رئيس التحرير: عادل صبري 12:36 مساءً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

بالصور| «طبل وتنورة وبلياتشو».. «افرح ببلاش» في شارع المعز

بالصور| «طبل وتنورة وبلياتشو».. «افرح ببلاش» في شارع المعز

أخبار مصر

جانب من حفل عيد ميلاد متحف النسيج بشارع المعز

احتفالاً بالعيد التاسع لـ متحف النسيج

بالصور| «طبل وتنورة وبلياتشو».. «افرح ببلاش» في شارع المعز

من بعيد بينما تسير بين جنابات شارع المعز تسمع لأصوات "طبل بلدي" و"زغاريد" النساء، تظن وكأنه عرس يقام في الظهيرة، تقترب شيئا فشيئًا، فترى فرقة "تنورة" ترقص رقصتها المشهورة في حركات دائرية على دقات الطبل والمزمار، وأطفال ترتدي فساتين زفاف بيضاء، وأناس يلتفون حولهم يرقصون معهم ويلتقطون الصور  تذكرية، تعلم بعد ذلك أنه ليس عرسًا ولكنه "حفل" بمناسبة العيد التاسع لمتحف النسيج.

 

 

الأجواء هنا في شارع المعز عادة ما تبث في النفس بهجة وسرور، يزيدها فرحًا أجواء الحفل الذي يعرض عددًا من الفقرات على مسرح بيت الشاعر، وتتُاح مجانًا للمواطنين، فكل من يمر من هنا يمكنه مشاهدة عروض "الغناء والتنورة والبلياتشو" وغيرهم دون أن يدفع مقابل.

 

 

على المسرح يقف أطفال في مرحلة الابتدائية، البنات يرتدين فساتين زفاف بيضاء، والصبيان يرتدون بدلات سوداء، تبدأ أغنية "فيها حاجة حلوة" فترى الأطفال يمارسون حركات تتماش مع كلماتها، يخرج من بينهم طفل يحمل بين يديه "طبق فول" وآخر "طبق كشري"، ثم يتراجعون للخلف، لتتقدم فتيات يرتدين "جلبية نانسي عجرم" يرقصون رقصة "بلدي".

 

صغار آخرون يشاركون في العرض، أحدهم يرتدي جلبابا أبيض و"عمة"، وآخر يرتدي "جلبابا أسود" عليه صليب خشبي، يضعون أيديهم في أيد بعض، يتقدمون المسرح على مقطع "مسلم في بيت مسيحي فطروا ترنيمة لايقة على تخت غنا"، وسط زغاريد وتصفيق من المارة الذين يشاهدون الحفل.

 

على الجانب الآخر ترى شباب يمسكون عصا خشبية ويتراقصون على دقات الطبل البلدي والمزمار، يتنافسون في مزاح مع فرقة "التنورة" لتدخل الأخرى التحدي وتقدم عرضا أطول من الرقص، فيكون لها الغلبة، فيصفق لها الحضور تصفقيًا حادًا ثم يمزح الآخرون "غلبكوا"، على هذا أكثرهم لا يعرفون بعضهم البعض، فقط جمعهم "الحفل".

 

بعض المارة الذين التفوا حول الحفل حين تسألهم عن سبب تجمعهم هذا، لا يعرف سوى أنه "عيد متحف النسيج" أو هكذا يتناثر الحديث بينهم، ولكن ماذا عن هذا المتحف؟، وما قصته؟.

 

في منتصف شارع المعز وبالقرب من حي بين القصرين يقع "متحف النسيج المصري" الذي يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط، والرابع عالميًا، كان يُعرف قديمًا بـ"سبيل محمد علي"، ولكنّه تحول إلى متحف بعد تجديد شارع المعز.

 

إنه فى العيد التاسع لافتتاح متحف النسيج، نتأمل هذا المبنى الجميل الذى بناه محمد على باشا عام 1828 م، وكأنما كان قدره أن يظل فى سقاية الناس ورى عطشهم قديمًا بالماء الذي كان السبيل يقدمه للمارة والمدرسة الملحقة، التي كانت تعلم أطفال الحي، والتي تعلم فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

 

كان "متحف النسيج" في البداية عبارة عن سبيل يضم مدرسة للأيتام، أنشأه محمد علي باشا، عام  1828 كوقف خيري على روح ابنه إسماعيل باشا الذي توفي في السودان 1822 م، وكان الدور العلوي من السبيل عبارة عن مدرسة سميت مدرسة النحاسين الأميرية، وكانت من أوائل المدارس الحديثة في العالم، والتي تحولت فيما بعد إلى وظيفة خدمية للجماهير.

 

 

وفي عام 2002 تم ترميم السبيل الذي يعد أحد أجمل عناصر العمارة الإسلامية بالقاهرة التاريخية، إذ صممت واجهته على الطراز العثماني والأوروبي، وتتميز واجهته المبينة على شكل قوس مكسوة بالرخام الأبيض، فتراها نموذج فنيا رائعا لطراز المباني الإسلامية.

 

وبعد ترميم السبيل تحول إلى "متحف للنسيج" بعد تجميع القطع الخاصة بالنسيج المصري ووضعها فيه، ليصبح شاهدا على هذه الصناعة وتطورها عبر التاريخ.

 

وفي 13 فبراير 2010 تم افتتاح "المبنى" كمتحف للنسيج المصري ليقدم صفحات مضيئة من تاريخ مصر وفنون النسيج عبر كل فتراتها التاريخية لزواره من المصريين وغير المصريين، كما تمت إعادة تطويره وتأهيله وافتتاحه في 15 يوليو 2015.

 

وهكذا أصبح يضم المتحف ما يزيد عن 1000 قطعة أثرية، وراء كل قطعة منها حكاية تروي قصة عصر من العصور التي عاشها المصريين، فهو أيضا يضم مقتنيات تم جمعها من عدة متاحف وأماكن أخرى، منها "المتحف المصري، ومتحف الفن الإسلامي، ومنطقة القرنة بالأقصر".

 

ويضم المتحف مقتنيات تحمل بين طياتها رسائل تاريخية وتحكي التاريخ على قطع من القماش، إذ يتضمن كل ما يتعلق بصناعة النسيج عبر كل العصور، بداية من العصر الفرعوني مرورا بالعصر الروماني اليوناني والفن القبطي، والعصور الإسلامية "الأموي، العباسي، الطولوني، الفاطمي، الأيوبي، المملوكي والعثماني، حتى العصر الحديث متمثلا في "أسرة محمد علي"، إلى جانب نسيج مستورد من عدة دول بالعالم مثل إيران "الطراز الإيراني الصفوي" والعراق واليمن.

 

كما يحتوي المتحف قاعة لكسوة الكعبة، والتي كانت تصنع في دار الكسوة بالخرنفش، ويضم جزءا من الكسوة تم صنعها في عهد الملك فاروق الأول، وهذه هي درة تاج المتحف، فهي قطعة رائعة من الكسوة "ستارة باب التوبة" مستطيلة الشكل عليها زخارف نباتية، وكتابات قرآنية مطرزة بخيوط فضية بأسلوب "السيرما".

 

كل هذه المقتنيات التي يحتويها المتحف، يتم عرضها بشكل يجذب السائحين، حيث الإضاءة الخافتة الملائمة لعرض المنسوجات الأثرية، وتُعرض المقتنيات بترتيب تاريخي موزعة على 11 قاعة على طابقين، والطابق الأرضي به 4 قاعات.


ومن بين هذه المقتنيات يبقى أبرزهم لفتا للأنظار ذلك الفستان المزخرف بـ 3 أنواع من الطيات "الكتان"، الذي يعد أقدم قطعة أثرية بالمتحف، وهو لسيدة اُكتشف ضمن اثني عشر رداء بمقبرتها رقم 94 في نجع الدير بسوهاج، وتعود إلى الأسرة السادسة 2325 – 2175 ق.م.

 

 

يتكون المتحف من غرف، تضم كل منها معلومات مكتوبة على الحوائط عن فترة المنسوجات المعروضة بداخلها، حول استخدامها الأصلي وتاريخ صنعها، كما يتكون من طابقين، و11 قاعة، يعد القسم الفرعوني الأكبر فيها، والذي يضم تماثيل خشبية تم تلبيسها أنسجة قديمة.

 

حين تتجول بين غرف المتحف تجد المنسوجات الكتانية والقطنبية، التي تمثل أحد مظاهر العصر الفرعوني، إذ كان المصري القديم شديد الدقة والمهارة والبراعة في غزل ونسج وصباغة ألياف الكتان بالإضافة إلى براعتهم في تطريز منسوجاتهم، وكانت الملابس والمنسوجات لها مكانه خاصة في حياة المصريون القدماء وبعد مماتهم.

 

يتضح من المقتنيات أن المنسوجات الكتانية والقطنية كانت لها أهمية كبيرة في حياة الفراعنة اليومية، وفي أداء طقوسهم وشعائرهم، فالكهنة كانوا مميزون بزي معين وهم يؤدون الطقوس، كما أن الملك كان يرتدي أغلى وأفخم أنواع المنسوجات، حتى أن المنسوجات لعبت أيضا دورا مؤثرا في المعاملات الاقتصادية.

 

مقتنيات المتحف ليست فقط شاهدة على العصر الفرعوني، ولكنها تضم منسوجات تعود إلى العصر الروماني، إذ تعرض القاعدة المخصصة له مصانع النسيج الملكية بمدينة الإسكندرية وقتها، إذ كانت النساء يقمن بالنسج والتطريز لإنتاج ما يحتاج إليه البلاط الملكي من أقمشة.

 

كما يوجد قاعة للعصر اليوناني وتحتوي على تماثيل وعينات من منسوجات قبطية مصرية تمثل القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد، وبعدها قاعة للعصر الإسلامي التي تتنوع بقطع من أنسجة كتبت بالخط الكوفي وتحتوي على بعض الآيات القرآنية، وقد تميزت هذه القاعة بوجود تماثيل من الشمع لتوضح صوراً من مراحل إعداد النسيج.

 

وهكذا يضم المتحف الكثير والكثير من المقتنيات التي تعد شاهدة على التاريخ، وهكذا تحتفل به قطاع المتاحف ووزارة الآثار في عيده التاسع، عن طريق تنظيم حفل للجمهور في شارع المعز، يقدم العروض الغنائية والتنورة و"البلياتشوا".

 

وكذلك من المقرر أن يقام، غدا الخميس، ندوة علمية متخصصة فى إطار احتفالات المتحف بعيد افتتاحه التاسع بعنوان "النسيج المصري عبر العصور"، بالمشاركة مع كلية الآثار جامعة سوهاج، ومعهد الدراسات العليا للبردي والنقوش وفنون الترميم بجامعة عين شمس، يحاضر فيها عدد من أساتذة كليات الآثار بالجامعات المصرية، وخبراء وزارة الآثار المتخصصين فى النسيج الأثري.

 

كما يقام على هامش الندوة معرضًا لكتب الآثار المتخصصة من إصدارات وزارة الآثار، بتخفيضات تصل إلى 75%، وذلك ضمن سياسة وزراة الآثار في التيسير على الباحثين وتشجيع البحث العلمي، كما يقوم أمناء المتحف بجولات خاصة للزوار لشرح تاريخ سبيل محمد على وكيفية تحويله إلى متحف النسيج المصري.

 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان