رئيس التحرير: عادل صبري 11:01 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الدكتورة «مريم».. «ابنة البواب» في كفاح مستمر وتأبى «المساعدات»

الدكتورة «مريم».. «ابنة البواب» في كفاح مستمر وتأبى «المساعدات»

أخبار مصر

مريم فتح الباب

3 سكان يهدمون غرفتها .. ووالدها: لم يتصل بنا أي مسؤول

الدكتورة «مريم».. «ابنة البواب» في كفاح مستمر وتأبى «المساعدات»

أحلام حسنين 27 فبراير 2019 10:10

غرفة صغيرة فوق "سطح" إحدى العقارات بمدينة نصر، كانت بالنسبة لها "عشها" الذي تأوي إليه من ضجيج الحياة لتنفرد بكتبها وتعكف على دراستها، باتت في لمح البصر هباء منثورا، هدمها بعض السكان الحاقدين على تفوقها، فهي بنت "البواب" التي سارت من أشهر الفتيات في بلدها، إنها "مريم فتح الباب" التي تصدرت أوائل الثانوية العامة عام 2017.

 

 

3 سنوات متتالية برز فيها اسم "مريم" في وسائل الإعلام و"السوشيال ميديا"، الأولى في عام 2017 حين حصلت على مجموع 99% في الثانوية العامة علمي علوم، والثانية في العام التالي حين حصلت على امتياز بكلية طب جامعة عين شمس، والثالثة هذه المرة التي انهدمت فيها غرفتها التي أهداها إياها بعض السكان لتفوقها في دراستها، ولكن بدى أن آخرون أردوا غير ذلك.

 

""والله كل حاجة زي الفل..ربنا كريم هيعوضنا خير" كلمات بسيطة أضمر بها والد "مريم" ما يكن في صدره، فتخذله نبرات صواته التي بدت وكأنها محبوسة بين الرغبة في البوح وأخرى في التعفف عن الشكوى حتى لا يخدش كرامة ابنته، يقول في سكون :"أسف والله بس مريم مش حابة تتكلم في حاجة ولا ليها أي مطالب، ومش هينفع اتكلم عشان بنتي متتحجرش".

 

يتحدث الأب لـ"مصر العربية" وليس على لسانه سوى كلمات الحمد والرضا، هو أيضا لا يعلم لماذا أقبل هؤلاء على هدم "الغرفة"، ويضيف :"والله ما في أي حاجة بينا وبينهم، احنا قاعدين زي الفل وكل حاجة زي الفل الحمد لله، ربنا كريم".

 

في هذه الغرفة كانت تعكف مريم، الطالبة بالفرقة الثانية كلية الطب جامعة عين شمس، على دراستها، أراد بعض السكان إهداها شيئا لتفوقها الدراسي رغم ظروفهم المادية والاجتماعية، فقرروا بناء هذه الغرفة فوق "السطح"، بدلا من أن يزاحمها أخواتها الأربعة وأمها وأبيها في غرفة صغيرة في جراج العمارة.

 

كان ذلك مع بداية العام الدراسي الجاري، ولكن لم يلبث إلا أن أقبل 3 من سكان العمارة على هدم الغرفة، تركوها خاوية على عروشها، يمكنهم هدم الحجارة والإلقاء بالمحتويات خارجها، ولكن لا يمكنهم هدم طموح تلك الفتاة الأبية التي حطمت صخرة الظروف وجعلتها سلم تصعد عليه لتحقق تفوقا لا يستطع إليه الكثير من رفقائها سبيلا.

 

 

من قبل جعلت مريم من غرفتهم الصغيرة التي تأويها وأمها وأبيها وأخواتها الأربعة شاهدا على قصة نجاحها الذي جعلها تجلس في يوم بجوار رئيس الجمهورية في مؤتمر الشباب بالإسكندرية، ويشاهدها العالم أجمع، وتتحدث عنها صحف محلية وعالمية، فتلك فتاة لا يضرها إذا هدم أحدهم غرفة ثانية كانت تلوذ بها من الضجيج.

 

يروي الكاتب الصحفي سامي عبد الراضي، الذي يقول إنه يجمعه بوالد مريم علاقة طيبة، إنه مع بدايات هذا العام قرر سكان العمارة بناء غرفة لها على السطوح، لتنعم بهدوء تذاكر فيه بعيدا عن الضجيج، ولكن قبل 3 أيام قرر 3 من السكان هدم الغرفة.

 

ويضيف عبد الراضي، نقلا عن والد مريم :"الحقيقة أنك إذا فتشت في غالبية محافظات مصر ..لن تجد مثيل لـ مريم في الرضا ..ولن تقابلك مطلقاً ابتسامة " حمد " كهذه التي ترافقها دوماً ..و يقيني انك لن تجد كثيرين مثل والدها...في الصبر والرضا".

 

 

وتابع :"اتصلت به منذ قليل وحكى لي تفاصيل ما حدث :" اقسم بالله ..ما طلبت من حد يوفر ولا يبني اوضه ..ناس طيبة في العماره هم اللي بنوا ..واحنا خلاص بندور على مكان تاني ..وهنسيب العماره"، كان يتحدث الأب بينما كانت تنتظر مريم دورها في عيادة طب العيون، بحسب عبد الراضي.

 

وتوجه الصحفي برسالة إلى وزارة الإسكان لتتدخل في مساعدة الفتاة ودعمها، وتداول الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي رسالته والمنشور الذي يروي قصة هدم غرفة "مريم" على السطوح، دعما للفتاة.

 

 

ما لبث أن حدث "عبد الراضي" منشوره ليضيف عليه ما وصله من أن مجلس الوزراء اهتم بموضوع مريم، وتم التواصل مع والدها ومقابلته في مسكنه، وأن محافظ القاهرة اللواء المحترم خالد عبد العال استجاب، وكلف بتوفير كل ما تطلبه هي وأسرتها، وسيستقبل والدها في مبنى المحافظة يوم الاثنين".

 

ولكن مضى الأثنين ونهار الثلاثاء ولم يتصل أحد بوالد مريم، إذ يقول لـ"مصر العربية" إنه سمع كما يسمع غيره عن طريق "فيس بوك" أن المسؤولين سيتصلون به، ولكن حتى الآن لم يتصل أحد.

 

ويضيف والد مريم:"احنا سامعين كلام لكن محدش كلمني شخصيا وقالي حاجة، احنا متشكرين لكل واحد بيسأل علينا، واحنا الحمد لله زي الفل".

 

وقبل ساعات نشر أحد المواقع الإخبارية نقلا عن نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون التعليم والطلاب، الدكتور عبد الفتاح سعود،  أنه تواصل مع الطالبة مريم فتح الباب، وعرض عليها سكن خاص مميز في المدن الجامعية على نفقة الجامعة.

 

وبحسب سعود فإن الطالبة مريم رفضت ذلك، كما أنها لم تتقدم بطلب للحصول على أي إعانة من صندوق التكافل بالجامعة، لافتا إلى أن مريم تعاني من مشكلة في الابصار، وتدخلت إدارة الجامعة لإجراء عملية جراحية خاصة لها مجانا.

 

ولكن يؤكد والد مريم لـ"مصر العربية" أن أحد لم يتصل به من الجامعة، مشددين في الوقت ذاته أن بالفعل ابنته ترفض أي مساعدة مادية أو مالية، لأنها ترضى بما فيه وترى أن هذه الظروف لا يمكن أن تكون عائق أمامها.

 

وإن لم تكن تقبل "مريم" بمساعدة مادية، فهناك الكثير من الدعم المعنوي الذي تلقته من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروه نموذج للفتاة ذات الإرادة والتحدي.

 

تقول أميرة علي، ناشطة على فيس بوك :"دى نهايه واحده رفضت تروح امريكا وقالت بلدى اولى بيا ملناش دعوه بيها خلينا نحتفل برامى مالك المهاجر الاصيل اللى افتكر بلده لحظه حصوله على الاوسكار".

 

وعلق أحمد أبو شنب:"إذا لم توفر وزارة الإسكان للدكتورة مريم، ووالدها، "السكن".. فمَنْ يستحق "المسكن، أقول لمن قاموا بهدم غرفة فوق سطح عمارة: نظفوا قلوبكم، فغدًا ترحلون عن "العمارة" كلها".

 

ويعلق ناشط آخر :"انا ما شوفتش في حياتي كمية حقد وغل ونفسنه اوي كده 
مريم فتح الباب .. الطالبه اللي كل الناس احتفلت بيها من سنتين وافتخرت بيها عمارتنا دكتورتنا الجميله كل العماره شجعتها الا ٣ سكان".

 

وأضاف :"أغلبية سكان العماره اتفقو اننا نوفر لها غرفه علشان المحل اللي كانت بتدرس فيه اصبح غير ملائم لطالبة طب واتفق السكان الا ٣ سكان في العماره رفضوا بحجج واهيه ومع ذلك عملنالها الغرفه اعلى العماره حتى تكون امان ليها وتامين لدراستها وحمايه ليها من برد المحل اللي يعتبر في الشارع".

 

وتابع :نقوم النهارده نلاقيهم هدوا الغرفه علشان كمية حقد وغل جواهم .. كل ده ضغط على والدها علشان يمشي من العماره وكل ذنبه ان بنته دخلت طب، ومن ضمن حججهم كفايه الهدايا اللي اخدتها مع والله العظيم شهاده احاسب عليها يوم القيامة البنت رفضت كل الهدايا ماعدا رحلة حج ليها ولوالديها وعملية lasik علشان عنيها فقط".

 

وقال :"بالمناسبه البنت دلوقتي مقهوره من البكاء علشان الاهانات اللي بتعرضو ليها امها وابوها من ٣ سكان حسبي الله ونعم الوكيل فيهم وبتتعالج في عنيها تاني من كتر الزعل 
لو سمحتم ادعو معايا عليهم وشير في الخير وخلو البوست يلف مصر كلها والناس تفضل تدعي عليهم ويحسبنو زي ما قهرو البنت واهلها".

 

هكذا  تكون مريم التي رفضت من قبل الدروس الخصوصية في غالبية المواد لتعتمد على نفسها، ليس لرفض أو عدم قدرة والدها مادياً على الإنفاق عليها وإنما لإحساسها بالمسئولية الكبيرة على عاتق والدها الذي ينفق على مريم وأخواتها البنات.

 

لم تخجل "مريم" يوما من أنها "ابنة بواب" بل كانت تتفاخر به، فبحسب ما روقت من قبل أثناء تكريمها بأوائل الثانوية العامة، أنها حينما طلبت إحدى المدرسات أن يكتب كل طالب عن نفسه، كتبت أن والدها يعمل بوابا وتعيش في ظروفها التي تعيش فيها.

 

إنها مريم ابنة الـ 18 عاما ويناديها سكان العمارة التي يحرسها والدها بـ"الدكتورة"، هي التي رفضت من قبل رفضت كل وسائل المساعدة المادية، التي عُرضت عليها، أثناء استضافتها في برنامج 90 دقيقة مع الإعلامي معتز الدمرادش على فضائية المحور، إذ قالت إنها لم تأت لجمع أموال أو تبرعات أو تكسب تعاطفا، بل لتكون نموذجا يقتدي به من يحيا في مثل ظروفها.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان