يدعو بعضٌ ممن ساعدوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الوصول إلى سدة الحكم لاختيار شخص آخر لخلافته في المنصب خلال الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وهو ما يعكس تحولًا في الرأي الغالب- وسط مؤيديه- الذي يقول إنّه يمثل ركيزة للاستقرار في البلاد، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء.
ورغم أن السيسي لم يعلن بعد ما إذا كان سيخوض الانتخابات المقررة في يونيو القادم، فقد أبدى شخصان فقط إمكانية منافسته ، لكنهما قالا إن السيسي سيفوز على الأرجح.
وباتت الانتقادات التي يوجهها عدد من أقوى حلفاء السيسي السابقين بشأن تعامله مع ملفات الاقتصاد والأمن وقضية تعيين الحدود أمرًا ملفتًا للنظر في بلد يشكل فيه الخوف من الاضطرابات عاملاً إضافيًا يخنق المعارضة.
ونقلت رويترز عن حازم عبد العظيم - شخصية بارزة في حملة السيسي الانتخابية عام 2014 - قوله:" لازم يمشي... مكنش صادق.. محترمش الدستور أو القانون وفرط في الأرض وغرق البلد في ديون".
ولم تردّ الرئاسة على طلب للتعليق، ويرفض حلفاء السيسي الاتهامات الموجهة بانتهاك الحقوق ويقولون إن الإجراءات التي يتخذها ضرورية من أجل الأمن، فيما يؤكد السيسي أن حكومته تعمل على إصلاح الاقتصاد وإعادته إلى مساره.
واعتبر العديد من المصريين اتفاقية تعيين الحدود البحرية التي أبرمها السيسي مع السعودية العام الماضي وتضمنت نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للمملكة إهانة للسيادة الوطنية.
وفيما يتعلق بالأوضاع الداخلية، يعاني المصريون من ارتفاع معدلات التضخم وهجمات المتشددين المستمرة التي تقول الحكومة إنها تبرر سجنها لمعارضين وناشطين سياسيين وإغلاقها لوسائل إعلام معارضة.
وفاز السيسي بانتخابات الرئاسة التي أجريت عام 2014 باكتساح وذلك بعد عام من إعلانه حين كان وزيرًا للدفاع عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وتعهد السيسي حينها بتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار وبشن حملة صارمة على الإرهابيين.
ولا يزال يخشى معظم سكان مصر من تحدي الوضع القائم بعد مرورهم خلال السنوات الماضية بتجارب مختلفة منها انتفاضة تطالب بالديمقراطية والعيش في ظل مجلس عسكري حاكم وحالة طوارئ طويلة.
وخلال عهد السيسي، سُجن آلاف المعارضين وأغلقت وسائل إعلام مستقلة وفرضت الكثير من القيود على إجراء استطلاعات للرأي.
وحذرت الحكومة المواطنين من المشاركة في استطلاعات الرأي بعد مرور شهر على إعلان المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) المؤيد للحكومة تراجع شعبية السيسي بنسبة 14٪ العام الماضي.
وقال عبد العظيم فقدت الثقة في السيسي تدريجيا بسبب وعوده الاقتصادية الفاشلة وسياساته القمعية التي تعتبر "أسوأ من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك".
وأضاف، نقل تبعية الجزيرتين إلى السعودية دفعه للتنديد بالسيسي على قناة الجزيرة التي يصفها مؤيدو السيسي بأنها بوق لجماعة الإخوان .
وقال عبد العظيم، الذي كان يرأس لجنة الشباب في حملة السيسي "أنا (كنت) محروق جدا... احنا بنتكلم على أرض بتضيع".
وأضاف "أنا ليا تحفظات علي الجزيرة لكن الراجل مسبلناش خرم إبرة نتنفس منه. أنا عايز الناس تسمع.. أنا هتكلم فين؟".
وقالت نور الهدى زكي، الكاتبة الصحفية المعروفة وكانت يوما ما أحد أبرز الشخصيات في حملة السيسي:" فكرة تخلي مصر عن الجزيرتين كانت أشبه بصفعة على وجهها.. أنا حسيت أن في إهانة للقسم اللي الرئيس حلف عليه".
وخلال فترة حكمه التي استمرت عاما واحدا، واجهت حكومة مرسي احتجاجات بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود، ووصل مرسي للسلطة في انتخابات عام 2012 بعد نحو عام ونصف من ثورة 2011 .
وبعد عزل مرسي عام 2013، نال السيسي قائد الجيش إعجاب شريحة واسعة من الجماهير بزيه العسكري ونظارته الشمسية الداكنة وخطاباته البليغة، وكانت المحال تبيع حلوى مزينة بصورته.
والآن تتزايد التحديات، فمصر تواجه جماعة إرهابية تنشط في شمال سيناء، وكثفت هذه الجماعة هجماتها منذ عزل مرسي وقتلت المئات من الجيش والشرطة.
وركزت الجماعة، التي كانت تعرف باسم أنصار بيت المقدس قبل أن تغير اسمها إلى ولاية سيناء عام 2014، هجماتها في الشهور الأخيرة على المسيحيين في مناطق متفرقة وقتلت نحو 100 منذ ديسمبر ، وكان المسيحيون من أبرز المؤيدين للسيسي.
وتقول جماعات لحقوق الإنسان إن الأمن يُستخدم ذريعة لحملة حكومية متصاعدة لإسكات المنتقدين، ومنذ 24 مايو قامت الحكومة بإغلاق 122 موقعًا إخباريًا على الأقل وفقا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وشهدت تكاليف المعيشة ارتفاعًا صاروخيًا بالنسبة لمعظم المصريين بعد سنوات من الاضطراب السياسي، فضلا عن انخفاض قيمة الجنيه وزيادة الضرائب وخفض الدعم تطبيقا لبنود اتفاق قرض من صندوق النقد الدولي.
وكانت نور الهدى واحدة من أبرز المتطوعين في حملة السيسي الرئاسية، وسافرت إلى معظم محافظات مصر للترويج لحملته وظهرت في برامج حوارية وشاركت في مسيرات وهي تلوح بعلم مصر وتهتف قائلة "الله أكبر.. السيسي جاي" .
لكنها الآن لا ترى اختلافا بين السيسي ومبارك ، وقالت "النظام اللي احنا ثرنا ضده في يناير رجع... أدوات القمع أسوأ من مبارك".
لا يعني تنامي الاستياء بالضرورة تغيير القيادة، يقول محمد أنور عصمت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، إنه يفكر في الترشح للرئاسة لكنه يعلم أن الفوز لن يكون حليفه. وكان السادات من مؤيدي السيسي في السابق وأسقط البرلمان عضويته في وقت سابق هذا العام.
وقال السادات لرويترز: الترشح للرئاسة سيتيح فرصة التحدث عن المظالم، ليس أمامه حل آخر سوى الترشح كي يتمكن من الحديث وإبداء الاختلاف في الرأي.
وقال المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي (45 عاما)، أبرز المحامين الذين يختصمون الحكومة لمنع نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، إنه يفكر في الترشح ضد السيسي، لكنه ينتظر معرفة ما إذا كان سينتهي به الحال إلى السجن.
وبدأت محاكمة المحامي الشهير بخوض القضايا الحقوقية والعمالية الشهر الماضي بتهمة "القيام بفعل فاضح خادش للحياء العام"، ونسب لعلي توجيه إشارة بذيئة بيديه خلال احتفال بصدور حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا يوم 16 يناير ببطلان توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، لكنه ينفي .
وتصل عقوبة هذا الاتهام إلى السجن لمدة سنتين، وإذا أدين في القضية سيحرم من الترشح حتى ولو تم تغريمه فقط.
ويقول بعض المحللين إن انقلاب بعض حلفاء السيسي السابقين عليه يشير إلى خيبة أمل واسعة، لكنهم يرون تأثيرًا محدودًا لذلك على استقرار مصر الذي يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة والحلفاء الذين يكافحون لاحتواء الصراع في سوريا واليمن وليبيا.
وقال تيموثي كالداس، باحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط:" الافتقار إلى الشعبية سيؤثر دائمًا على الاستقرار... لكن مبارك لم يحظ بشعبية لأكثر من عقد من الزمان وبقي في السلطة ولم يواجه سوى تحدٍّ بسيط حتى عام 2011".