حالة من الغموض والضبابية تهيمن على مصير الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عام 2018 المقبل، فبرغم اقتراب موعدها إلا أنه حتى الآن لم تعلن أي من الشخصيات السياسية أو العامة ترشحها، في حين قررت رموز أخرى عدم الترشح، على رأسها "حمدين صباحي وعمرو موسى".
فخلال حوار مع برنامج بلا قيود – المذاع على قناة بي بي سي عربي - أعلن المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي عدم ترشحه للانتخابات القادمة، لينتهي بذلك دوره في سباق الرئاسة مكتفيًا بوجوده ضمن مجموعة من القوى السياسية التي تسعى لطرح بديل عن النظام السياسي الحالي.
وقال صباحي – خلال الحوار - إنه سيقف خلف أي مرشح مدني يرفع شعارات ثورة 25 يناير، لافتا إلى أنه هناك عدد من الأسماء المطروحة، وهم :"المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا، والسفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق والقيادي بالتيار الديمقراطي، والمحامي الحقوقي خالد علي " .
ياسر قورة، نائب رئيس حزب الوفد، رأى أن قرار حمدين صباحي بعدم الترشح صائب خاصة بعد عدد الأصوات الهزيل – على حد وصفه - الذي حصل عليه خلال المرة الماضية التي ترشح فيها أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأضاف قورة لـ "مصر العربية" أن من حق أي قوى سياسية أن تدفع بالمرشح الذي ترى فيه المواصفات المناسبة، ولكن البلاد تمر بمرحلة صعبة تحتاج إلى مواصفات خاصة لمن يترشح للرئاسة، وهناك حسابات كثيرة أيضًا، ولا أظن أنها متوفرة في أي من الأسماء المطروحة.
وأشار إلى أن فكرة التغيير لمجرد التغيير غير واردة عند الشعب المصري، ولابد أن يكون الطرف المرشح لديه من الإمكانيات والقدرات الشخصية والبرنامج والفكر الذي يجعله قادرًا على منافسة الرئيس السيسي.
وتعليقا على ما ذكره صباحي بأن السلطة الحالية فاشلة وأن السيسي فقد شعبيته قال قورة "بعض الناس غير راضية عن أداء الرئيس فيما يتعلق بالملف الاقتصادي فقط، ولكن في المقابل هو لم يفعل شيئا قاتل حتى يطالب الشعب بالتغيير".
وتابع:"من الوارد أن يمنح الشعب السيسي فرصة ثانية خاصة أنه لا يوجد من يحظى بالقناعة الشعبية ليتنافس أمامه، فضلا عن احتمالية انتهاء الأزمة الاقتصادية وجني ثمار الإصلاح الاقتصادي قريبا".
وأردف "ما هي إنجازات صباحي ليقول إن السلطة فاشلة، فالإخفاق في الملف الاقتصادي لا يعني أنه نظام فاشل، كما أنه ليس هناك انقلاب على الدستور كما ادعى فهي كانت مجرد طرح إعلامي من قبل البعض وقوبل بالرفض ولم يدخل حيز التنفيذ".
وشن اللواء محمد الغباشي، رئيس حزب حماة الوطن، هجوما حادا على حمدين صباحي، قائلا :"هؤلاء تكشفت حقيقتهم، واتضح من المشهد أن المؤيدين لـ 30 يونيو كانوا يبحثون عن مصالح ومكاسب وليسوا داعمين للوطن، ولما لم تتحقق انقلبوا تماما على المبادئ والأفكار التي كانوا يؤيدونها".
واعتبر الغباشي أنّ "صباحي" كان يبحث عن دورا في السلطة، وأصبح لديه القناعة الكاملة أنه لن يحصل عليه، ويعلم جيدا أنه لا يحظى بشعبية وإذا ترشح ثانية لن يحصل على أية أصوات.
وعن الأسماء التي ذكرها صباحي باعتبارها مطروحة للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة قال الغباشي:"الموقف السياسي لا يحتمل كوميديا غير مقبولة، فمجرد ذكر هذه الأسماء كوميديا غير لطيفة".
واستطرد:"هؤلاء الأشخاص لو اتحدوا جميعًا في شخص واحد، لن يحققوا أكثر مما حققه حمدين صباحي في المرة السابقة، فهل سينجحون فيما فشل فيه صباحي؟".
في حين اختلف معهم فريد زهران، رئيس حزب المصري الديمقراطي، قائلا "رغبة صباحي تحترم، ولكني لازلت اقتنع أنه لو تم فتح المجال العام والسياسي سنسمع عن كثير من الشخصيات المحترمة التي ترى أنه لا جدوى من ترشحها حاليا في ظل هذا المناخ".
وتابع زهران "لو تمت الانتخابات في ظل الأجواء الحالية فلن تعكس إرادة الناخبين ولا المرشحين الراغبين في الترشح، سيترشح عدد محدود من الشخصيات التي تقبل بهذه الشروط المجحفة، لأنه ليس لديها آمال كبيرة في تحقيق نتائج جادة".
وحول قرار ترشحه للرئاسة من عدمه، قال السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق والقيادي بالتيار الديمقراطي، إنه لم يحسم هذا الأمر بعد مضيفا :"أنا جندي إن تم تكليفي من القوى الوطنية المصرية فمن المؤكد أنى سأتولى هذه المهمة .
وكشف مرزوق أنه خلال الأسابيع القليلة القادمة سيعلن موقف التيار فيمن يدفع به لشغل مقعد الرئاسة بقصر الاتحادية، لافتا إلى أن القضية الرئيسية بالنسبة لهم هو مواجهة دولة المحاسيب، التي ظهرت في عصر الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك وعادت مرة أخرى.
وأبدى القيادي بالتيار الديمقراطي تخوفه من المناخ العام والسياسي الحالي، مشددًا على ضرورة وجود ضمانات دولية بأن تكون الانتخابات نزيهة، في ظل مؤشرات تؤكد أنه ستكون عكس ذلك .
وأشار إلى أن مجموعة من القوى السياسية والمدنية –التي ينتمي إليها- عكفت على إعداد برنامج شامل، هو الآن في طور اللمسات الأخيرة، يتضمن علاج لكافة الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويناقش كل ما يواجه مصر من تحديات مثل التي تتعلق بالتعليم والصحة والعدالة الانتقالية والاجتماعية وغيرهم.
وتابع مرزوق:"كنا نتمنى أن تتبنى السلطة الحالية تلك الأفكار والحلول، ولكن يبدو أنها لا تسمع سوى نفسها"، محذرًا من أنه توجد حالة احتقان شديدة بالمجتمع نتيجة السياسات المتبعة حاليا.
أما عن أول قرار سيتخذه حال تولى منصب رئاسة الجمهورية، يقول مرزوق: " إن حدث فهناك مجموعة قرارات كلها حاضرة أبرزها مواجهة سريعة لكل أوكار الفساد في مصر، التي أكلت الأخضر واليابس، ثم سأتخذ بعدها مجموعة قرارات فرعية".
وتواصلت "مصر العربية" مع المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، والذي أكد أنه لم يحسم أمر ترشحه للرئاسة بشكل نهائي، وأن الأهم لديه الآن هو الانتهاء من إعداد "برنامج إنقاذ البلاد" الذي يعده مجموعة من الخبراء والمتخصصين كروشتة علاج لكل الأزمات التي تعاني منها البلاد.
وشدد جنينة أنه إذا كان الشعب يرضى بأداء الرئيس عبد الفتاح السيسي ويريد التجديد له لولاية ثانية، فهو سيحترم إرادة المواطنين في ذلك، شريطة أن تكون الانتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة وإشراف دولي، وفي ظل حكومة محايدة لا تستخدم أدوات الدولة لتزكية مرشح بعينه وتشويه مرشح صالح آخر.
وأضاف "أنا أشكر كل شخص وضع ثقته في وهذا يحملني مسؤولية أكبر، ولكن ما يشغلني حاليا هو برنامج الإنقاذ الذي سيتم طرحه على الشعب قريبا بشكل علني بعد اكتمال الصورة النهائية لهذا البرنامج الذي نخاطب به الشعب والسلطة والحكومة لأنهم جزء من الشعب".
وقال جنينة "هذا البرنامج سيخرج البلاد من عنق الزجاجة، وحتى لو الرئيس السيسي نفسه جاء وتبناه سنقف وراءه وسنكون أول من يدعمه، ويكون هو الميثاق بينه وبين الشعب إن ارتأى أنه الأجدر بأن يحمل هذا البرنامج، والصناديق هي من تقول من يحكم مصر".
وتابع أن هدف المجموعة التي وضعت برنامج الإنقاذ ليس مقعد أو منصب رئاسي ولكن إنقاذ مصر، فهي رأت أن استمرار قيادة البلاد بهذا الأداء لولاية ثانية سيحقق كارثة، لذا ستطرح هذا البرنامج ليكون ميثاق وعقد اجتماعي ما بين الحاكم المقبل وبين الشعب والقوى السياسية .
واختتم جنينة حديثه قائلا :"كل ما نتمناه أن نخرج بانتخابات حقيقية وليست مصطنعة تدفع بمرشحين حقيقين قادرين على المنافسة، ولن نشارك في لعبة هزلية أو مسرحية تسيئ لوجه مصر الحضاري على المستوى الدولي".
إلى جانب ذلك أكد عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، عزمه عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، قائلا في تصريحات صحفية "أسبابي احتفظ بها لنفسي، لكن ما يثير قلقي واستغرابي هو تلك الحملات المحمومة التي تنال من أي شخصية عامة في مصر تعلن اعتزامها أو حتى مجرد التفكير في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية".
على صعيد متصل انتشرت في الآونة الأخيرة حملات دعائية تطالب الفريق أحمد شفيق، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بالترشح للرئاسة، رفعت شعار "لا مستقبل إلا بالتغيير".. "أحمد شفيق رئيسا لمصر.. شارك في صنع المستقبل".
بينما يلتزم شفيق الصمت ولم يعلن ترشحه أو ينفي ذلك، فيما قال حزب الحركة الوطنية – الذي يترأسه الفريق أحمد شفيق- في بيان سابق له، إن الحزب سيعقد مؤتمره العام في يناير المقبل ويعلن موقف شفيق من ترشحه للرئاسة.
في السياق نفسه لم يحسم الرئيس عبد الفتاح السيسي أمر ترشحه لولاية ثانية، في حين اكتفى بقوله - خلال خطابات سابقة له، إنه يترك الأمر لإرادة الشعب المصري.
وفي ظل هذه الحالة الضبابية التي تسيطر على المشهد وسط مرشحون غائبون وموعد غير محدد لإجراء الانتخابات الرئاسية يبقى التساؤل من يحكم مصر في 2018.