع باقي الأمراء. 

 

بعد وفاة السناري سكن البيت العديد من الناس، غير أنهم لم يهتموا بصيانته، حتى أتت لجنة حفظ الآثار سنة 1913م للاهتمام بالمنزل وصيانته وترميمه، وأتى إلى المنزل أحمد زكي باشا ومعاه هرتس باشا لإعداد خطة صيانة المنزل التي تكلفت حينها 50 جنيهاً.

 

لكن في عام 1916 قدم جلياردون بك طلب لأعضاء لجنة حفظ الآثار، يرجو فيه الموافقة على استئجاره لبيت السناري، لكي يجعله متحفًا يعرض فيه مجموعته الخاصة التي تحتوي على  رسوم ومخطوطات الحملة الفرنسية على مصر وسوريا.

وافقت اللجنة على طلب جلياردون الذي أنشأ بدوره المتحف باسم «متحف بونابرت» في   في1917 وفي هذه الأثناء تم ترميم المنزل في 1920 بمبلغ بمبلغ 200 جنيه، وتكرر هذا عام 1925، وتم تخصيص مبلغ 2000 جنيه لشراء المنزل، من قبل لجنة حفظ الآثار من وزارة الأوقاف.

 

في 1927 تم إغلاق متحف بونابرت بوفاة جلياردون بك، واستكمالا لمسيرة المنزل تم اعتباره أثرا مملوكا لمصلحة الآثار في عام 1948، وشغل مركز الحرف الأثرية التابع لهيئة الآثار،هذا المنزل من ستينات القرن الماضي.

 لكن هذا تسبب في حدوث أضرار بالغة بالمنزل، كما أن زلزال 1992 ترك أثارا واضحة على المنزل إلى أن تعاون المجلس الأعلى بالتعاون مع البعثة الفرنسية  في ترميم المنزل عام  1996.

 

الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية السابق في عام 2009، قدم طلبًا بتقديم المنزل للمكتبة لأهميته التاريخية، وبعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية، تم تسليم المنزل للمكتبة في شهر 6 عام 2010.

 

في خلال  6 أشهر، أصبح المنزل جاهزا الجمهور في بداية يناير 2011، وأقيم أول أنشطة المكتبة به قبل ثورة يناير بأيام بالتحديد في 8 يناير 2011، كذلك تعاقدت المكتبة مع مركز هندسة الأثار بجامعة القاهرة لترميم المنزل. 

حاليا أصبح بيت السناري منبرًا لكل من لديه موهبة وليس له مكانًا لعرض موهبته، يعتبر  ورشة تهتم بتنمية المواهب بهدف غير ربحي، إذ نظم البيت العديد من المعارض والندوات والمنتديات وورش العمل والعروض المسرحية.

 

وتعمل مكتبة الإسكندرية حاليا حلقات نقاشية علمية حول مستقبل العلوم والمعرفة على عدة مستويات، فقامت المكتبة بتحويل البيت لمنفذ ثقافي هام، بحي السيدة زينب يهدف لنشر الثقافة والوعي في المناطق المحيطة، وبالفعل يلقى إقبال جماهيري خاصة أن معظم فعالياته مجانية. 

 

 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان