رئيس التحرير: عادل صبري 01:24 مساءً | الثلاثاء 29 أبريل 2025 م | 01 ذو القعدة 1446 هـ | الـقـاهـره °

رؤساء تحت مقصلة العدالة

رؤساء تحت مقصلة العدالة

أخبار مصر

رؤساء تحت مقصلة العدالة

رؤساء تحت مقصلة العدالة

محمد منير 22 مارس 2018 16:12

    لم يكن توقيف الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي حدثًا جللًا في الأوساط الغربية، التي فرَض فيها الوعي الشعبي والمجتمعي مظلّةَ العدالة وميزانَها على الجميع حتى الحكام.

 

 وربما يُعتبر هذا النوع من الأخبار غريبًا على بعض مجتمعات الشرق التي تعتبر الحاكم والمسئول نصف إله؛ لا تتم محاسبته أثناء خدمته أو بعدها إلا في إطار رغبة النظام الحاكم وحدود مصالحه، أو تقديم كِباش فداء لتجاوز احتقان جماهيري أو أزمة سياسية.. وهو الوضع الذي يفسِّر انتشار الفساد في هذه البلدان.

 

 المحال في هذه البلدان الشرقية هو محاكمة الحاكم على جريمة سياسية إلا في إطار المكايدة السياسية لحكم مُنْقَلب عليه، كما حدث مع الرئيس السابق محمد مرسي، وتحويل مباحثاته السياسية مع السلطة الفلسطينية إلى تخابر مع "حماس"!

 

  منذ أيام أوقفت الشرطة الفرنسية احترازيًا الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في إطار التحقيق حول شبهات بتمويل ليبي لحملته الانتخابية في العام 2007.

 

وقررت السلطات الفرنسية الاستماع للمرة الأولى إلى شهادة ساركوزي الذي تولّى الرئاسة بين عامي 2007 و2012 في تحقيق أمام شرطيين من المكتب المركزي لمكافحة الفساد، والتجاوزات المالية والضريبية، مؤكدةً معلومات أوردها موقع "ميديابارت" وصحيفة "لوموند".

 

الملاحظ أن السلطات الفرنسية تعاملت بجدية واهتمام مع معلومات ظهرت من خلال مواقع إعلامية وصحف، وهو ما يؤكّد ويشير إلى مدى احترام هذه الأنظمة لحرية الكلمة وحرية الصحافة، ومدى وعي الشعب الفرنسي الذي ضمن هذا النوع من التعامل واحترام حرية المواطن، وحقّه في انتقاد النظام الحاكم، بل وتوجيه الاتهام، وذلك دون استخدام لغة الدمججة الوطنية والتحجج بسمعة البلاد والأمن القومي، كما حدث مع كثير من الإعلاميين في مصر لمجرد إبداء الرأي في مشاهد تتعلق بعدم جدية الانتخابات الرئاسية، أو لحوارهم مع معارضين للمرشح الرئاسي الوحيد في مصر.

 

 

 والرقابة على الحاكم في بلدان احترام الديمقراطية لا تتوقف عند حدود محاسبة الحاكم بعد خروجه من الخدمة ففي عام 1974 أعلن ريتشارد نيكسون استقالته، وتم تقديمة للمحاكمة بتهمة التجسس، هو و5 من المخابرات الأمريكية على مكتب الحزب الديمقراطي بمبنى "ووترجيت" ، وهو الحزب الذي يشكل منافسة له في الانتخابات له عام 1972.

 

ورغم فوز "نيكسون" وتوليه مهام الرئاسة لدورة ثانية إلا أنه بمجرد توجيه الاتهام له ول 5 من أفراد المخابرات الأمريكية لم تحمِّه أي حصانة، وتولى مكتب الـ FBI التحقيق، وتم إجبار الرئيس "نيكسون" على الاستقالة ومحاكمته وإدانته، والحكم عليه حتى أصدر الرئيس "فورد" عفوًا عنه لظروفه الصحية.

 

 وحدود العدالة والديمقراطية لا تتوقف فقط في هذه البلدان عند المخالفات السياسية، وإنما الأمر يتعلق بمصالح البلاد الاقتصادية والفساد المالي، كما حدث مع كريستيان فولف الرئيس الرابع عشر لألمانيا، والذي اضطر للاستقالة يوم 17 فبراير 2012 بسبب طلب الادعاء العام في ولاية سكسونيا السفلى رفع الحصانة عنه للتحقيق في تهم إخلال بالواجب، تتعلق بحصوله على قروض منخفضة الفائدة أثناء فترة ولايته كرئيس وزراء للولاية!

 

وربما يعتبر هذا المشهد غريبًا بالنسبة للمواطن المصري الذي عاصر تهريب الثروات الطائلة للرئيس السابق محمد حسني مبارك وأبنائه للخارج، ورغم كل الأدلة والقرائن والاعترافات وخروج "مبارك" من الحكم لم يتم استرداد هذه الثروات، وهو ما يشكّل مناخًا آمنًا لانحراف أي مسئول.

 

 

   ولا يعتبر خروج المسئول أو الحاكم من دائرة الحكم بريء الذمة ولا تسقط جرائمه وخالفته بالتقادم ففي عام 2011 أصدرت محكمة فرنسية، حكمًا بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ على الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وذلك بعد أن وجد القاضي أنَّه مذنب بالفساد وتبديد المال العام واستغلال ثقة الشعب.

 

وجاء في منطوق الحكم الذي تلاه القاضي دومينيك بوت: "لقد خرق جاك شيراك واجب النزاهة المطلوب من قبل المسؤولين العاملين في الحقل العام، وذلك على حساب المصلحة العامة للباريسيين".

 

وكان "شيراك" قد قُدِّم للمحاكمة بتهمة تحويل أموال عامة إلى وظائف وهمية لأعوان سياسيين حين كان رئيسًا لبلدية باريس بين عامي 1977 و1995.

 

  ولا تتوقف حدود محاسبة الرؤساء عند حدود المخالفات السياسية والمالية، بل إن سمعة الرئيس الأخلاقية تشكل عنصرًا مهمًا لدى المجتمعات التي تحترم الديمقراطية، حتى لو كانت مجتمعات قائمة على أسس عنصرية مثل إسرائيل.

 

ففي عام 2008 بدأت إسرائيل محاكمة الرئيس السابق موشيه كتساف بشأن تهم تتعلق بسلسلة من الجنح الجنسية والتحرش بعدد من الموظفات، ليصبح أول رئيس إسرائيلي سابق يمثل أمام القضاء.

 

وبعد هذا التاريخ بستّ سنوات وفي عام 2014 كان أيضا أول حكم على رئيس لوزراء إسرائيل عندما أصدرت محكمة إسرائيلية حكمها بسجن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ستة أعوام وذلك في قضية متعلقة بحصوله على رشاوى.

 

        

   فرق واضح بين بُلْدان تعتبر الديمقراطية حلة للتباهي والمنظرة ولا تتدثر بها وبين دول تحصن شعوبها بالديمقراطية واحترام العدالة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان