نحو مليون و700 ألف ناخب أبطلوا أصواتهم، حسبما أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية 2018، بما يفوق نحو 3 أضعاف النسبة التي حصل عليها منافس السيسي، وهو ما يثير تساؤلا حول أسباب تفاقم هذا الرقم الذي سجّل أعلى نسبة للأصوات الباطلة في تاريخ الانتخابات المصرية؟
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، في مؤتمر صحفي اليوم الاثنين، نتائج الانتخابات الرئاسية 2018، والتي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد حصوله على 21 مليونًا و835 ألفًا و387 صوتًا بنسبة 97% من الأصوات الصحيحة، فيما بلغ عدد الأصوات الباطلة مليون و762 ألفًا بنسبة 7.27% من إجمالي من أدلوا بأصواتهم، بينما حصل المرشح موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد، على 656 ألفا و534 صوتا بنسبة 2.92% من أصوات الصحيحة.
وأكدت الهيئة أن عدد من أدلوا بأصواتهم بالداخل 24 مليونا و254 ألفا و152 ناخبًا بنسبة 41.5%، وعدد الأصوات الصحيحة 22 مليونا و491 ألفًا و921 صوتًا بنسبة 92.3% من إجمالي الأصوات، وعدد الأصوات الباطلة مليون و762 ألفًا و231، بنسبة 7.27% من إجمالي الأصوات.
ورغم أنَّ الأصوات الباطلة لا يعتد بها إلا أنها اكتسبت اهتمامًا في الانتخابات الرئاسية في الفترة الأخيرة لكثافة أعدادها، ففي الانتخابات الرئاسية 2014 بلغت نسبة الأصوات الباطلة أكثر من مليون صوت، والتي فاقت ما حصل عليه المرشح حمدين صباحي الذي حصل على 757 ألف صوت، بنحو 3.9 في المائة، وفاز السيسي بنسبة 96%.
وأرجع سياسيون ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة في الانتخابات الرئاسية 2018 لأول مرة في تاريخ الانتخابات المصرية إلى عدة أسباب منها غياب المنافسة الحقيقية في الانتخابات، وإيصال رسالة احتجاج على سياسات النظام الحالي، ونوع من التصويت العقابي.
ومن جانبه قال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة في هذه الانتخابات بنحو 7% ممن أدلوا بأصواتهم و2% صوتوا للمرشح الأخر موسى مصطفى موسى رغم علمهم أنه لن ينجح، يعد بمثابة تصويت عقابي للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأوضح صادق لـ"مصر العربية" أن يكون هناك أكثر من مليون ونصف شخص نزلوا فقط الانتخابات ليبطلوا أصواتهم، فهذه رسالة احتجاج وغضب واضحة بأنهم غير راضين عن سياسات النظام الحالي، والحال نفسه مع الذي منح "موسى مصطفى" صوته وهو يعلم أنه لن يفوز.
وأشار إلى أن إجمالي الأصوات بحسب المؤشرات الأولية بلغ نحو 42%، منهم 9% ما بين أصوات باطلة وللمرشح الآخر، أي أن 33% من الأصوات هي من تؤيد السيسي، فضلا عن امتناع 48% من الناخبين عن التصويت، وهو ما يعكس وجود نسبة لا يُستهان بها لديها اعتراض على سياسات النظام الحالي.
ولفت صادق إلى أن فرض غرامة بمبلغ 500 جنيه على من لم يدل بصوته جعل بعض "الغلابة" يذهبون إلى صناديق الاقتراع خوفا من تطبيق الغرامة ليس أكثر، وربما يكون أكثرهم أبطل صوته، كنوع من التصويت العقابي.
وشدد إلى أنه لابد من عدم تجاهل رسائل "الأصوات الباطلة" لأنها تشير إلى حالة غضب لدى نسبة ليست قليلة بين أبناء الشعب، فنجاح السيسي بـ 97% لا يعني أن هناك رضا عام عن سياساته، منوها إلى أن من أبطلوا أصواتهم هم في الغالب يريدون أن يكمل السيسي ولاية ثانية ولكن غير راضين عن أدائه، بخلاف المقاطعين الذين يرفضون حكمه من الأساس.
وقال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، إن ظاهرة الأصوات الباطلة كانت واضحة في انتخابات الرئاسة 2014، ولكنها في 2018 أكبر من أي انتخابات رئاسية سابقة، وهذا يدل أن هناك رفض للمرشحين السيسي وموسى مصطفى.
وتابع نافعة أنه من الصعب الحكم على "رئاسة 2018" بأنها انتخابات، لأنها لم تشهد منافسة حقيقية إلا من مرشح هو نفسه مؤيد للسيسي، في حين غاب المرشحين إما للزج بهم في السجون أو لانسحابهم اعتراضا على المشهد، بحد قوله.
واستطرد نافعة :"من أبطلوا أصواتهم أرادوا إرسال رسالة واضحة أنهم يرفضون الانتخابات والسياسات الحالية، ولكن ذهبوا إما تحت ضغط الغرامة، أو لإغراءات معينة، أو مجبرين من أماكن أعمالهم".
ورأى نافعة أنه كان هناك حشد من قبل الأجهزة الإعلامية والنواب لدفع المواطنين للنزول، ولكن في النهاية فإن هذه الانتخابات لا تعكس الإرادة الحقيقية للمصريين.
وفي السياق نفسه قال الكاتب الصحفي عباس الطرابيلي، في مقال منشور بجريدة المصري اليوم، إنه يجب دراسة أسباب ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة، وهل إذا ما كانت بسبب ما قيل عن الغرامات المالية - لمن لا يصوت، أم هى نوع من الرفض، أم رغبة البعض فى أن يقولوا لا، ولكن بطريقة أخرى هى إبطال الصوت.
وأضاف الطرابيلي في مقاله "لو كنت من رئاسة الجمهورية لطلبت فوراً دراسة ظاهرة المحافظات صاحبة هذه الأصوات الباطلة، ولماذا، وكيف يمكن معالجة ذلك، وليس فقط الاكتفاء بقراءة الأرقام ولكن بالنزول إلى الشوارع، ومعرفة رأى «الباطلين» على أرض الواقع".
وتحت عنوان "حزب المبطلين" تحدث الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، عن ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة، معتبرا أن هذه الانتخابات شهدت ظاهرة جديدة ونادرة، وهى أن عدد الذين صوتوا فى اليوم الثالث أكثر من الذين صوتوا فى اليوم الأول.
ورأى حسين أن التفسير الأقرب للمنطق هو أن التلويح بفرض غرامة الخمسمائة جنيه على غير المصوتين لعب دورا مهما فى هذا التحشيد، وإنه من المرجح أن غالبية الذين صوتوا خوفا من الغرامة، هم الذين أبطلوا أصواتهم أو أعطوها لموسى مصطفى موسى.
وتابع حسين في مقاله :"لو كنت مكان الرئيس ومساعديه لقمت بتحليل دقيق لكل الأرقام، وعلى حملة الرئيس السيسى أن تحتفل بهذه النسبة، لكن عليها أيضا أن تقرأ بعناية دلالة رقم الأصوات الباطلة بصورة هادئة ودقيقة، هؤلاء المبطلون بعثوا برسالة لابد من قراءتها والرد عليها، لدرجة يمكننا معها القول إنه صار لدينا فى مصر حزب اسمه «المبطلين»".